(217) سُنَّة تكفير اليمين وفعل الأفضل

راغب السرجاني

من الأفضل للمسلم ألا يُكْثِر الحلف؛ فقد يَحدث أن يُغَيِّر رأيه، فقد يدفعه إلى فعل ما لا يُرضيه؛ بل ما لا يُرضي الله؛ لهذا جاءت هذه السُّنَّة..

  • التصنيفات: السيرة النبوية -

من الأفضل للمسلم ألا يُكْثِر من الحلف؛ فقد يَحدث أن يُغَيِّر المرء رأيه من وقت لآخر، فيُصبح الحلف بذلك قيدًا له، وقد يدفع الحلفُ الإنسانَ أحيانًا إلى فعل ما لا يُرضيه؛ بل إلى فعل ما لا يُرضي الله عز وجل، ومع ذلك فبعضُ الناس يُكْثِرون من الحلف، وهذا قد يُوَرِّطهم في أزمات كثيرة؛ لهذا جاءت هذه السُّنَّة النبوية الجميلة، والتي تهدف إلى راحة المسلم والمجتمع جميعًا، وهي سُنَّة مخالفة الشيء الذي حَلَفَ المسلمُ اليمينَ عليه؛ وهذا مع تكفير اليمين، وذلك في حال تَبَيَّن أنه يُؤَدِّي إلى فعل ما يضرُّ، أو فعل ما يُخالف الشرع.. 

فقد روى البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: "أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَهْطٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ أَسْتَحْمِلُهُ، فَقَالَ: «وَاللَّهِ لاَ أَحْمِلُكُمْ، مَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ»، ثُمَّ لَبِثْنَا مَا شَاءَ اللَّهُ فَأُتِيَ بِإِبِلٍ، فَأَمَرَ لَنَا بِثَلاَثَةِ ذَوْدٍ، فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: لاَ يُبَارِكُ اللَّهُ لَنَا، أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَسْتَحْمِلُهُ فَحَلَفَ أَنْ لاَ يَحْمِلَنَا فَحَمَلَنَا، فَقَالَ أَبُو مُوسَى رضي الله عنه: فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ، بَلِ اللَّهُ حَمَلَكُمْ، إِنِّي وَاللَّهِ -إِنْ شَاءَ اللَّهُ- لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلاَّ كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي، وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» ".

 وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَاللهِ لأَنْ يَلَجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ، آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللهِ مِنْ أَنْ يُعْطِيَ كَفَّارَتَهُ الَّتِي فَرَضَ اللهُ»، والمعنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يُريد للمسلم أن يُصِرَّ على تنفيذ يمينه إذا كان سيُوقع ضررًا بأهله؛ بل عليه أن يفعل الأفضل ويُكَفِّر عن يمينه، وهذه السُّنَّة الجميلة رحمة من الله لعباده، وإعطاء الفرصة للمسلم كي يبحث دومًا عن الأفضل لنفسه وأهله ومجتمعه.

 وكفارة اليمين تكون كما جاء في الآية الكريمة: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة:89]. 

فهذه هي سُنَّته صلى الله عليه وسلم.

ولا تنسوا شعارنا قول الله تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور:54].