تأثير القدوة

القدوة لاشك أنها عنصر مؤثر من عناصر التربية والتوجيه، حيث أنها أكثر الوسائل والقنوات التربوية تأثيراً، لأنها تكون عن اقتناع، وعن إعجاب، وعن حب، فالتأثر بها أكثر من التأثر بالتلقين المجرد، لأن التلقين المجرد قد لا يكون معه اقتناع داخلي، ولكن القدوة لا تكون إلا مع الاقتناع التام، ولهذا فإنها أشد إمضاءاً من التلقين، وأكثر أثراً، وأبقى في النفس، وأدنى إلى توجيه سلوك هذا المقتدي.

  • التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -

القدوة لاشك أنها عنصر مؤثر من عناصر التربية والتوجيه، حيث أنها أكثر الوسائل والقنوات التربوية تأثيراً، لأنها تكون عن اقتناع، وعن إعجاب، وعن حب، فالتأثر بها أكثر من التأثر بالتلقين المجرد، لأن التلقين المجرد قد لا يكون معه اقتناع داخلي، ولكن القدوة لا تكون إلا مع الاقتناع التام، ولهذا فإنها أشد إمضاءاً من التلقين، وأكثر أثراً، وأبقى في النفس، وأدنى إلى توجيه سلوك هذا المقتدي.

الأدلة التي تدل على تأثير التربية أكثر من تأثير الأقوال:

من النصوص التي جاءت عن النبي- صلى الله عليه وسلم - طيلة وجوده بين ظهراني أصحابه مهاجرين وأنصار- رضي الله عنهم - وأرضاهم- وكم من نصوص القرآن فيها الأمر بطاعة النبي صلي الله عليه وسلم؟.

قال - تعالى -: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ) (المائدة: 92).

وقال - عز وجل -: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (الحشر: 7).

وقال - تعالى -: ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (النور: 63).

ومع ذالك فإننا نرى في بعض الوقائع أن بعض الصحابة لا يمتثلون لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما يمتثلون لأفعاله ومحاكاته، لا عصياناً منهم، ولكن لأمر ما- وهذا له مناسبته التي يرجع لها في مظانها ومحالها، فليس هذا محل للسرد والتفصيل، ولذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ما اكتفي بسرد الصلاة ووقائعها، وإنما قال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) رواه البخاري.

وصعد إلى المنبر وصلى، كذلك حج - عليه الصلاة والسلام - وقال: ((لتأخذوا عني مناسككم)) رواه مسلم.

أي اقتدوا بي، وهكذا في غيرها، حتى إن الصحابة ليقتدون به اقتداءًا دقيقاً تاماً في كل شي، كما سيأتي.

والأدلة على ذلك:

الدليل الأول: ما رواه مسلم في صحيحه، ((أن النبي- صلى الله عليه وسلم - لما خرج لفتح مكة، خرج في رمضان صائماً، فلما بارح المدينة، بلغ مكاناً وقت العصر، اشتد بالصحابة العطش، فقيل للنبي- صلي الله عليه وسلم- فقال: مروهم فليفطروا فلم يفطروا، ثم قال: مروهم فليفطروا فلم يفطروا، لا عصياناً ولكن ظناً منهم إن هذا الأمر ليس بمؤكد، وإنما دافعه الرأفة من النبي- صلى الله عليه وسلم - والرفق بهم، فلما رأى النبي- صلى الله عليه وسلم - ذلك منهم، انتبه إلى مسألة القدوة، فركب بعيره وأخذ ماءاً وشربه أمامهم عصراً، فشرب أكثر الصحابة وبقي بعضهم، فقال - عليه الصلاة والسلام -: أولئك العصاة)).

فأذعنوا حالاً لأمره - عليه الصلاة والسلام - طبعاً ما عصوه عن إصرار، ولكن حباً للخير، فبين لهم الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

الدليل الثاني: قصة جاءت في الصحيح، وهي أن النبي- صلى الله عليه وسلم - لما كان في الحديبية، الغزوة المشهورة التي فيها تفصيلات معروفه، والحوادث العظيمة، والعبر الكبيرة والجليلة والعميقة، وانتهت بصد الرسول- صلى الله عليه وسلم - وهديه، وكفه عن المسجد الحرام، وإباء المشركين عليه، ثم اصطلح مع المشركين على النقاط المعروفة، وغضب بعض الصحابة، ورأوا أن فيها هضم للمسلمين، وأن فيها دَنِـيه، واشتهر قول عمر للرسول- صلى الله عليه وسلم -: (يا رسول الله: كيف نعطي الدنية في ديننا، ألست رسول الله؟! ألسنا على الحق؟! لمَ لا نقاتلهم)؟! فرضخ النبي - صلى الله عليه وسلم - لشروط قريش، وإن كان ظاهرها الجور على المسلمين، والحيز إلى جانب المشركين، لكنه لا يتصرف إلا بوحي - عليه الصلاة والسلام -، وكان وراء ذلك مصالح عظيمة، وفتح كبير، كما ذكر الله - سبحانه وتعالى -: ((إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً)) (الفتح: 1).

فجاء الأمر من الرسول- صلى الله عليه وسلم - أن انحروا هديكم لأنكم أُحصرتم، واحلقوا رؤؤسكم، وأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - الصحابة فلم يمتثلوا، لأن أنفسهم تتقطع شوقاً إلى رؤية البيت الحرام، صدوا عنه السنين الطويلة، يقولون: يا رسول الله كيف يدخله كل الوثنين من اليمن والعراق إلا نحن؟! لأننا على الحق، كيف هؤلاء المشركين الوثنين يمنعوننا، دعنا نقاتلهم يا رسول الله، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يأمرهم أن يحلقوا وينحروا، فيقولون: يا رسول الله دعنا نقاتلهم، دعنا ندخل البيت الحرام، فقال: احلقوا، فلم يحلقوا، حباً للخير، لا إباءً وعصياناً واستطالة على أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على زوجته العاقلة الحصيفة، الرزينة الفاضلة الذكية، وهي- أم سلمة- هند بنت أبي أمية المخزومية، دخل على أم سلمة، فرأت أنه يخيم على وجهه سحابة من الحزن والكآبة، والهم والغم، قالت: ما الذي أهمك يا نبي الله، فقال - عليه الصلاة والسلام -: ألم تري إلى قومك، آمرهم فلم يمتثلوا، قالت: يا رسول الله لا عليك، إنهم لا يعصونك ولكنهم ظنوا أنك ستعدل عن أمرك، يا رسول الله إن أردت أن يمتثلوا فاخرج أمامهم وأدعو الحلاق، واحلق رأسك أمامهم، فخرج - عليه الصلاة والسلام - وأشرف على مكان عال ودعا بالحلاق، وحلق ثم نحر، فلما رأوا ذلك أيسوا من الدخول فحلقوا كلهم.

فانظر إلى تأثير القدوة أكثر من تأثير الأقوال، وهم يعلمون أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ووجوب تنفيذه، ثم انظر إلى مَشُورة الزوجة الصالحة الحكيمة، وأن الرأي ليس حِكْراً على الرجال حتى ولو كانوا أنبياء، بل إن المرأة أحياناً برأيها الحصين، وعقليتها العميقة، وتوفيق الله لها، قد تكون نعما العون للزوج وللأمير على توجيه مقاليد الأمة، وتسيير أمور الرعية، هذا إذا كانت الزوجة صالحة فاضلة.

 * عناصر التأثير في القدوة:

القدوة لا تكون مؤثرة إلا إذا وجدت فيها عناصر التأثير، وهي:

أولاً: التفاني، وخدمة الإنسان لقضيته ولهدفه ولرسالته، فكلما ظهر من هذا الإنسان سواءً كان ذكراً أو أنثى تفانٍ في قضيته، وظهر منه حرصٌ على هدفه وجدٌ، أكسب المحبين له وتلاميذه الثقة الغالية والعالية، التي تدفع إلى الاقتداء التام والكبير به.

ثانياً: الجذب والإغراء، فإن عنصر الجذب والإغراء مهمٌ لتأثير القدوة، ومما يبين هذا تأثير وسائل الإفساد اليوم، المسماة بـ(وسائل الإعلام)، فإني أستطيع أن أقول بكل ثقة، أنه لا شيء في هذا الزمن أكثر تأثيراً على عامة طبقات المجتمع صغاراً أو كباراً، شباب أو شيبا، رجالاً أو نساء، يافعين أو أشداء، ممن أدمنوا على مشاهدة هذه الوسائل حتى أصبحت جزءً من نفسياتهم وعقلياتهم، لا يستغنون عنها -والعياذ بالله- طرفة عين، لما فيها من عنصر الجذب و الإغراء، والتمويه والتزوير والتزييف، وما يسمى بـ (الدبلجة) والإخراج.

ولقد تركت بصمات سوداء في نفوس الأجيال، ولا أستطيع أن أتوسع ولكني أنصح بالرجوع إلى الكتب المتخصصة:

ـ ككتاب (بصمات على ولدي)، للكاتبة طيبة اليحيى.

ـ وكتاب (البث المباشر) لفضيلة الداعية الدكتور ناصر العمر.

ـ وكذلك وسائل الإعلام وتأثيرها، ككتب الشيخ الساداتي الشنقيطي.

شبكة نور الإسلام