إسلامكم قميص!
غادة النادي
أنتم ارتديتُم إسلامَكم كمن ارتدَى قميصًا على جسدِه منذ أن ولد، لا يشعر به إلا ساعة ارتدائه، وطالما أنه ملاصق لجسده يختفي إحساسُه به كما لو كان لا (وجودَ له)، وأنتم اختفى إحساسُكم بإسلامِكم، اختفى حبُّكم وغيرتُكم وتأججُ مشاعرِكم لنصرة هذا الدين والاستماتة في اتباع كلِّ تعاليمه بفهم سليم، وبدعوة الناس إليه بالحكمة والموعظة الحسنة.
- التصنيفات: قصص مؤثرة - المسلمون الجدد -
(الشيخ فريدُ) هو واحدٌ من المسلمين الجدد الأمريكيين، أسلم بداخل السجن، وحسُن إسلامُه بفضل الله، ثم خرج وبدأ حياته وحقق نجاحًا طيبًا وسمعةً حسنةً، بحكم عملي كداعية مع وزارة الإصلاح الأمريكية سمعتُ عنه كثيرًا وعن مدى قوة شخصيته، واعتزازه بإسلامه، ووقوفه في وجه الجميع حتى يحصل لنفسِه ولإخوانِه على حقوقِهم.
وحينما أرد اللهُ أن ألتقي به قابلتُه؛ فوجدتُه شيخًا كبيرًا قد تجاوز السبعين عامًا، رحَّبَ بي جدًا، وأجلسني على مقعدٍ مقابلٍ لمكتبِه، ونظر لي وابتسم، ودار بيننا هذا الحوار:
الشيخ فريد: "هاه يا ابنتي العزيزة، ماذا تريدين أن تتعلمي مني اليوم؟".
غادة: علمني ما تُحب أن تعلمه لابنتك.
الشيخ فريد (ضاحكًا): "لا أظن لديكِ وقت كاف وصبر حتى تجلسي معي (٧٠) عامًا، هم سنوات عمري، كي أعلمك"؛ فابتسمنا ثم استكمل الحديث الذي استمر بيننا لأكثر من ساعتين، أًلخص لكم أهم ما فيه على لسان الشيخ الكريم الفاضل.
الشيخ فريد: "حينما قتلتُ نفسًا وسُجنت؛ تأكدتُ أن هذه هي نهايةُ العالم، وكلما سألتُ: هل لي من مغفرة؟ هل من الممكن أن أصبح رجلاً صالحًا؟ قالوا لي -يقصد القساوسة-: نعم، سندعو لك ربَّك، ونتوسط لك بأن يغفرَ لك، سألتُ نفسي وقتها: وإن نسي القسُّ أن يفعل هذا، هل سأظل بذنبي طيلة حياتي؟! أنا أريد إلهًا لا وسيطَ بيني وبينه، اشتقتُ لمناجاة مَن خلقني دونما وسطاء؛ فدفعني هذا الشوقُ المتقدُ وتلك الرغبة الصادقة في التوبة أن أبحثَ وأنقبَ في النصرانية واليهودية والبوذية وكثير من العقائد إلى أن وصلت للإسلام، ووجدته (الدينَ الوحيدَ) الذي لا يجعل ولا يقبل أبدًا بوجود وسطاء بين العبد وخالقه؛ فانشرح صدري له وأعزني الله بالإسلام".
غادة -مقاطعة حديثه حتى أسأله سؤالي المفضل الذي أسأله لكلِّ مسلمٍ جديدٍ؛ لأن هذا الباب وجدت فيه نفعًا ودروسًا وعبرًا عظيمة جدًا-: أخبرني يا أبي الكريم، ما أجملُ شيء وجدته وأحبه قلبُك في الإسلام؟
الشيخ فريد: "وما وجدتُ في الإسلام أجمل من الدعاء يا ابنتي؛ فنهلتُ من هذه العبادة حتى صارت جنتي في السجن، وإلى يومنا هذا وأسأل الله ألا يحرمني من جنة الدعاء هذه إلى أن ألقاه، وسأقصُّ عليكِ قصةً جميلةً؛ حينما كنتُ بالسجن وعلمتُ أني مُصابٌ بمرض السرطان، وفي حالة متأخرة، ولا بُدَّ من استئصال ساقي رفضتُ، قُلت: لا أقوى أن أعيش بساقٍ واحدٍ؛ فهذا بالنسبة لرجل نشيط مثلي لا ينام أكثر من أربع ساعات في اليوم هو موتٌ بطيءٌ أشد قسوةً وألمًا من أي شيء آخر، وطالما أن لي ربًا كريمًا شافيًا رحيمًا يسمع دعائي ويقضي حاجتي؛ سأدعوه لكي يشفيني، فإما شفاءٌ، أو موتٌ، وكله لن يتم إلا بأمر الله.
فدعوتُه كثيرًا جدًا، ومكثتُ الأيامَ والليالي الطويلة أتحرى أوقاتَ الإجابةِ، وأتصدقُ وأدعو بقيةَ زملائي السجناءِ من غير المسلمين للإسلامِ، ويسلم مَن يسلم فيهم وأهرع لربي أرجوه بهذا العمل الصالح كأصحاب الصخرة، ولازمتُ الاستغفارَ كما تلازمني أنفاسي، لا يشغلني عنه سوى أمر عظيم، كما علمنا ربُّنا في كتابِه وأوصانا رسولُنا صلواتُ ربي عليه، ويكفينا ما جاء في محكم آيات الله وما صحَّ من أحاديث رسول الله عن فضل الاستغفار وخيراته، علاوةً على فضل الدعاء وما يجلبه للعبد من خيرات وبركات لا يعلم قدرَها إلا الله.
ومكثتُ شهورًا على هذا الحال، وأنا أدعو الله وأنا موقن بالاجابة كما علَّمنا رسولُ الله، ولم يخذلني ربي، وشفاني شفاءً تامًا عاجلًا، إلى الحد الذي كان طاقمُ الأطباء والتمريض بمستشفى السجن على وشك أن يفقدوا عقلَهم، ودعوتهم للإسلام لكن لم يسلم منهم أحدٌ وقتها؛ قالوا: (للطبيعةِ مُعجزاتٌ أكثرُ من هذا)، لكنني ما عليَّ إلا البلاغ.
وها أنا أمامك يا ابنتي بعد خمسة عشر عامًا من هذه المعجزة، سليمًا معافًى بفضل الله، وها هي قدمي أسعى بها في سبيلِه. والشاهدُ والدرسُ من قصتي يا ابنتي: أن اليقينَ وحُسنَ الظنِّ في رحمة الله، مع صدق اللجوء إليه والتقوى والورع؛ نجاةٌ وجنةٌ في الأرض".
وحينما سألتُه السؤال المعتاد –الثاني- الذي أسأله لكلِّ المسلمين الجُدد: كيف ترى الفارق بيننا -المسلمين بالوراثة- وبينكم -المسلمين الجددَ-؟ ردَّ عليَّ بإجابة من أعجبِ وأروعِ ما سمعتُ.
الشيخ فريدُ: "الفارق بيننا وبينكم يا ابنتي –للأسف- كبيرٌ؛ فأنتم إسلامكم اتخذتموه (قميصًا)، ونحن إسلامنا اتخذناه (زجاجةَ عطرٍ من أفخمِ وأجملِ عطورِ العالم)، و(أنبوبة أكسجين تمنحنا قُبلةَ الحياة).
أنتم ارتديتُم إسلامَكم كمن ارتدَى قميصًا على جسدِه منذ أن ولد، لا يشعر به إلا ساعة ارتدائه، وطالما أنه ملاصق لجسده يختفي إحساسُه به كما لو كان لا (وجودَ له)، وأنتم اختفى إحساسُكم بإسلامِكم، اختفى حبُّكم وغيرتُكم وتأججُ مشاعرِكم لنصرة هذا الدين والاستماتة في اتباع كلِّ تعاليمه بفهم سليم، وبدعوة الناس إليه بالحكمة والموعظة الحسنة.
أما نحن: فلم نرتدِ قميصَ الإسلام منذ مولدنا، ولم نكن حتى نعرفه؛ فكم ضللنا وكم تعثرنا وكم أظلمت أيامنُا بظلام الشرك وتيه الإلحاد! وما يورثه من ذلةٍ وضياعٍ وتخبطٍ وحيرةٍ ومعاصٍ، وعشنا بدونه سنواتٍ طويلةً، نحن فقط مَن يعلم كم ما عانيناه وتحملناه من عذاب الكفر، وآلام ابتعاد الروح عن خالقها، ونجاسة الكفر والشرك بالله التي ما كان ليزيلها عنَّا حتى أنهار وعطور العالم.
فجاء لنا الإسلامُ يغسل عنا قاذورات الكفر ونجاساته وضلالاته؛ يطهر أبداننا وأرواحنا، ويزيل الران وظلام الشرك عن قلوبنا، ويربطها بخالقها؛ فأصبح بالنسبة لنا كأجمل وأعظم عطر في الدنيا؛ لأنه منحنا أجمل ما يقوينا على تحمل صعاب هذه الحياة الدنيا ومحنها وإبتلاءاتها ونوائبها، وأجمل ما صرنا نعيش به بين الناس.
وإن شعرنا أن هذا العطرَ ربما يخفت أو تقل رائحتُه أو يفارقنا لحظة واحدة؛ قتلنا الخوفُ من أن نعودَ لما كنا عليه، وحاولنا بكلِّ قوتِنا أن نبحث كيف نستزيد منه بشتى الطرق خشيةَ أن تعاودنا هذه الخبائث الكفرية اللعينة، وتلك الحياة الكفرية الكئيبة مرة أخرى.
فاجعلي إسلامك وإيمانك يا ابنتي زجاجةَ عطرٍ فواحٍ، إن وجدتيها تنقص زيديها باستمرار، ولا تجعليها تنضب أبدًا، وأنبوبة الأكسجين التي تتفتح بها رئتاكِ وقلبُك وشرايينُ الإيمان في روحك كلما ضاقت أنفاسُك من كبد الحياة ومصائبها وويلات الطريق ومشقة حمل الرسالة والأمانة، هنا تضمني سعادة الدارين بإذن الله، مهما كان حزنُك أو معاناتُك".