احتساب معلمة غيَّرت حياة فتاة

وفي يوم من الأيام وبينما تلك الفتاة مع زميلاتها في ساحة المدرسة، وكانت تمسك بيدها صورة ذلك الشخص وتضمه إلى صدرها معلنة عبارات الحب والغرام لذلك الشخص، إذ بمعلمتها تراها وهي سائرة في طريقها وتفاجأ وتندهش لهذا المنظر!.

  • التصنيفات: الزهد والرقائق -

إن مسؤولية المعلمة عظيمة والأمانة التي تحملها كبيرة، فإذا استشعرت هذه المسؤولية وأدتها كما ينبغي كان لها الأثر الكبير في المتعلمات، وإن قصرت وتوانت عن هذه الأمانة وقع الضرر وحصل الخطر، ولذا يجب عليها أن تعرف هذا الأمر وتقوم به حق القيام، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، قال وحسبت أن قد قال: والرجل راع في مال أبيه ومسئول عن رعيته، وكلكم راع ومسئول عن رعيته))[1]، فقوله: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)) عام يدخل فيه كل من تولى مسؤولية، عظمت هذه المسؤولية أم صغرت، وكلما استشعرت المعلمة هذه المسؤولية كان بذلها أكثر، وأداؤها أجود.
ومن جملة ما يندرج تحت هذه المسؤولية قيام المعلمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكل من يتعلمن على يديها ويأخذن العلم عنها، وقد فطنت لهذه المهمة كثير من المعلمات الصالحات فقمن بواجب التوجيه والإرشاد والتربية مع ما كلفن به من مهمة من قبل إدارة المدرسة، فحصل بذلك الخير الكثير، وهذا نموذج نذكره لنبرهن على ذلك:
"كانت هناك فتاة مغرمة بلاعب وكانت تحتفظ بصوره وتتابع ما ينشر عنه.
وفي يوم من الأيام وبينما تلك الفتاة مع زميلاتها في ساحة المدرسة، وكانت تمسك بيدها صورة ذلك الشخص وتضمه إلى صدرها معلنة عبارات الحب والغرام لذلك الشخص، إذ بمعلمتها تراها وهي سائرة في طريقها وتفاجأ وتندهش لهذا المنظر!.
وكانت هذه المعلمة من المعلمات المستقيمات المتزنات فأمسكت بتلك الفتاة بانفراد وتحدثت معها وبدأت بتقديم النصائح المفيدة لها.
فقالت المعلمة: تلميذتي غدًا سيرزقك الله زوجًا يرفعك ويصونك، وهذا اللاعب الذي تكنين له كل هذا الحب لن ينفعك، وما علِم بحبك.
أخيتي: ماذا لو رآك والدك على هذا الحال؟!
هل سيوافق على عملك هذا!!
فقالت المسكينة والدموع تنهمر من عينيها، وبعدما أحست بالذنب الذي ارتكبته: لا، لا لن يوافق والدي!! وبعد هذا الموقف الذي حدث لها تابت تلك الفتاة توبة صادقة إن شاء الله والتحقت بحلقة تحفيظ القرآن الكريم، وهذا بفضل المولى - عز وجل - ثم بفضل نصيحة تلك المعلمة الطيبة فبارك الله في هذه المعلمة وكثر من أمثالها"[2].
أيتها المعلمة: إن بين يديك جيلاً محارَباً من قبل أعداء الإسلام من خلال القنوات الفضائية والوسائل الإعلامية المختلفة، فتنبهي لهذه المخاطر المحدقة والسلوكيات المعوجة، فصححي الأخطاء، واستأصلي المفاهيم الخاطئة بالتربية الصحيحة والتوجيه السليم.
أيتها المعلمة: إن كل طالبة مرت عليك واستفادت منك وعملت بما علمت فلك مثل أجرها، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله))[3]، فاحرصي على تعليم الطالبات أحكام الدين وتربيتهن على أخلاق المسلمين، وستنالين بهدايتهن أجراً عظيماً، ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً))[4].
أما الدروس المستفادة من قصة تلك المعلمة مع تلك الطالبة فهي كالتالي:
1- استشعار المسؤولية من قبل تلك المعلمة الفاضلة وذلك بقيامها بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنها لما رأت تلك الطالبة واقعة في ذلك المنكر بادرت بالإنكار عليها بأسلوب لطيف، هذه المعلمة عرفت مسؤوليتها داخل تلك المدرسة فقامت بواجبها على أتم وجه، ولم تتغاض أو تتغافل كما تفعل بعض المعلمات -هداهن الله- عندما يرين بعض المنكرات من قبل بعض الطالبات فيسكتن أو يتغافلن عنها، بحجج واهية منها: أنهن غير معلمات لتلك الطالبات، أو قد تتحسس تلك الطالبة منها، أو أن هذا من الخصوصيات الشخصية، أو غيرها من الأعذار الشيطانية، ولهذا نقول لتلك المعلمات اتقين الله في الطالبات وقمن بتعليمهن التعاليم الإسلامية الصحيحة، وما وجدتن من خطأ أو زلل أو سلوك سيء فانصحن ووجهن وبيِّنَّ خطورة ذلك، فإن استجبن فالحمد لله، وإلا فعليكن أن ترفعن مثل تلك الأخطاء إلى أولياء الأمور حتى يكونوا على بينة من أمر بناتهم.
2- أثر التوجيه والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من قبل من هو أعلى مكانة أو أكثر علما قد يكون أكثر مما لو أتى ممن هو مساوٍ لحال المحتسب عليه أو دونه، فالمعلمة كلماتها مسموعة وتوجيهاها مقبولة، ونصيحتها مستجابة، فما إن أنكرت تلك المعلمة على تلك الفتاة حتى رجعت وتابت وأنابت، وأقلعت عن ذلك المنكر والتحقت بحلقة تحفيظ القرآن الكريم، وهذا الأمر يبين لنا أهمية التوجيه والنصح من قبل المعلم، كما يبين لنا خطورة التوجيه عندما تكون المعلمة داعية إلى غير سبيل المؤمنين، ولذا يجب التنبه من قبل إدارة المدرسة لأحوال جميع العاملين فيها.
3- الأسلوب الرائع الذي اتخذته المعلمة عند الإنكار على الطالبة، هذا الأسلوب يتمثل في الآتي:
- الإنكار عليها منفردة، هذا الأسلوب هو الذي ينبغي أن يسلك عند النصيحة؛ لأنه أدعى للاستجابة وأبلغ في التأثير، ولذا حث عليه العلماء وبينوا أهميته، فالمحتسبة ينبغي أن تراعيه، قال سليمان الخواص: "من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما فضحه"[5]، وعن عبد الله بن المبارك قال: "كان الرجل إذا رأى من أخيه ما يكره أمره في ستر، ونهاه في ستر، فيُؤجر في ستره، ويُؤجر في نهيه، فأما اليوم فإذا رأى أحد من أحد ما يكره استغضب أخاه، وهتك ستره"[6].
ورحم الله الإمام الشافعي إذ يقول:
تَعمدني بنصحكَ في انفرادٍ *** وجنبني النصيحةَ في الجماعة
فإنَّ النصحَ بينَ الناسِ نوعٌ *** من التوبيخِ لا أرضى استماعه
فإنْ خَالفتني وعصيتَ أمْري *** فلا تجزعْ إذا لم ُتعطَ طاعة[7]
 - التحدث مع تلك الفتاة وتقديم النصائح المفيدة بأسلوب مؤثر خاطبت عقلها بالقيم التي تربت عليها، وهي القيم التي غرست في كل أسرة مسلمة، هذه الكلمات-: "تلميذتي غداً سيرزقك الله زوجاً يرفعك ويصونك، وهذا اللاعب الذي تكنين له كل هذا الحب لن ينفعك، وما علم بحبك، أخيتي: ماذا لو رآك والدك على هذا الحال؟! هل سيوافق لعملك هذا!! فقالت المسكينة: لا...لا لن يوافق والدي"-، أثرت في تلك الفتاة وغيرت من حالها وجعلتها تتوب وترجع إلى الحق، وتتخذ كتاب الله منهجا لها.هذا الخطاب الذي ألقته تلك المعلمة لتلك الفتاة هو خطاب لكل الفتيات اللاتي تعلقت قلوبهن بالمغنين والممثلين واللاعبين وغيرهم، أن هؤلاء لا ينفعون ولا يدرون بحبهن، بل إن ذلك الحب سيجر عليهن الخسارة؛ لأن المحبوبين في غير الطريق المستقيم التي أرادها الله - سبحانه وتعالى -، ومن أحب قوماً فهو معهم يوم القيامة، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: ((وما أعددت للساعة؟)) قال: حب الله ورسوله، قال: ((فإنك مع من أحببت))، قال أنس: فما فرحنا بعد الإسلام فرحا أشد من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فإنك مع من أحببت))، قال أنس: فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم[8]، فهل تريد الفتاة أن تكون يوم القيامة مع هؤلاء وتحشر معهم وفي زمرتهم؟
هذا الأسلوب الجميل يذكرنا بأسلوب تلك المعلمة الذكية الفطنة التي بينت بأسلوب عملي مقنع ضرورة الحجاب وفوائده للمرأة، ولروعة هذا الأسلوب نذكره حتى تستفيد منه أخواتنا المحتسبات: "قامت معلمة لمادة الدين بعمل درس نموذجي للطالبات عن الحجاب وفوائده للمرأة، وعندما أتت الحصة المقررة لعمل هذا الدرس، قامت بتوزيع مجموعة من الحلوى على الطالبات وهي على نوعين: بعضها كان مغلفا، والبعض الآخر بدون الغلاف، وبعد أن وزعت جميع هذه الحلوى على الطالبات، وجدت أن جميع الطالبات قد أخذن الحلوى ذات الغلاف، ثم قالت المعلمة للطالبات: لماذا لم تأخذن الحلوى التي ليس لها غلاف؟
فكان الجواب بكل تأكيد هو: لأن الحلوى التي ليس لها غلاف قد تكون مجرثمة أو مُتَّسِخة، وبالتالي فهي تضرُّنا.
فقالت المعلمة: هذه الحلوى مثلكن والغلاف مثل الحجاب، فعندما يأتي الرجل ليتزوج، سوف يبحث عن الصالح المفيد مثل الحلوى المغلفة". وصدقت تلك المعلمة، فإن التي تعرض جمالها وتسفر عن وجهها ليراها كل من شاء يعزف الناس عن الزواج بها ولا يحبذون أن تكون شريكة لحياتهم، فالكل يريد زوجة مكنونة عفيفة طاهرة يتمتع بها وحده، وهذه هي الفطرة السليمة التي جبل الناس عليها.
4- أهمية الرفقة الصالحة التي إذا أخطأ الإنسان قومته وإذا اعوج أصلحته، هذه الفتاة كانت بين زميلات -للأسف الشديد- لم يكنَّ صالحات وإلا لقمن بنصحها والإنكار عليها ولكن تركنها تضم تلك الصورة إلى صدرها وتقول عبارات الحب والغرام لذلك الشخص، وهن يباركن هذا العمل ويشجعن عليه، وهذا الأمر مما يحز في نفس كل غيور على دين الله عندما يرى الحالة التي وصل إليها أبناء وبنات المسلمين.
5- القصة تبين لنا مدى أهمية الاحتساب في كل الميادين التي يعمل فيها الإنسان، كل بقدر طاقته، وحسب استطاعته، وأنه لا ينبغي التفريط أو التكاسل في هذا الأمر العظيم.
نسأل الله بمنه وكرمه أن يجعلنا من أنصار دينه، ويجعلنا من عباده المخلصين، وأوليائه المقربين، والحمد لله رب العالمين.  

[1] رواه البخاري (893) ومسلم (1829).
[2] فتيات تائبات (ص 17).
[3] رواه مسلم (3/1506) رقم (1893).
[4] رواه مسلم (4/2060) رقم (2674).
[5] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (ص 62) لابن أبي الدنيا.
[6] روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (ص 148) لأبي حاتم محمد بن حبان البستي.
[7] ديوان الإمام الشافعي (ص 10).
[8] رواه مسلم (4/2032) رقم (2639).


منصور صالح حسين الجادعي