هل الحزن مرض؟
أحمد البراء الأميري
قال الراغب الأصفهاني رحمه الله في معجمه القرآني:
"ليس ذلك بنهيٍ عن تحصيل الحزن؛ فالحزن ليس يحصل بالاختيار، ولكن النهي في الحقيقة إنما هو عن تعاطي ما يورث الحزن".
- التصنيفات: الذكر والدعاء - الزهد والرقائق -
وردت في الكتاب العزيز آياتٌ عدَّة تنهى عن الحزن؛ منها قوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139]، وقوله سبحانه: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي} [مريم:24]، وقوله عزَّ من قائل: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النمل:70]، وقوله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم للصديق رضي الله عنه وهما في الغار: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40].
قال الراغب الأصفهاني رحمه الله في معجمه القرآني:
"ليس ذلك بنهيٍ عن تحصيل الحزن؛ فالحزن ليس يحصل بالاختيار، ولكن النهي في الحقيقة إنما هو عن تعاطي ما يورث الحزن".
وهذه نظرة عميقة؛ إذ لا سيطرة للإنسان على مشاعره في أغلب الأحوال، لكنه يستطيع أن يسيطر على أفعاله، فليبتعد عن كل ما يسبِّب له الحزن، وهذا الكلام ليس على إطلاقه، فحزنُ الإنسان على ما يراه من مصائب تحلُّ بالمسلمين، وحزنُه على تقصيره في واجباته، أو على ذنب أتاه حزنٌ مطلوب، ولكن يجب أن يكون بقدر، وأن يكون حزنًا إيجابيًّا لا حزنًا سلبيًّا، والفرق بينهما: أن الحزن الإيجابي يدعو إلى العمل، والحزن السلبي يسبِّب المرض والاكتئاب.
لقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الهم والحَزَن؛ (كما ورد في صحيح البخاري)، ولو كان الحَزَن مطلوبًا، لسأل الله الهم والحَزَن.
قال الدكتور عائض القرني في كتابه "لا تحزن"، ما معناه:
"أما قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم: « »؛ النَّصَب: التعب، والوَصَب: المرض والوَجَع؛ فهذا يدل على أنه مصيبة من الله تعالى يُصِيب بها العبد، ويكفِّر بها من سيئاته، ولا يدل على أنه مقام ينبغي طلبه؛ فليس للعبد أن يطلب الحزن ويستدعيَه، ويظن أنه عبادة، وأن الشارع حثَّ عليه، أو أمر به، أو شرعه لعباده، لو كان هذا صحيحًا، لقطع النبي صلى الله عليه وسلم حياته بالأحزان، كيف وصدره منشرِح، ووجهه باسمٌ، وقلبه راضٍ؟
أما قول أهل الجنة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} [فاطر:34]، فيدلُّ على أنهم كان يُصِيبهم في الدنيا كما تُصِيبهم سائر المصائب بغير اختيارهم، فيُؤجَرون على الصبر عليه، ويدفعونه عن أنفسهم بالأدعية المأثورة، والوسائل التي تساعد على طرده.
روى الإمام أبو داود رحمه الله في سننه، أن أسماء بنت عُمَيس رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ».
وعند الترمذي رحمه الله أنه صلى الله عليه وسلم إذا كَرَبه أمرٌ، يقول: « ».
ودخل عليه الصلاة والسلام يومًا المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أُمَامة، فقال: « »، قال: همومٌ لزمتني وديون، يا رسول الله، قال: « »، فقال: بلى يا رسول الله، قال: « »، قال أبو أُمَامة: فقلتُ ذلك؛ فأذهب الله همي، وقضى عني ديني.
ومن الأدوية المهمة جدًّا في جلب السعادة والانشراح، والنشاط والحيوية، بل حتى في محاربة الاكتئاب (مرضِ العصر) دواءٌ مجاني، موجود في كل مكان، وليس له أي آثار جانبية، بل هو نافع خالص بإذن الله هذا الدواء هو الرياضة البدنية!
أمامي الآن كتاب بعنوان: "صحتك في المشي"، من تأليف الأخ الطبيب الدكتور صالح الأنصاري، وسأنقل بعض ما جاء فيه من أثر المشي على الصحة النفسية، وطرد الهم والتوتر، وعلاج الاكتئاب، وهذه الفوائد يشترك فيها المشي مع أنواع الرياضة البدنية الأخرى؛ كالسباحة، وكرة المضرب، وكرة القدم وغيرها.
يقول المؤلف:
"أفادت نتائج كثير من البحوث والدراسات أن المشي يقلِّل من التوتر النفسي والاكتئاب، ويحسِّن الصحة النفسية عمومًا، وهذه الآثار تظهر مع الانتظام في حالة المشي، وإن كان متوسط الشدة. ولعل سبب الشعور بالنشاط واليقظة، تحسينُ استهلاك الأوكسجين في الدماغ وبقية أعضاء الجسم، ووصولُه كلَّ خلية من خلاياه، وقد أثبت الباحثون في كلية الطب بجامعة ستانفورد أن زيادة اللياقة البدنية تعطي صاحبها شعورًا بالثقة، والطاقة النفسية، وتُخفِض التوتر لديه".
ويقول في موضع آخر من كتابه:
"نشرتْ مجلة الطب الرياضي البريطانية دراسةً أُجرِيت في جامعة برلين أظهرت أن المشي لمدة 30 دقيقة يوميًّا يمكن أن يخفِّف الشعور بالاكتئاب أكثر من بعض العقاقير، وظهرت نتائج ذلك بعد عشرة أيام من ممارسة هذه الرياضة.
ولذلك أسباب عديدة، منها:
• زيادة إفراز هرمون الإندورفين في الجسم، وهو هرمون عجيب، ويسمَّى هرمون السعادة.
• وتحسُّن الدورة الدموية.
• وزيادة تروية الدماغ.
• وتخلُّص الدم من المواد الكيميائية، التي يفرزها الجسم نتيجة للإجهاد العصبي".
إن الدعاء، والدواء، والغذاء، والرياضة، وتنظيم الحياة، وحسن الاستفادة من الوقت، ووجود أهداف في حياة الإنسان هي أركان النجاح والسعادة، لا في الدنيا فحسب؛ ولكن في الآخرة أيضًا.