حكم تولي المرأة الحسبة في السوق
لقد أمر الله- تبارك وتعالى - الناس جميعاً ذكورا وإناثاً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].
- التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة -
لقد أمر الله- تبارك وتعالى - الناس جميعاً ذكورا وإناثاً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].
وأمر الله - عز وجل - النساء بالقول المعروف فقال: (وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) [الأحزاب: 32]، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: أي: "أمرهن بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"([1]).
وقد حمل النبي - صلى الله عليه وسلم - المرأة المسلمة مسؤولية كبيرة في الاحتساب فقال: ((والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها))([2]).
وجاءت النصوص المصرحة بمشروعية الأمر المعروف والنهي عن المنكر على النساء، فمن ذلك قوله - تعالى -: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيرحمهم الله إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 71].
غير أن أهل العلم تكلموا في موضوع ولاية الحسبة، وذكروا بعض الفروق التي تختلف فيها المرأة عن الرجل ومن ذلك توليتها ولاية الحسبة.
وفي هذه الصفحات سأعرض كلام أهل العلم في حكم تولية المرأة الحسبة في السوق، ولست أعني الاحتساب في الأسواق النسائية المغلقة، فهذه مسألة لا خلاف في جوازها، إنما الخلاف بين العلماء في مسألة تولية المرأة الحسبة في السوق المختلط.
فأقول وبالله التوفيق: يقول الماوردي: الحسبة هي أمر بالمعروف إذا ظهر تركه، ونهي عن منكر إذا ظهر فعله...وإن صح من كل مسلم، ففيه فرق بين المتطوع ووالي الحسبة... ([3]).
والنظر في هذه الفروق يعين في تصور المسألة ومعرفة حكمها:
فأبرز الفروق التي ذكرها الماوردي:
- أن فرضه متعين على المحتسب بحكم الولاية، وفرضه على غيره داخل في فروض الكفاية.
- أن قيام المحتسب به من حقوق تصرفه الذي لا يجوز أن يتشاغل عنه، وقيام المتطوع به من نوافل عمله الذي يجوز أن يتشاغل عنه.
- وأن المحتسب يبحث عن المنكرات الظاهرة ليصل إلى إنكارها، ويفحص عما ترك من المعروف الظاهر ليأمر بإقامته، وليس على غيره من المتطوعة بحث ولا فحص.
- وأن المحتسب له أن يعزر في المنكرات الظاهرة، لا يتجاوز إلى الحدود وليس للمتطوع أن يعزز على منكر.
إذن من شروط والي الحسبة أن يكون حراً، عدلاً، ذا رأي وصرامة وخشونة في الدين، وعلم بالمنكرات الظاهرة([4]).
وقد ورد في حكم تولي المرأة حسبة السوق، قولان:
القول الأول:
لا يجوز تعيينها في حسبة السوق ([5]).
ومن أبرز ما استدلوا به:
أولاً: قوله- تبارك وتعالى -: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) [النساء: 34].
أي: يقوم بتدبيرها وتأديبها([6]).
فلا يجوز تعيين النساء على أمر السوق؛ لأن هذا يجعلهن قوامات على الرجال الذين جعلهم الله - تعالى -قوامين عليهن، وفي هذا محاولة قلب صنع الله الذي أتقن كل شيء([7]).
ثانياً: قوله- تبارك وتعالى -: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) [الأحزاب: 33]. فإذا كان الإسلام أمر النساء بملازمة البيوت وأعفاهن عن فريضة الحضور إلى المساجد... فكيف يتصور إباحة الإسلام لهن أن يداومن الساعات الطوال في الأسواق بين الرجال الأبرار والأشرار، باسم الحسبة؟ ([8]).
ثالثاً: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة))([9]).
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله -: منصب النبوة، والقضاء والإمامة الصغرى والكبرى، وسائر الولايات مختص بالرجال([10]).
القول الثاني: يجوز تعيينها على الحسبة، والذكورة لا تشترط في ولاية الحسبة([11]).
ومن أبرز ما استدلوا به:
أولاً: عموم النصوص التي تحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كقوله- تبارك وتعالى -: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104]، فالآية عامة تشمل الرجال والنساء، وأن على الرجال والنساء أن يقوموا بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ([12]).
وأجيب عن هذا: بأن قيام النساء بالحسبة غير ممنوع، بل قد فرض عليهن القيام به كما فرض على الرجال، والممنوع هو توليتهن ولاية الحسبة، وعملاً بنصوص الكتاب والسنة الدالة على تخصيص الولايات بالرجال دون النساء([13]).
كما أن هذه الآية في غير محل النزاع حيث أنها تبين أن على الأمة أن يكون منها طائفة تدعو إلى المعروف وتنهى عن المنكر، وليست خاصة بتولي المرأة الحسبة.
ثانياً: ما رواه أبو بلج يحي بن سليم قال: رأيت سمراء بنت نهيك وكانت قد أدركت النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها درع غليظ وخمار بيدها سوط تؤدب الناس وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر))([14]).
ثالثاً: ما رواه يزيد بن أبي حبيب أن عمر - رضي الله عنه - استعمل الشِّفَاء على السوق. قال: ولا نعلم امرأة استعملها غير هذه([15]).
والجواب عن هذين الحديثين: ما نقله الكتاني عن القاضي أبي العباس أحمد بن سعيد، أنه قال: الحكم للغالب، والنادر لا حكم له، وتلك القضية من الندور بمكان، ولعله في أمر خاص يتعلق بأمور النسوة([16]).
إضافة إلى ذلك أن استعمال عمر - رضي الله عنه - للشِّفَاء على السوق لم يثبت عنه، قال ابن العربي - رحمه الله -: "وقد روي أن عمر - رضي الله عنه - قدم امرأة على حسبة السوق ولم يصح، فلا تلتفتوا إليه، وإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث"([17]).
والذي يظهر والله - تبارك وتعالى - أعلم أن القول الأول هو الأقرب، ويبدو أن أصحاب هذا القول إنما منعوا ولاية الحسبة بمعنى ولايتها واعتلائها منصباً يخولها أن تتابع وتبحث عن المنكرات الظاهرة لتصل إلى إنكارها، وتفحص عما ترك من المعروف الظاهر، لتأمر بإقامته، وتعزر في المنكرات الظاهرة، وذلك في أوساط الرجال، فكان المنع من حيث أنها تولت نوعاً من أنواع الولاية العامة ومن حيث أنها عرضت نفسها للخلطة بالرجال.
فلو تولت المرأة الحسبة على النساء في أوساطهن، ودون أن يكون ذلك على حساب مسؤولياتها الأساسية وهي رعاية بيتها، وكان ذلك بإذن ولي أمرها، فليس في ذلك مخالفة شرعية.
قال الشيخ العلامة ابن عثيمين - رحمه الله - في قوله - تعالى -: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيرحمهم الله إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 71]: "وفي هذه الآية دليل على أن وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليست خاصة بالرجال بل حتى النساء عليهن أن يأمرن بالمعروف وينهين عن المنكر، ولكن في حقول النساء ليس في مجامع الرجال وفي أسواق الرجال لكن في حقول النساء ومجتمعات النساء في أيام العرس وفي أيام الدراسة وما أشبه ذلك إذا رأت المرأة منكرا تنهى عنه وإذا رأت تفريطا في واجب تأمر به؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل مؤمن ومؤمنة"([18].
فعلى المرأة المسلمة أن تكون محتسبة في الأسواق النسائية ويكون الاحتساب على الزائرات للسوق والعاملات فيه، وكل من رأتها تخالف أمر الله -تبارك وتعالى-.
والله أعلم.
[1] - تفسير القرطبي (14/178).
[2] - رواه البخاري (1/304)، برقم (853).
[3] الأحكام السلطانية (299)
[4] - الأحكام السلطانية (300).
[5] - انظر: نظام الحكومة النبوية (التراتيب الإدارية) للكتاني (1/285).
[6] - انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (5/148).
[7] - انظر: مسؤولية النساء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، للدكتور فضل إلهي (ص: 119).
[8] - انظر: مسؤولية النساء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، للدكتور فضل إلهي (ص: 125).
[9] - رواه البخاري (4/1610)، برقم (4163).
[10] - انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: 84).
[11] - انظر: ولاية الحسبة في الإسلام، لعبد الله محمد عبد الله، ص: 146.
[12] - انظر أصول الحسبة في الإسلام، لمحمد كمال إمام (ص: 68).
[13] - انظر مسؤولية النساء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، للدكتور فضل إلهي (ص: 133).
[14] - المعجم الكبير (24/311)، برقم (785، قال الألباني: سنده جيد. انظر: جلباب المرأة المسلمة (1/101).
[15] - الإصابة لابن حجر(7/728)، قال ابن العربي في أحكام القرآن (3/352): وقد روي أن عمر - رضي الله عنه - قدم امرأة على حسبة السوق ولم يصح، فلا تلتفتوا إليه، وإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث.
[16] - انظر: نظام الحكومة النبوية (التراتيب الإدارية)، للكتاني (1/286).
[17] - أحكام القرآن (3/352).
[18] شرح رياض الصالحين (4/500).
عبد الله علي العبدلي