الابتلاء والفتنة وأنواعها

الفتنة نوعان: فتنة الشبهات. وهي أعظم الفتنتين، وفتنة الشهوات. وقد يجتمعان للعبد. وقد ينفرد بإحداهما

  • التصنيفات: أعمال القلوب - الطريق إلى الله -

 

الابتلاء لغة:
لفظ الابتلاء مأخوذ من مادة (ب ل و) التي تدل على نوع من الاختبار. ويكون البلاء بالخير والشر، واللّه عز وجل يبلي العبد بلاء حسنا وبلاء سيئا، وذلك راجع إلى معنى الاختبار لأنه بذلك يختبر صبره وشكره، وبلوته تأتي أيضا بمعنى جزيته (مقاييس اللغة لابن فارس).


والابتلاء اصطلاحًا هو: التكليف في الأمر الشّاقّ، ويكون في الخير والشر معًا، ولكنهم (عادة ما) يقولون: في الخير أبليته إبلاء وفي الشر: بلوته بلاء (الكليات للكفوي). وقال المناوي: البلاء كالبلية: الامتحان، وسمي الغم بلاء لأنه يبلي الجسد.

 

الفتنة لغة:
الفتنة مصدر قولهم: فتنه يفتنه فتنًا وفتنة، وهي مأخوذة من (ف ت ن) التي تدل على الابتلاء والاختبار، وأصل الفتن إحراق الشيء بالنار لتظهر جودته من رداءته.


الفتنة اصطلاحًا:
تعني الفتنة ما يبين به حال الإنسان من الخير والشر. وقال المناوي: الفتنة: البلية وهي معاملة تظهر الأمور الباطنة.

 

أنواع الفتنة:
يقول ابن القيم: "الفتنة نوعان: فتنة الشبهات. وهي أعظم الفتنتين، وفتنة الشهوات. وقد يجتمعان للعبد. وقد ينفرد بإحداهما.
أما النوع الأول وهو فتنة الشبهات من ضعف البصيرة، وقلة العلم، ولا سيما إذا اقترن بذلك فساد القصد، وحصول الهوى.
وهذه الفتنة مآلها إلى الكفر والنفاق، وهي فتنة المنافقين، وفتنة أهل البدع، على حسب مراتب بدعهم.
وهذه الفتنة تنشأ تارة من فهم فاسد، وتارة من نقل كاذب. وتارة من غرض فاسد وهوى متبع، فهي من عمى في البصيرة وفساد في الإرادة. ولا ينجى من هذه الفتنة إلا تجريد اتباع الرسول، وتحكيمه في كل أمور الدين ظاهرة وباطنة.


أما النوع الثاني من الفتنة ففتنة الشهوات. وقد جمع سبحانه بين الفتنتين في قوله: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالًا وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ}. أي تمتعوا بنصيبهم من الدنيا وشهواتها، والخلاق هو النصيب المقدر ثم قال: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا} [التوبة:69]. فهذا الخوض بالباطل، وهو الشبهات. فأشار سبحانه في هذه الآية إلى ما يحصل به فساد القلوب والأديان من الاستمتاع بالخلاق، والخوض بالباطل، لأن فساد الدين إما أن يكون باعتقاد الباطل والتكلم به أو بالعمل بخلاف العلم الصحيح. فالأول: هو البدع وما والاها، والثاني: فسق العمل. فالأول: فساد من جهة الشبهات والثاني: من جهة الشهوات.
وأصل كل فتنة إنما هو من تقديم الرأي على الشرع، والهوى على العقل.
فالأول: أصل فتنة الشبهة، والثاني: أصل فتنة الشهوة، ففتنة الشبهات تدفع باليقين، وفتنة الشهوات تدفع بالصبر ولذلك جعل سبحانه إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين، فقال: {وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ} [السجدة:24]. فدل على أنه بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.
وبكمال العقل والصبر تدفع فتنة الشهوة، وبكمال البصيرة واليقين تدفع فتنة الشبهة" (إغاثة اللهفان).

 

الفرق بين الفتنة والاختبار والابتلاء:
الفرق بين الفتنة والاختبار: هو أن الفتنة أشد الاختبار وأبلغه، ويكون في الخير والشر ألا تسمع قوله تعالى: {أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن:15]. وقال تعالى: {لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً . لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [الجن:16، 17]. فجعل النعمة فتنة لأنه قصد بها المبالغة في اختبار المنعم عليه بها كالذهب إذا أريد المبالغة في تعرف حاله أدخل النار، واللّه تعالى لا يختبر العبد لتغيير حاله في الخير والشر وإنما المراد بذلك شدة التكليف.


أما الفرق بين الاختبار والابتلاء: فهو أن الابتلاء عادة لا يكون إلا بتحميل المكاره والمشاق. والاختبار يكون بذلك وبفعل المحبوب ألا ترى أنه يقال اختبره بالإنعام عليه ولا تقول ابتلاه بذلك ولا هو مبتلى بالنعمة كما قد يقال إنه مختبر بها ويجوز أن يقال: إن الابتلاء يقتضي استخراج ما عند المبتلى من الطاعة والمعصية، والاختبار يقتضي وقوع الخبر بحاله في ذلك، والخبر العلم الذي يقع بكنه الشيء وحقيقته فالفرق بينهما بين. والفتنة تأتي أيضا بمعنى الابتلاء كما في قوله تعالى: {الم . أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ} [العنكبوت:1-3].

 

(من كتاب: نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم)