همساتٌ لكِ ولكَ في (عيد المرأة)

لطيفة أسير

فكر بها أولًا واجعلها في قائمة اهتماماتك لا في ذيلها، اجعلها تاجًا على رأسك لا مداسًا تحت قدميك، وتأكد حينها أن خير الدنيا والآخرة سيوضع بين يديك، وأنك ستكون خير الرجال.

  • التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة -

يلتف العالم كل سنة للاحتفاء بالمرأة في يومها العالمي بدعوى تكريمها والاعتراف بحقوقها في ذاك اليوم، ولا يهمني الخوض في تاريخ هذا الاحتفال بقدر ما يهمني أن أهمس في أذن كل أنثى عاقلة أنْ ثوري ضد هذا العبث، وأوقفي هذه المهازل التي تريد اختزالكِ في ) (ذكرى سنوية).

صدقيني ما أفلح من اختار هذا اليوم لك، وقد بخسك حقك وما أكرمك، فكل الأيام ينبغي أن يُحتفى بك فيها، وكل الأيام هي لكِ: أُمًّا وزوجة وأختًا وبنتًا، موظفة أو عاملة أو ربة بيت، فأنت ضياء الكون ونوره، وبلسم الجراح ودواؤها، أنت النغمة التي لا تفتأ تشدو لتبهج من حولها، إنَّ كل ركن من أركان هذا الكون الفسيح يخلد بصماتك قديمًا وحديثًا، وكل الحياة أنتِ قوامُها، فكيف يكفيك يوم واحد.

سيدتي:

افخري أنك أنثى، واعلمي أن ما من قانون أكرمك ورفع قدرك غير قانون رب السماء، وأن حقك ما ضاع إلا حين جار عليك المجتمع، فضرب بالقانون الإلهي عرض الحائط، وصار يخبط خبط عشواء في قوانين وضعية لا تسمن ولا تغني من جوع.

لك سيدتي أن تحفظي كرامتك، وتصوني عرضك، وتثبتي ذاتك بنفسك، دونما حاجة لمن يدافع عنك، بيدك السلاح لتعيدي لنفسك هيبتها، وتقفي سدًا منيعًا أمام كل من يحاول أن يتلاعب بأنوثتك، أو يمتهن كرامتك، أنت شقيقة الرجل وصنوه، لا تستقيم الحياة إلا بكما، فكوني على وعي تام بهذه المسؤولية، ولا تلهثي وراء المساواة المطلقة التي تنادي بها بعض الجمعيات الحقوقية النسائية، فلكل دوره، ولكل خصوصيته، فلْيلزم كل حياضه حتى يستقيم حالنا مجددًا.

كوني إنسانة مسؤولة، حتى تستحقي ثقة الرجل واحترامه، ولا تنسي أن بناء المجتمع على عاتقك، فإن صلحتِ صلح معك الزوج والابن والأخ، وإن فسدت فسد معك الكل، فالزمي شرع الله واحمدي الله أنك أنثى، الجنة تحت أقدامك وباب دخولها رهين بالإحسان إليك، أَوَلَمْ يقل حبيبنا صلى الله عليه وسلم: «من كان له ثلاث بنات وصبر عليهن وكساهن من جِدَتِه كُن له حجابًا من النار» (صحيح الجامع:6488).

أصيخي لكلام العارفين الذين قدروك حق قدرك، ولا تلهثي خلف العابثين الذي اختصروك في مُتعة وشهوةٍ وجردوك من كل قيمك الإنسانية، اسمعي للمنصفين حين يقولون: "عندما تكون المرأة معلمة تخجل كل علوم البيداغوجيا، وتلملم قواعدها المتكسرة، ثم ترحل من عالم التربية والتعليم، لتختفي لقىً في سلة المهملات، فيكفي أن تنحني الأم على الطفل لتنطلق العصافير بالتغريد والتفريد، وتتفتح الأغصان الغضة بأزهارها الجميلة، ويبتهج الربيع.

الأم أو الجدة أو العمة أو الخالة أو الأخت الكبرى، هي أميرة تتربع على قلوب الأطفال، أو هي عش من الريش اللطيف يهدهد أحلام البلابل الجميلة، فلتكن حاضرة ههنا وكفى، سواء تكلمت أو صمتت، فإن مواجيدها تشتعل في فضاء المكان قناديلًا وسُرجًا، ومصابيح تتوهج بنور لا نار فيه، فتحتف بها الفراشات الجميلة في احتفالات الليالي المباركة، ثم تتلقى القلوب الغضة من دروس المحبة بصمات أخلاق وأصول قيم، دروس فطرية تتحقق أهدافها كاملة بطبيعتها التلقائية على نجاح كامل بين المعلمة والتلميذ، بصورة لا تعرف مقولات البيداغوجيا لها سبباً فتَتَّبِع سببا"(1).

سيدي:

كم يحُز في نفسي حين أرى وأسمع عن النساء اللواتي يُضربن ضربًا مبرحًا وكأنهن بهائم، وكم تتمزق نفسي كمدًا حين أراك ترتاد المقاهي لاهيًا مازحًا مع رفاقك، وهي تعاني الويلات في البيت، وكم يشتد عتابي لك حين تجلس أمام التلفاز أو الحاسوب، تقلب القنوات، أو تدردش هنا وهناك، وهي منكبة لوحدها على أعمال البيت، لا تكاد تلتقط أنفاسها.

فهلاَّ مددت لها يد المساعدة وخففت عنها عبء المسوؤلية قبل أن تبحث عن سمرك، لا تخف، فلن تنتقص رجولتك وأنت تقف في المطبخ، ولن تمتهن كرامتك وأنت تمد لها يد المساعدة، ألم تسمع أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في مهنة أهله؟ ألم تقرأ قول أمنا عائشة: "كان رسول الله صلوات الله وسلامه عليه يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويعمل بيده كما يعمل أحدكم في بيته، وكان بشرًا يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه"؟

فكر بها أولًا واجعلها في قائمة اهتماماتك لا في ذيلها، اجعلها تاجًا على رأسك لا مداسًا تحت قدميك، وتأكد حينها أن خير الدنيا والآخرة سيوضع بين يديك، وأنك ستكون خير الرجال كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا، وخيارُكم خياركم لنسائه» (شعب الإيمان:6/2718).

سيدي:

اليوم فرصة لتقف وقفة حساب لذاتك وتُسائلها:

أحقًا استوصيتَ بها خيرًا كما أوصاك الحبيب صلى الله عليه وسلم حين قال

«ألا واستوصوا بالنساء خيرًا؛ فإنهن عوان عندكم؟» (سنن الترمذي:1163).

هل ظلمتها يومًا واستنكفت عن الاعتذار لها لأنها امرأة؟

هل طالت يدك يوما وتجرأتْ وامتدتْ لها مؤنبة غاضبة دون وجه حق؟

هل أسمعتها ما يقض مضجعها من كلمات تفتك بها في صمتٍ دون أن تخبرك؟

متى أهديتها آخر هدية؟ ومتى احتفيت بها؟

هل أنت ممن يفضل الجلوس على المقهى بالساعات، والسمر مع الأصدقاء كل يوم بعيدًا عنها وعن ضجيج الأبناء؟

إن كنت كذلك فما استوصيت بها خيرًا، وما أديت الأمانة ولا رعيتها.

فحاسب نفسك قبل أن تحاسب.

1) من كتاب (عودة الفرسان)، لفريد الأنصاري رحمه الله.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام