(9) خُلق العدل

أم سارة

من الأخلاق العظيمة الكريمة المحببة للنفس خُلق العدل، ذلك الخُلق الذي يبعث في النفس الأمان والطمئنينة إذا تم تطبيقه في الحياة، فلا يخاف المظلوم من عدم إنصافه، ولا يجد الظالم إلا أن يكف ظلمه عن البشر، ولذلك أمرنا الله تعالى بإقامة العدل مهما كانت درجة القرابة، والبعد عن اتباع الهوى مهما كانت درجة الغنى أو الفقر، فسبحانه ولي الجميع..

  • التصنيفات: السيرة النبوية - محاسن الأخلاق -

من الأخلاق العظيمة الكريمة المحببة للنفس خُلق العدل، ذلك الخُلق الذي يبعث في النفس الأمان والطمئنينة إذا تم تطبيقه في الحياة، فلا يخاف المظلوم من عدم إنصافه، ولا يجد الظالم إلا أن يكف ظلمه عن البشر، ولذلك أمرنا الله تعالى بإقامة العدل مهما كانت درجة القرابة، والبعد عن اتباع الهوى مهما كانت درجة الغنى أو الفقر، فسبحانه ولي الجميع، فقال تعالى في محكم آياته: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء:135].

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة:8]، والآية أمر من الله بإقامة العدل حسبة لله وألا نجعل بُغضنا لقوم أو لأي أحد سبب في ظلمه ومنعه حقه الذي أوجبه الله تعالى.

لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من أقام العدل وحكم بالقسط بين الناس أيًا كانت مكانتهم، حتى مع غير المسلمين فقد كان صلوات ربي عليه ينصفهم إن كان الحق معهم.. فقال صلى الله عليه وسلم مبينًا قيمة العدل: «إن المقسطينَ في الدُّنيا على منابرَ من لؤلؤٍ يومَ القيامةِ بينَ يدي الرحمنِ بما أقسطوا في الدُّنيا» (مسند أحمد:200/9). هذه هي منزلة المقسط العادل يوم القيامة، فما أروعها من مكانة عالية ينالها كل من تخلق بهذا الخلق الرفيع..

وللأسف في زمننا وحاضرنا الذي نعيشه نجد أن خُلق العدل أصبح يُطبق حسب الهوى، فإن كان الظالم صاحب سلطة أو جاه فلا يؤخذ للمظلوم حقه ولا يتم إنصافه، بل بالعكس قد يُعذب أو يُقتل لمجرد أنه اشتكى وطلب القصاص لنفسه! أما إذا كان الظالم فقير لا سلطة له ولا جاه اُقيم عليه الحد بكل دقة! في حين أن رسول البشرية صلوات ربي عليه عندما تعرض لموقف مثل هذا وجاءه أسامة بن زيد يتوسط للمرأة المخزومية التي سرقت، فماذا قال؟

رد عليه رسول الله صلوات ربي عليه وقال: «أَتشفعُ في حدٍّ من حدودِ اللهِ؟»، ثم قام فاختطب: «أيها الناسُ! إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريفُ تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيفُ أقاموا عليه الحَدَّ، وايمُ اللهِ! لو أنَّ فاطمةَ بنتَ محمدٍ سرقَتْ لقطعتُ يدَها» (صحيح مسلم:1688)، هذا هو العدل أن يُقام الحد على الجميع مهما كانت مكانته.

ويتجلى لنا عدل الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف العظيم، قال صلوات ربي عليه: «من حلفَ على يمينٍ وَهوَ فيها فاجرٌ ليقتطعَ بِها مالَ امرئٍ مسلمٍ لقيَ اللَّهَ وَهوَ عليْهِ غضبان» فقالَ الأشعثُ بنُ قيسٍ: "فيَّ واللَّهِ كانَ ذلِكَ كانَ بيني وبينَ رجلٍ منَ اليَهودِ أرضٌ فجحدني، فقدَّمتُهُ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالَ لي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «ألَكَ بيِّنةٌ؟» قلتُ : لاَ. فقالَ لليَهوديِّ: «احلف»، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ إذًا يحلفَ ويذْهبَ بمالي"، فنجده صلوات ربي عليه لم يحكم لقيس المسلم الموحد بالله بأرضه الذي أخذها اليهودي لأنه ليس معه بينة، ورضي بحلف اليهودي الكاذب فالأرض تحت يده وأقسم أنها له، فصلوات ربي عليك وعلى آلك وصحبك أجمعين.

وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن نأخذ ما ليس لنا، ومن يفعل ذلك فقد اقتطع لنفسه قطعة من النار.. فقال صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا بشرٌ، وإنكم تختصمون إليَّ، ولعلَّ بعضَكم أن يكون ألحنَ بحُجَّتِه من بعضٍ فأقضي له على نحوِ ما أسمعُ، فمن قضيتُ له بحقِّ أخيه شيئًا فلا يأخذُه، فإنما أقطعُ له قطعةً من النارِ» (صحيح البخاري:7169).

ولم يقتصر عدل الرسول صلى الله عليه وسلم على القضاء بين الناس فقط، بل علمنا العدل بين الأولاد والزوجات..

فعن النعمان بن بشير قال: "أعطاني أبي عَطِيَةً، فقالتْ عمرةُ بنتُ رواحَةَ لا أَرْضى حتَّى تُشْهِدَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فأتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: إنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي منْ عَمْرَةَ بنتِ رَوَاحةَ عطيَّةً، فَأَمَرتْني أن أُشْهدكَ يا رسولَ اللهِ، قالَ: «أعطيتَ سائرَ ولدكَ مثلَ هذا»، قالَ: لا، قال: «فاتَّقوا اللهَ واعدِلوا بينَ أولادِكُم»، قال: فَرَجَعَ فردَّ عَطِيِّتَهُ" (صحيح البخاري:2587)، وقال أيضًا: «اعدِلوا بين أولادكم في النِّحَلِ، كما تُحبّون أن يعدِلوا بينكم في البِرِّ والُّلطفِ» (صحيح الجامع:1046).

أما عن العدل بين الزوجات تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لعروة بن الزبير بن العوام رضي الله عنهما: "يا ابنَ أُختي كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ «لا يفضِّلُ بعضَنا على بعضٍ في القَسْم من مُكثِهِ عِندنا»، وَكانَ قلَّ يومٌ إلَّا «وَهوَ يطوفُ علينا جميعًا، فيدنو مِن كلِّ امرأةٍ من غيرِ مَسيسٍ، حتَّى يبلغَ إلى الَّتي هوَ يومُها فيبيتَ عندَها»" (صحيح أبي داود:2135).

صلوات ربي عليك وعلى آلك وصحبك أجمعين..

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام