بين ضابط عربي وقائد يهودي

أبو الهيثم محمد درويش

هناك فارقاً عظيماً بين جنودنا وهؤلاء المتطوعين المسلمين، إن جنودنا يقاتلون لتأسيس وطن يعيشون فيه، أما الجنود المتطوعون من المسلمين فهم يقاتلون ليموتوا، إنهم يطلبون الموت بشغف أقرب إلى الجنون، ويندفعون إليه كأنهم الشياطين، إن الهجوم على أمثال هؤلاء مخاطرة كبيرة، يشبه الهجوم على غابة مملوءة بالوحوش، ونحن لا نحب مثل هذه المغامرة المخيفة..

  • التصنيفات: التاريخ والقصص -

القصة تغني عن أي تعليق..
ضابط عربي كبير وقع أسيراً في أيدي اليهود عام 1948م.
أن قائد الجيش اليهودي دعاه إلى مكتبه قبيل إطلاق سراحه، وتلطف معه في الحديث.
سأله الضابط المصري: هل أستطيع أن أسأل لماذا لم تهاجموا قرية صور باهر؟

وصور باهر قرية قريبة من القدس.
أطرق القائد الإسرائيلي إطراقة طويلة ثم قال: أجيبك بصراحة، إننا لم نهاجم صور باهر لأن فيها قوة كبيرة من المتطوعين المسلمين المتعصبين، دهش الضابط المصري، وسأل فوراً: وماذا في ذلك، لقد هجمتم على مواقع أخرى فيها قوات أكثر وفي ظروف أصعب؟!

أجابه القائد الإٍسرائيلي: إن ما تقوله صحيح، لكننا وجدنا أن هؤلاء المتطوعين من المسلمين المتعصبين يختلفون عن غيرهم من المقاتلين النظاميين، يختلفون تماماً، فالقتال عندهم ليس وظيفة يمارسونها وفق الأوامر الصادرة إليهم، بل هو هواية يندفعون إليها بحماس وشغف جنوني، وهم في ذلك يشبهون جنودنا الذين يقاتلون عن عقيدة راسخة لحماية إسرائيل.

ولكن هناك فارقاً عظيماً بين جنودنا وهؤلاء المتطوعين المسلمين، إن جنودنا يقاتلون لتأسيس وطن يعيشون فيه، أما الجنود المتطوعون من المسلمين فهم يقاتلون ليموتوا، إنهم يطلبون الموت بشغف أقرب إلى الجنون، ويندفعون إليه كأنهم الشياطين، إن الهجوم على أمثال هؤلاء مخاطرة كبيرة، يشبه الهجوم على غابة مملوءة بالوحوش، ونحن لا نحب مثل هذه المغامرة المخيفة، ثم إن الهجوم عليهم قد يثير علينا المناطق الأخرى فيعملون مثل عملهم، فيفسدوا علينا كل شيء، ويتحقق لهم ما يريدون.

دهش الضابط المصرى لإجابة القائد الإسرئيلي، لكنه تابع سؤاله ليعرف منه السبب الحقيقي الذي يخيف اليهود من هؤلاء المتطوعين المسلمين.

قال له: قل لي برأيك الصريح، ما الذي أصاب هؤلاء حتى أحبوا الموت، وتحولوا إلى قوة ماردة تتحدى كل شيءٍ معقول؟!
أجابه الإسرائيلي بعفوية: إنه الدين الإسلامي يا سيادة الضابط، ثم تلعثم، وحاول أن يخفى إجابته، فقال: إن هؤلاء لم تتح لهم الفرصة كما أتيحت لك، كي يدرسوا الأمور دراسة واعية تفتح عيونهم على حقائق الحياة، وتحررهم من الخرافة وشعوذات المتاجرين بالدين، إنهم لا يزالون ضحايا تعساء لوعد الإسلام لهم بالجنة التي تنتظرهم بعد الموت.

وتابع مسترسلاً: إن هؤلاء المتعصبين من المسلمين هم عقدة العقد في طريق السلام الذي يجب أن نتعاون عليه، وهم الخطر الكبير على كل جهد يبذل لإقامة علاقات سليمة واعية بيننا وبينكم، وتابع مستدركاً -وكأنه يستفز الضابط المصرى ضد هؤلاء المسلمين-، تصور يا سيدي أن خطر هؤلاء ليس مقتصراً علينا وحدنا، بل هو خطر عليكم أنتم أيضاً، إذ أن أوضاع بلادكم لن تستقر حتى يزول هؤلاء، وتنقطع صرخاتهم المنادية بالجهاد والاستشهاد في سبيل الله، هذا المنطق الذي يخالف رقي القرن العشرين، قرن العلم وهيئة الأمم والرأي العام العالمي، وحقوق الإنسان.

واختتم القائد الإسرائيلي حديثه بقوله:
يا سيادة الضابط أنا سعيد بلقائك، وسعيد بهذا الحديث الصريح معك، وأتمنى أن نلتقى لقاءً قادماً، لنتعاون في جو أخوى لا يعكره علينا المتعصبون من المسلمين المهووسين بالجهاد وحب الاستشهاد في سبيل الله.

نقلها جلال العالم في كتابه (قادة الغرب يقولون) نقلاً عن مجلة المسلمين –العدد الأول من المجلد الثامن– شهر تموز عام 1963م.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام