الله نور السموات والأرض
أحمد كمال قاسم
أن الفرق بين نور الله المتجلي على الكائنات غير العاقلة، وبين نوره الموحى إلى الإنسان أن هذه الكائنات لا ترفض هذا النور، وبالتالي لا تتخبط، أما الإنسان فقد يقبله، ويفتح له بصيرته، وحينئذ تنتظم حياته، وتتناغم مع الكون، وقد يرفضه، ويغلق أمامه بصيرته، وحينئذ فلا يلومن إلا نفسه، فقد اختار العمى على الهدى.
- التصنيفات: الإسلام والعلم -
- النور والظلام:
النور هو وسيلة توضيح الأشياء، وهو لفظ عام قد يطلق على أي وسيلة تعيننا على استيضاح كنه الأشياء، وغياب النور هو الظلام، وعندما ننظر إلى النور هذه النظرة العامة نجد أنه كما يأتينا النور من الشمس لتعين أعيننا على رؤية الأشياء، فإن النور يأتي لبعض الحيوانات مثل الخفافيش عن طريق انعكاس الصوت، فبدون انعكاس الصوت هنا لا يرى الخفاش، فلو فرضنا أن خفاشًا فَقَدَ حاسة السمع فإننا نستطيع أن نقول أنه يعيش في ظلام.
- النور والضوء ما الفرق؟:
1/ طبقًا للنموذج السابق فإن الضوء ما هو إلا مصدر من مصادر النور وهو ليس مصدرًا دائمًا له، فالضوء بالنسبة للضرير ليس مصدر نور على الإطلاق، إنما يعتمد الضرير على باقى حواسه (كاللمس والشم والسمع) في الاستعانة بأنواع أخرى من النور؛ كوجود ملمس للأشياء، ووجود رائحة للأشياء، ووجود صوت للأشياء.
2/ عندما وصف الله في كتابه العزيز أن الشمس ضياء، بينما القمر نور في (سورة يونس:آية 5):
{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}، فقد وضح القرآن هنا اختلافًا في طبيعة الشعاع الصادر عن كلا من الشمس والقمر، وقد اخبرتنا التجربة أن الشمس مصدر من مصادر النور، لكنها ليست مصدرًا للنور فحسب؛ بل هي مصدر للحرارة أيضًاً، ولكن القمر ليس كذلك فهو مصدر للنور دون الحرارة، وهنا يتضح معنى النور أكثر، حيث أن النور هو أداة استبيان الحقائق النقية التي لا تعتريها مكونات أخرى، قد تكون زائدة أو حتى مضرة لهذا الغرض بالذات وهو المعرفة.
الله نور السموات والأرض
قال تعالى في (سورة النور:آية 35):
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
بهذا الفهم لمعنى النور يتضح معان جميلة في الآية السابقة:
أ/ إن الله تعالى خلق القوانين التي تدل كل شيء على طريقه ووظيفته، فتخيلوا معي أن قوانين الطبيعة اختفت فجأة سيتخبط الكون تخبطًا مدمرًا فقد حل الظلام (هو انعدام القوانين هنا) فجأة، لا شيء يعرف أين يذهب ولا شيء يعرف وظيفته، فالله تعالى بوضعه لقوانين الطبيعة هو نور السموات والأرض.
ب/ إن الإنسان مثل باقي الأشياء يحتاج إلى نور ليعرف طريقه ووظيفته، فلو ترك الله العالم بدون وحي ودين لتخبط الإنسان شر تخبط، ولساءت حياته شر سوء على مر العصور، (أسوء بكثير مما هي الآن)؛ حيث أنه لا يعرف لا طريقه ولا وظيفته بل أنه مهما علا عقله لا يستطيع أن يدرك حقائق الوجود العليا لأن الظلام لا يمكن عقله من ابصار تلك الحقائق.
قال تعالى في (سورة النور:آية 40):
{أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ}.
ج/ أن الفرق بين نور الله المتجلي على الكائنات غير العاقلة، وبين نوره الموحى إلى الإنسان أن هذه الكائنات لا ترفض هذا النور، وبالتالي لا تتخبط، أما الإنسان فقد يقبله، ويفتح له بصيرته، وحينئذ تنتظم حياته، وتتناغم مع الكون، وقد يرفضه، ويغلق أمامه بصيرته، وحينئذ فلا يلومن إلا نفسه، فقد اختار العمى على الهدى.
قال تعالى في (سورة الأنعام:آية 122):
{أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
وقال تعالى في (سورة فصلت:آية 17):
{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.
اللهم يا نور السموات والأرض اجعل في قلوبنا نورًا يدلنا إليك ويثبتنا على صراطك المستقيم.
والله تعالى أعلى وأعلم.