الحقوق الستة

فإن هذا الدين عظيم قد ضمن حقوق المسلمين وأوصى بالإحسان إلى الناس وحث على فعل كل ما يؤلف بين القلوب ويدخل السرور إلى النفوس ويجبر الخواطر.

  • التصنيفات: محاسن الأخلاق -

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

فإن هذا الدين عظيم قد ضمن حقوق المسلمين وأوصى بالإحسان إلى الناس وحث على فعل كل ما يؤلف بين القلوب ويدخل السرور إلى النفوس ويجبر الخواطر.

والمسلمون باعتبار الحقوق قسمان:

1- من تربطك بهم قرابة أو علاقة أو مصاهرة أو مشاركة في عمل كالوالدين والزوجة والأقارب والأصهار والجار وزميل العمل والصديق والصاحب في السفر ونحو ذلك فهؤلاء لهم حقوق خاصة متأكدة تزيد على غيرهم.

2- عموم المسلمين الذين لا تربطك بهم علاقة خاصة فهؤلاء لهم حقوق عامة قد دل الشرع عليها.

وقد دلت السنة الصحيحة على جملة من الحقوق العامة، ومن أشهرها وآكدها الحقوق الستة وقد خصها النبي صلى الله عليه وسلم لعظمها وأهميتها وكثرة حاجة الناس إليها وكثرة مصالحها، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حق المسلم على المسلم ست إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصحه، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه»  (رواه مسلم). وهذا بيان لهذه الحقوق:

(1) إلقاء السلام:

يستحب للمسلم إلقاء السلام على من يعرف ومن لا يعرف من المسلمين ويجب على من سلم عليه الرد بالمثل والزيادة أفضل قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيٌّوا بِأَحسَنَ مِنهَا أَو رُدٌّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ حَسِيبًا} [النساء:86] قال الحسن البصري: "السلام تطوع والرد فريضة". وصيغة السلام المشروعة (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) فإن اقتصر على قوله السلام عليكم جاز والزيادة أفضل عن عمران بن حصين أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: السلام عليكم يا رسول الله فرد عليه ثم جلس فقال: «عشر»، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله يا رسول الله، فرد عليه ثم جلس، فقال: «عشرون»، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه، ثم جلس فقال: «ثلاثون» (رواه أبو داود والترمذي)، ولا تشرع الزيادة على ذلك وما روي في ذلك شاذ لا يصح، ويجوز التحية بغير السلام بتحية لا محذور فيها ولا يداوم عليها، ولا يجوز التحية بتحية الكفار، ولا يجوز السلام بإشارة العين أو اليد وهي تحية اليهود إلا إذا كان بعيدا فيشير بيده مع الكلام، والسنة أن يسلم الراكب على الماشي والقائم على القاعد والقليل على الكثير والصغير على الكبير، ويسن السلام إذا دخل على قوم وتسن معه المصافحة عند اللقاء والمعانقة عند القدوم من السفر ولا يشرعا عند الفراق. ويسن أيضًا السلام عند الخروج، والسنة خفض الصوت بالسلام إذا دخل على قوم نيام. ولا يجوز للرجل مصافحة المرأة الأجنبية مطلقًا ويجوز له إلقاء السلام على المرأة إذا أمنت الفتنة ولم يكن خلوة. ولا يجوز بدائة الكفار بالسلام فإن سلموا جاز الرد عليهم لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه»  (رواه مسلم).

(2) إجابة الدعوة:

يستحب للمسلم الإجابة إذا دعاه أخوه المسلم سواء كانت المناسبة عامة أو خاصة ويتأكد ذلك في وليمة العرس وقد أوجب ذلك بعض أهل العلم فيها وهو الصحيح أما غير العرس فيستحب ولا يجب فعن ابن عمر مرفوعًا: «أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم إليها» متفق عليه وعن أبي هريرة قال: «شر الطعام طعام الوليمة تدعى لها الأغنياء وتترك الفقراء، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله»  (متفق عليه). وإذا دعاه اثنان أجاب الأسبق منهما، والواجب هو الحضور في الدعوة أما الأكل فلا يجب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان صائمًا فليصل، وإن كان مفطرًا فليطعم» (رواه مسلم). ولكن يستحب له مراعاة حال من دعاه إذا كان عدم الأكل يشق عليه أكل واحتسب الأجر وإذا كان يتفهم الحال ولا يحزن لذلك حضر ودعى له ثم انصرف وكان ابن عمر يحضر الوليمة من عرس وغيره وهو صائم.

ويشترط لحضور الدعوة شروط:

1- أن تخلو الدعوة من المنكر.

2- أن لا يكون مال الداعي حراماً.

3-  أن تكون دعوته خاصة أما إذا دعي دعوة عامة وهي الجفلى فلا يجب.

4-  أن لا يكون عنده عذر يمنعه من الحضور كمرض وشغل وخوف على أهل أو مال.

5-  ألا يكون في حضوره ضرر أو مشقة عليه لكون المكان خارج البلد أو يحتاج إلى سفر. وتجوز إجابة دعوة الكافر إذا كان في ذلك مصلحة.

(3) النصيحة:

يستحب للمسلم أن ينصح لإخوانه المسلمين عموماً من غير طلب منهم قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم" (متفق عليه)، ويتأكد ذلك إذا طلب منه أحد المسلمين النصيحة، والنصيحة هي إرادة الخير للمنصوح، ونصحه للمسلم أن يصدقه القول ويكونا أميناً في رأيه ولو على حساب نفسه وقريبه ويحب الخير له كما يحبه لنفسه وهو دليل على كمال الإيمان فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»  (متفق عليه)، والنصيحة عامة في كل شؤون الحياة في الولايات والأعمال والتجارات والمساكن والأمتعة والصداقات والعلاقات الاجتماعية وغير ذلك مما يعود على المسلم بالنفع ويحقق له المصلحة في دينه ودنياه، ومن أعظم أنواع النصح للمسلم أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وتبصيره في دينه وتحذيره من الشرور والفتن والحرص على هدايته، وللنصيحة آداب:

1- الإخلاص في النصيحة واحتساب الأجر من الله.

2- العلم بالأمر الذي ينصح فيه.

3- الرفق في نصيحة المنصوح.

4- الإسرار في النصيحة وعدم التشهير بالمنصوح.

ومما ينافي النصيحة الغش والخديعة والخيانة والغدر قد نهى الشرع عن ذلك وهي ليست من أخلاق الناصحين. ولا يشرع نصح الكافر قال الإمام أحمد: "ليس على المسلم نصح الذمي وعليه نصح المسلم".

(4) تشميت العاطس:

يستحب للمسلم أن يشمت أخاه إذا عطس فحمد لله روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله، وليقل له أخوه يرحمكم الله، فإذا قال له يرحمك الله فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم». وإذا لم يحمد العاطس لم يشمته عن أنس بن مالك قال: عطس عند النبي صلى الله عليه وسلم رجلان فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر، فقال الذي لم يشمته: عطس فلان فشمته، وعطست أنا فلم تشمتني. قال: «إن هذا حمد الله، وإنك لم تحمد الله»  (متفق عليه). وينبغي أن ينبهه إلى العمل بالسنة، وإذا عطس فوق ثلاث فلا يشمته لما روى مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن عطس فشمته، ثم إن عطس فشمته، ثم إن عطس فشمته، ثم إن عطس فقل إنك مضنوك». قال عبد الله بن أبي بكر: "لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة". ويكفي تشميت الواحد عن الجماعة كرد السلام، ويشمت قارئ القرآن ولا يجوز التشميت أثناء استماع خطبة الجمعة وكذلك إذا كان الإنسان مشغولاً بالصلاة، ولا بأس بتشميت الرجل للمرأة والمرأة للرجل إذا أمنت الفتنة، وإذا عطس الطفل الصغير دعى له بالبركة والصلاح، ونحو ذلك. ولو لم يحمد الله مثل: بارك الله فيك.

يشمت الكافر بالهداية والصلاح فقد ثبت: "أنه كان اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول لهم يرحمكم الله، فكان يقول يهديكم الله ويصلح بالكم" (رواه أحمد). والسنة أن يضع العاطس يده أو ثوبه أو نحوه على فمه وأن يخفض صوته لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه وخفض أو غض بها صوته" (رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح).

(5) عيادة المريض:

يستحب للمسلم عيادة أخيه إذا مرض سواء كان مرضه خفيفًا أو شديدًا، وقد ورد في السنة فضل عظيم للعيادة عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع» قيل: "يا رسول الله وما خرفة الجنة؟" قال: «جناها»  (رواه مسلم)، وليس هناك في الشرع وقت معين للعيادة، وينبغي للعائد أن يتخير الوقت المناسب لزيارة المريض ويختلف ذلك بحسب اختلاف أحوال المرضى، ولا يعود المريض وقت نومه وراحته وحاجته من أخذ دواء وطعام، وإذا زاره جلس قليلاً ولم يثقل على المريض إلا أن يكون يستأنس بمكثه، ويسن له أن يدعو للمريض بما ورد ويقرأ عليه القرآن رجاء شفائه والتخفيف عنه، وينبغي له أن يفسح له في الأجل ويعظم رجائه بالله روي في سنن ابن ماجه: "إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في الأجل; فإنه لا يرد من قضاء الله شيئا، وإنه يطيب نفس المريض"، وإذا كان المريض في سياق الموت سن تذكيره بالشهادة برفق من غير تعنيف حتى لا يجزع ولا ينفر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله»  (رواه مسلم). ويذكره بالتوبة والخروج من المظالم والوصية. وتجوز عيادة الكافر إذا رجيت مصلحة تأليفه للإسلام.

(6) إتباع الجنازة:

يستحب للمسلم إتباع جنازة أخيه إذا مات والسنة أن لا ينصرف حتى تدفن، وقد ورد فضل عظيم لذلك عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان» قيل: "وما القيراطان؟" قال: «مثل الجبلين العظيمين» وكان بن عمر يصلى عليها ثم ينصرف فلما بلغه حديث أبي هريرة قال: "لقد ضيعنا قراريط كثيرة" (متفق عليه)، والمشي في إتباعها أفضل من الركوب إلا أن يكون هناك مشقة أو بعد عن ابن عمر قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر يمشون أمام الجنازة" (رواه الترمذي)، والسنة للماشي أن يكون أمامها والراكب أن يكون خلفها، ومن تقدم الجنازة إلى الصلاة أو المقبرة لم يحصل له فضيلة المتابعة، والسنة الإسراع بالمشي بالجنازة وعدم التباطؤ بها لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك كما في الصحيحين، ويكره رفع الصوت بالذكر والقراءة والدعاء في اتباع الجنازة والسنة خفض الصوت والسكينة وقد أنكر ابن عمر على رجل رفع صوته بالدعاء، وَقَالَ قَيسُ بنُ عَبَّادٍ من كبار التابعين: "كَانُوا يَستَحِبٌّونَ خَفضَ الصَّوتِ عِندَ الجَنَائِزِ وَعِندَ الذِّكرِ وَعِندَ القِتَالِ"، ومن تبع الجنازة يكره له الجلوس قبل وضعها عن أعناق الرجال لما أخرج الشيخان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا اتبعتم جنازة فلا تجلسوا حتى توضع»، ويكره للنساء تشييع الجنائز لقول أم عطية رضي الله تعالى عنها: "نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا" (متفق عليه). ولا يجوز تشييع جنازة الكافر كالصلاة عليه.

وبعض الناس مع حرصه على الخير والعبادة يخل كثيرًا بالقيام بهذه الحقوق ولا يراعي الآداب العامة إما لجهله بفضلها وعظم أجرها أو تكاسلاً عنها واللائق بالعبد أن يكون حريصاً على ذلك مهتمًا بحقوق إخوانه المسلمين لا يفوت فرصة ولا يترك مناسبة فرح أو حزن إلا وكان له فيها حضور ولو عظم جاهه وكثرت مسؤلياته. لما توفى النبي قال أبو بكر الصديق لعمر بن الخطاب رضي اللَّه عنهما: "انطلق بنا نزر أم أيمن، كما كان رسول اللَّه يزورها"، فلما دخلا عليها بكت. فقالا: "ما يبكيك، فما عند اللَّه خير لرسوله؟" قالت: "أَبكِي أنّ وحي السماء انقطع"، فهيَّجتهما على البكاء، فجعلت تبكي ويبكيان معها (رواه مسلم).

ولاشك أن العناية بهذه الحقوق لها أثر عظيم في جمع الكلمة ونشر الألفة والمحبة وتقوية الأواصر الأخوية بين المسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم»  (رواه مسلم).

وقد كان مجتمعنا وآباؤنا حريصون كل الحرص على القيام بهذه الحقوق إلى وقت قريب وقد قل هذا الإهتمام عند كثير من شباب اليوم والله المستعان.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين 

 

خالد بن سعود البليهد

المصدر: مجموعة مواقع مداد