وجع النساء

غادة النادي

لم أستطع أن أستكمل نظري في عينيها، أنحت عيني حزنًا أمام أحزانها، أمام عصارة الحرمان والشقاء التي تقطر من كلماتها، وأمام قلة حيلتي وعجزي، كيف لي أن أنقذها، أن أحدثها عن الإسلام، عن عزة المرأة المسلمة، عن الكرامة والحب وانتظار واختيار الرجال الفوارس بحق، عن حرمة أن تهين نفسها، أو تعرض نفسها للظلم تحت أي ضغط، عن ربها الواحد الأحد الذي ارتضى لها الإسلام دينًا، وجعلها ملكة متوجة في ملكوته الواسع، كيف لي والمسلمات يُظلمن ويُقهرن باسم الإسلام؟! حوار فشلت أن أقنع به بعض الأخوات المسلمات، فكيف سأقنع به (ملحدة)؟!

  • التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة - قصص مؤثرة -

في الكافيه المفضل لدي دائمًا ألتقي بها، (آنجيلا)، مديرة الكافيه الأمريكية، والتي تعمل بنفسها (كل شيء)، برغم أنها تجاوزت الأربعين بكثير، إلا أنها ما زالت تحمل قلبًا شابًا وضحكة مميزة تتحدى بها عناء ٣ وظائف مضنية تقوم بها من أجل أن تعيش "مرتاحة، ولا تحتاج لأحد" كما دائمًا تصف لي!

ما أن تراني حتى تأخذ مني معطفي، تعلقه لديها، وتبدأ في إعداد مشروبي الساخن المفضل مع الخبز والجبن، درجة الحرارة بالخارج انخفضت حتى وصلت سالب ٢٠، أستعجلها "أنجيلا يلا أنا بردانة وجعانة أوي"، تضحك ضحكتها المميزة جدًا -التي تجعل كل الكافيه يبتسم- وتأتيني بطاولة الإفطار، لكن هذه المرة استأذنت كي تبدأ معي حديثًا جديدًا -على كلامها تحب الحديث معي- فأذنت لها بـ(١٥ دقيقة) فقط، هى مدة تناولي للإفطار، اليوم مثل بقية الأيام، محمل بالمهام والمسؤوليات، فبدأت تحكي لي قصتها، وفي عجالة، ألخص لكم الحوار..

- آنجيلا: "غادة أريد نصيحتك، لقد تعرفت على شاب مصري عن طريق الإنترنت وأحببته جدًا، وهو يعشقني للجنون، وسأستقدمه إلى هنا، فما رأيك؟!
- غادة: ما اسمه وتفاصيل التعارف؟ وهل لديك صورته؟ وهل يمكنني أن أراها، وأسألك مجموعة أسئلة؟!
-آنجيلا: "عادل صليب، وهذه صورته، وتفضلي بكل الأسئلة التي تريديها"!

- غادة: بعد أن رأيت صورته وسألتها بعض الأسئلة التي أعلم إجابتها جيدًا، لكن حتى أمنحها إحساسًا بجدية النقاش وأهمية رأيها، وأنها أخرجت شيئًا من قلبها، لقد كانت تحتاج للحديث أكثر من النصح هكذا تقول لغة عينيها، صوتها، وجسدها المنهك..

آنجيلا! صديقتي -بالطبع هى ليست صديقتي، لكن هذه الكلمة تأسر قلوب الأمريكيين، تفتح بابًا لكي يستمعوا لك جيدًا، تعلمت هذا من خبرات سنوات العمل الدعوي، فلا بأس من استعمالها هذه المرة فقط-، رأيي باختصار يا آنجيلا أن هذا الشخص، إنسان مُخادع، أستطيع أن أسرد على مسامعكِ كل ما قاله لكِ، وتعلمين إنصافي، لا أقول هذا لأنه نصرانيًا، ولكن حتى لو كان مسلمًا كنت سأقول نفس الشيء، لأن هذا هو رأيي فيه كإنسان، متجردًا من أي حيثيات أخرى، ولا سعادة في انتظارك، لا حب ولا راحة، بل تنتظرك أيام من الشقاء وعدم الاستقرار، واستغلال لكل ما فيكِ بمنتهى الطمع، وربما الندالة والخسة أيضًا، سيتركك بعدها مكسورة القلب وحيدة، ربما تفقدي أشياء كثيرة لن تعوضيها وربما أشد، والخيار بالطبع متروك لكِ!

- آنجيلا: -بعدما ثبت عيني في عينيها، كنت أحتاج أن أواجهها بنظرة معينة، نظرة لا تجيدها سوى النساء وقت المكاشفة والمصارحة، قرأتها هى مني جيدًا جدًا، وعرفت رسالتي لها-، "يا غادة، كنتِ صادقة معي، محبة لي، خائفة علي وعلى قلبي، وسأكون مثلك صادقة، أنا أعلم جيدًا جدًا أنه مخادع، لكنني أرغب في أن أعيش هذه التجربة حتى ولو كانت كذبًا"!

لم أستطع أن أستكمل نظري في عينيها، أنحت عيني حزنًا أمام أحزانها، أمام عصارة الحرمان والشقاء التي تقطر من كلماتها، وأمام قلة حيلتي وعجزي، كيف لي أن أنقذها، أن أحدثها عن الإسلام، عن عزة المرأة المسلمة، عن الكرامة والحب وانتظار واختيار الرجال الفوارس بحق، عن حرمة أن تهين نفسها، أو تعرض نفسها للظلم تحت أي ضغط، عن ربها الواحد الأحد الذي ارتضى لها الإسلام دينًا، وجعلها ملكة متوجة في ملكوته الواسع، كيف لي والمسلمات يُظلمن ويُقهرن باسم الإسلام؟! حوار فشلت أن أقنع به بعض الأخوات المسلمات، فكيف سأقنع به (ملحدة)؟!

نظرت للطعام الذي كنت منذ دقائق أتناوله بشهية كبيرة وتركته، وأخذت أغراضي وهممت كي أغادر -في صمت وتعجب شديد جدًا منها- أسرعت لتحضر لي معطفي، اثنيتها حتى لا تلتقي عيني بعينها، ركبت سيارتي لا شيء يدفيني سوى دمعة ساخنة انحدرت من عينيي على حال النساء، على وجع النساء، على مصير النساء! 
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام