(3) فضائل أقوال النبي صلى الله عليه وسلم
في فضائل أقواله صلّى اللّه عليه وسلّم خصال عديدة، منها:
- التصنيفات: السيرة النبوية - محبة النبي صلى الله عليه وسلم -
فالكمال المعتبر في البشر يكون من أربعة أوجه: كمال الخَلق وكمال الخُلق وفضائل الأقوال وفضائل الأعمال.
الوجه الثالث: فضائل الأقوال:
في فضائل أقواله صلّى اللّه عليه وسلّم خصال عديدة، منها:
الخصلة الأولى:
ما أوتي من الحكمة البالغة، وأعطي من العلوم الجمّة الباهرة، وهو أمّي من أمّة أمّيّة لم يقرأ كتابًا، ولا درس علمًا، ولا صحب عالمًا ولا معلّمًا، فأتى بما بهر العقول، وأذهل الفطن من إتقان ما أبان، وإحكام ما أظهر، ولم يتعثّر فيه بزلل في قول أو عمل.
وقد شرع من تقدّم من حكماء الفلاسفة سننًا حملوا النّاس على التّديّن بها حين علموا أنّه لا صلاح للعالم إلّا بدين ينقادون له ويعملون به فما راق لها أثر ولا فاق لها خبر.
الخصلة الثانية:
حفظه لما أطلعه اللّه تعالى عليه من قصص الأنبياء مع الأمم وأخبار العالم في الزّمن الأقدم حتّى لم يعزب عنه منها صغير ولا كبير ولا شذّ عنه منها قليل ولا كثير. وهو لا يضبطها بكتاب يدرسه ولا يحفظها بعين تحرسه، وما ذاك إلّا من ذهنٍ صحيحٍ، وصدرٍ فسيحٍ، وقلبٍ شريحٍ، وهذه الثّلاثة آلة ما استودع من الرّسالة وحمّل من أعباء النّبوّة فجدير أن يكون بها مبعوثًا وعلى القيام بها محثوثًا.
الخصلة الثالثة:
إحكامه لما شرع بأظهر دليل وبيانه بأوضح تعليل؛ حتّى لم يخرج منه ما يوجبه معقول، ولا دخل فيه ما تدفعه العقول. ولذلك قال صلّى اللّه عليه وسلّم: « »، لأنّه نبّه بالقليل على الكثير فكفّ عن الإطالة وكشف عن الجهالة وما تيسّر ذلك إلّا وهو عليه معان وإليه مقاد.
الخصلة الرابعة:
ما أمر به من محاسن الأخلاق ودعا إليه من مستحسن الآداب وحثّ عليه من صلة الأرحام وندب إليه من التّعطّف على الضّعفاء والأيتام. ثمّ ما نهى عنه من التّباغض والتّحاسد وكفّ عنه من التّقاطع والتّباعد لتكون الفضائل فيهم أكثر ومحاسن الأخلاق بينهم أنشر، ومستحسن الآداب عليهم أظهر وتكون إلى الخير أسرع ومن الشّرّ أمنع.
الخصلة الخامسة:
وضوح جوابه إذا سُئل وظهور حجاجه إذا جادل لا يحصره عيّ، ولا يقطعه عجز ولا يعارضه خصم في جدال إلّا كان جوابه أوضح وحجاجه أرجح.
الخصلة السادسة:
أنّه محفوظ اللّسان من تحريفٍ في قولٍ، واسترسالٍ في خبرٍ يكون إلى الكذب منسوبًا وللصّدق مجانبًا، فإنّه لم يزل مشهورًا بالصّدق في خبره كان فاشيًا وكثيرًا حتّى صار بالصّدق مرقومًا، وبالأمانة موسومًا. وكانت قريش بأسرها تتيقّن صدقه قبل الإسلام فجهروا بتكذيبه في استدعائهم إليه فمنهم من كذّبه حسدًا ومنهم من كذّبه عنادًا ومنهم من كذّبه استبعاد أن يكون نبيًّا أو رسولًا. ولو حفظوا عليه كذبة نادرة في غير الرّسالة لجعلوها دليلا على تكذيبه في الرّسالة، ومن لزم الصّدق في صغره كان له في الكبر ألزم، ومن عصم منه في حقّ نفسه كان في حقوق اللّه تعالى أعصم وحسبك بهذا دفعًا لجاحدٍ وردًّا لمعاندٍ.
الخصلة السّابعة:
تحرير كلامه في التّوخّي به إبّان حاجته والاقتصار منه على قدر كفايته فلا يسترسل فيه هذرًا ولا يحجم عنه حصرًا. وهو فيما عدا حالتي الحاجة والكفاية أجمل النّاس صمتًا وأحسنهم سمتًا. ولذلك حفظ كلامه حتّى لم يختلّ وظهر رونقه حتّى لم يعتلّ واستعذبته الأفواه حتّى بقي محفوظًا في القلوب مدوّنًا في الكتب فلن يسلم الإكثار من الزّلل ولا الهذر من الملل.
الخصلة الثّامنة:
أنّه أفصح النّاس لسانًا وأوضحهم بيانًا وأوجزهم كلامًا وأجزلهم ألفاظًا وأصحّهم معاني، لا يظهر فيه هجنة التّكلّف ولا يتخلّله فيهقة التّعسّف. وقد دوّن كثير من جوامع كلمه ومن كلامه الّذي لا يشاكل في فصاحته وبلاغته ومع ذلك فلا يأتي عليه إحصاء ولا يبلغه استقصاء. ولو مُزج كلامه بغيره لتميّز بأسلوبه ولظهر فيه آثار التّنافر فلم يلتبس حقّه من باطله ولبان صدقه من كذبه هذا، ولم يكن متعاطيًا للبلاغة ولا مخالطًا لأهلها من خطباءٍ أو شعراءٍ أو فصحاءٍ وإنّما هو من غرائز طبعه وبداية جبلّته وما ذاك إلّا لغاية تُراد وحادثة تُشاد.
(من كتاب: نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم)