التزامها حسبة
أخيراً، علينا جميعاً رجالا ونساءً الاستفادة من هذه القضية وأثر التمسك بالمظهر الإسلامي، فإنه يحول دون كثير من التعرضات والمؤامرات، كما هو الحال في تغطية الآنية وإغلاق الأبواب ونحو ذلك، فإنها تدفع الشيطان دفعاً، وجنود الشيطان من باب أولى.
- التصنيفات: الزهد والرقائق -
إنّ شعور المرأة المسلمة بالعزة حين تتمسك بدينها وعفتها والتزامها، له أثر عظيم على ثباتها، والمحافظة على المبدأ مع الإحساس بالمكانة العلية، لا خجل ولا تخوف، يجعل من النفس جندياً يدعو إلى ما تحمل من مبادئ -أيًّا كانت- والمسلمة أولى بذلك كله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء:66] قال أبو جعفر الطبري: "فعلوا ما يوعظون به، يعني: ما يذكَّرون به من طاعة الله والانتهاء إلى أمره {لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ}، في عاجل دنياهم، وآجل معادهم {وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا}: وأثبت لهم في أمورهم، وأقوم لهم عليها. وذلك أن المنافق يعمل على شك، فعمله يذهب باطلاً وعناؤه يضمحلّ فيصير هباء، وهو بشكه يعمل على وناءٍ وضعف.
ولو عمل على بصيرة، لاكتسب بعمله أجرًا، ولكان له عند الله ذخرًا، وكان على عمله الذي يعمل أقوى، ولنفسه أشدَّ تثبيتًا، لإيمانه بوعد الله على طاعته، وعمله الذي يعمله. ولذلك قال من قال: معنى قوله: {وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا}، تصديقًا؛ لأنه إذا كان مصدّقًا، كان لنفسه أشد تثبيتًا، ولعزمه فيه أشدَّ تصحيحًا...ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرًا لهم، لإيتائنا إياهم على فعلهم ما وعِظُوا به من طاعتنا والانتهاء إلى أمرنا "أجرًا" يعني: جزاء وثوابًا عظيمًا، وأشد تثبيتًا لعزائمهم وآرائهم، وأقوى لهم على أعمالهم، لهدايتنا إياهم صراطًا مستقيمًا، يعني: طريقًا لا اعوجاج فيه، وهو دين الله القويم الذي اختاره لعباده وشرعه لهم، وذلك الإسلام" [1].
فالصدع بالمبدأ والكشف عنه دون تورية ومداهنة عامل قوي في الثبات، ولا يقف عند اللزوم على الذات، بل يتعدى إلى الغير فيكون داعياً مؤثراً، ونصيراً في أوقات الشدة غالباً فعلى سبيل المثال ما فعلته إحدى المسلمات في احتسابها ودفعها المنكر بإظهار ما هي عليه من الستر والحشمة دون مراعاة لشيء كان ما كان، ولولاه بعد توفيق الله وعونه لكانت في حضيض المنكرات، إنها امرأةٌ حفظها حجابها، سافر زوجها وتركها مع أولادها، وأوصى أخاه الكبير بأن يأتي إلى زوجته، وأن يقوم بأعمال البيت، ويُتابع الأولاد.
تقول هذه المرأة: كان يأتي هذا الأخ الكبير كل يوم تقريباً، وكان لطيفاً في أولِّ أيامه، لكن لمَّا أكثر التردد علينا -وليس عندي محرم، ولم أتحجب- بدأتْ تظهرُ منه تصرفاتٌ غريبة، حتى قَدِمَ زوجي، وكنتُ أريد أن أُفاتح زوجي في الموضوع، لكن خِفْتُ من المشاكل، ثم سافر زوجي مَرَّةً أخرى، ورجع أخوه إلى حالته الأولى، من الحركات الغريبة، والكلام العاطفي، وبدأ يُعاكس زوجةَ أخيه، وبدأ يحضر في كل وقت، بسببٍ أو بدون سبب.
تقول هذه المرأة: لقد تعبت من تصرفاته..
فكرت في الكتابة إلى زوجي..
لكن تَراجَعْتُ؛ حتى لا أضايقه؛ لأنه في بلدٍ آخر، يبحث عن المعيشة، وحتى لا تحصل المشاكل، وقلت: لا بد من نصِيحةِ هذا الخائن الغادر.
ونصحت هذا الرجل -وليس برجل-، لكن لم ينفع فيه النصح.
وتقول: كنتُ أدعوا الله - عز وجل - كثيراً أن يحفظني منه.
تقول: فطرأت على بالي فكرة..
فكرتُ في لبسِ الحجاب، وتغطية وجهي، وكتبتُ لزوجي بأني سأترك مصافحة الرجال الأجانب، فشجعني زوجي، وأرسل لي كتباً وأشرطة.
تقول هذه المرأة بعدما لبست الحجاب: وعندما جاء شقيقُ زوجي -ذلك الخائن- كعادته ورآني، وقف بعيداً، وقال: ماذا حصل؟ قلت: لن أصافح الرجال، إلا محارمي.
فوقف قليلاً، ثم نكس رأسه.
فقلت له: إذا أردت شيئاً فكلمني من وراء حجاب فانصرف.
فكف الله عز وجل شرَّه عنها [2].
وهكذا أخريات يحميهن الحجاب ويعبر عن توبيخهن لمن أراد شراً، فأهل السوء يتحاشون المحجبات أن "يعاكسوهن، أو يغازلوهن"؛ لأنهم يعلمون أنهن لسن في هذا السبيل.
ومن القصة السالفة الذكر نلمح بعض الفوائد المهمة لكل فتاة مسلمة:
أولاً: خطورة مخالفة الشريعة وتسور النهي النبوي عن الوقوع في المحرمات والخلوة بغير المحارم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: « » فقال رجل من الأنصار: "يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟" قال: « » [3]. فمعناه أن الخوف منه أكثر من غيره والشر يتوقع منه والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي [4].
وكثير من الناس يتساهل تساهلاً عجيباً ويحسن الظن بلقائهما إلى الآخر، بدعوى أنهما طيبان، وينسى أن الشيطان ثالثهما ليس بطيب!
ثانياً: يلاحظ أن الحشمة كانت رغبة لدى الزوج، ولا ندري ما المانع الذي جعل الزوجة لا تحتشم عن حميها، قد يكون الزوج لم يصرح لها بذلك أو لم يحرص على الاحتساب عليها، أو أنها لم تكن مستجيبة له. وكل الافتراضات خطأ.
ثالثاً: تحمد المرأة على حسِّها وانتباهتها لما بدأ يظهر من حميها، وعدم الاسترسال معه، ويقظتها لكيده في وقت مبكر، دون أن تسترسل معه أو تتجاوب بشيء.
رابعاً: يحمد في المرأة تفكيرها بالحلول، والحيلولة دون مآربه الخبيثة، ومن الحكمة محاولتها بالإجراءات الذاتية من نفسها دون إخبار زوجها نعم هذا حلٌّ لا يلزم أن يكون صحيحاً في كل حال- فإنها لو أخبرته لولَّدت في قلبه الوساوس، وأخوها لم تظهر منه علامات صريحة تستطيع كشفها لزوجها، ولا دليل لديها يدينه، وربما ينكر ويكيد لها كيداً، وتدخل في شبكة من الاتهامات التي قد ينجم عنها دمار بيتها وسمعتها..
خامساً: اتخاذها أسلوب الحسبة المباشرة والنصح له أمر طيب تحمد عليه، رغم ما فيه من خشية استعدائه صراحة ولكن الأمر أسهل من ذلك، فما أبلغ النصيحة والتذكير بالله، والإرشاد بالتقوى حتى في أعمق من هذا، ففي الصحيح: "وقال الآخر اللهم كانت لي بنت عم كانت أحب الناس إليَّ فأردتها عن نفسها، فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين، فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار، على أن تخلي بيني وبين نفسها، ففعلت حتى إذا قدرت عليها، قالت: لا أحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه فتحرجت من الوقوع عليها فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها اللهم إن كنت فعلت ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة... الحديثَ" [5]، فكان للنصيحة أثرها رغم صعوبة الموقف.
سادساً: من أعظم ما لجأت إليه المرأة هذه الدعاء، فإنه حبل بين العبد وربه، واستعانة بالله القوي المتين، فبدونه لا تنال الحوائج، ولا تدفع المضار، وهو سلاح المؤمن في كل أمره، ولا يليق بأحد أن يجمع التدابير للخلاص من أزمة ما، ليس معها الدعاء، فالله هو الذي صرف عنها السوء والفحشاء، وألهمها التمسك بالدين ومحاربة الرجل بمظهر الإسلام وإعلان ذلك في وجهه صراحة.
سابعاً: يظهر أن المرأة كانت مفتقدة لحصنها ودرعها وسلاحها، فما جعل الرجلَ يفكر فيما فكر فيه إلا من تهاون في لبسها وعلاقتها معه، فدخوله عليها وكلامها معها وكشفها لوجهها، وعدم تحشمها المطلوب سوغ له التفكير وسهل له الأمر، فلما أشهرت سيف العفاف في وجهه، وقالت: إنها لن تصافح الرجال الأجانب ولن تكلمه إلا من وراء حجاب، ولَّى وارتدع، وأيس من الوصول إلى بغيته، بل انكسر الشيطان حين كان يغريه بصورتها وسهولة الدخول عليها، ويهيئ لها أسباب الفحشاء، حين أغلقت كل هذه الأبواب، ومنعته من الدخول عبرها، فرجع خائباً وهو حسير، وانقلب الرجل لا يجد من يدفعه ويشد بأزره تجاه إيمانها وتقواها وسلاحها المتين التي واجهته به.
ثامناً: السعيد من اتعظ بغيره، وقد قيل: الدفع أسهل من الرفع، بمعنى أن المصيبة أو الفتنة أو نحو ذلك دفعها قبل وقوعها أسهل من رفعها وإزالتها بعد حلولها، فعلى كل امرأة تخاف ربها وتخشى خدش حيائها وتشويه سمعتها وترجو سلامة عفافها من الكسر، أن تدفع عنها كل ما يوسوس للمغرضين، وتسد كل ما يوصل إليها الماكرين، وتمنع عن لبسها كل ما يفتن الآخرين، فكما لا يليق بامرأة في مطبخها أن تكشف عن كيكة شهية برهة من الزمن دون أن يقربها الذباب أو يتساقط عليها شيء، كذلك لا يمكن أن تكشف عن محاسنها ومفاتنها ابتداء بأجمل ما فيها -وجهها- المتآمر عليه، ثم لا يُكَلِّمها أحد بتفاهة ولا يَكْلُمَها أحد بسفاهة!!
أخيراً، علينا جميعاً رجالاً ونساءً الاستفادة من هذه القضية وأثر التمسك بالمظهر الإسلامي، فإنه يحول دون كثير من التعرضات والمؤامرات، كما هو الحال في تغطية الآنية وإغلاق الأبواب ونحو ذلك، فإنها تدفع الشيطان دفعاً، وجنود الشيطان من باب أولى.
[1] - تفسير الطبري: (8/529).
[2]قصة من حياة الصالحات المعاصرات للشيخ: عبد السلام العييري:
http://forum.hawahome.com/t350270. html
[3] صحيح البخاري: (13/208) برقم: (5232)، ومسلم: (7/7) برقم: (5803).
[4] شرح النووي على مسلم: (14/154).
[5] صحيح البخاري: (5/549) برقم: (2272).
علي بن أحمد المطاع