كُتَّاب وأقلام تحت المجهر
صفية الودغيري
ليس كل كاتب يستطيع أن يرحل بالقارئ والمجتمع نحو آفاق ثقافية متقدمة، تفسح لهم مجال الإبداع والابتكار من خلال ممارساتهم الفكرية، وللأسف ما زلنا نعاني من واقع متأزم يخرِّج لنا كُتَّابًا وأدباء وشعراء وفنانين في مختلف مجالات الفن والأدب والكتابة النثرية والشعرية، إلا أنهم ما زالوا محصورين في حدود ضيقة من التفكير والممارسة، قانعين بوجودهم داخل أبراجهم العالية، بمعزل عن بيئتهم ومحيطهم، وواقعهم المعاش..
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
لطالما نقرأ لكُتَّاب عبر صفحاتهم ومدوَّناتهم، وعبر مواقعهم على شبكة الإنترنت، أو من خلال رصد مقالاتهم المنشورة وإصداراتهم الورقية، إلا أن قلة منهم من يحرِّكون مشاعرك، ويدفعونك للتفكير دفعًا حثيثًا يهزُّ كيانك بكامله، وقلة منهم من يأسرونك بسحر أسلوبهم وبلاغتهم وأصالة لغتهم، وسلاسة تعبيرهم، وفصاحة ألسنتهم، وغزارة إنتاجهم الفكري..
فالكتَّاب الأمجاد هم من يخلِّدون بداخلك بصماتهم المشرقة، فيكون لهم تأثير عميق يساهم في تغيير مفاهيمك الخاطئة، وتصحيح أفكارك القديمة، وتنشيط ذاكرتك، وتوجيه تفكيرك إلى امتلاك الثقافة المسؤولة والوعي بمكانة القراءة الصحيحة في تنمية قدرات القارئ والارتقاء بعلومه ومعارفه، واكتساب الأسلوب البليغ والرشيق، واكتساب مؤهلات التحليل الأدبي والعلمي والسياسي والاقتصادي..
والكتَّاب الأمجاد هم من يجعلونك تشعر بما تقرؤه، فيخاطب عقلك وتفكيرك، كما يخاطب قلبك ووجدانك، وتنصت للكلمات بكل جوارحك، وتخرج في كل مرة بقراءة جديدة، ورؤية مختلفة، ومثل هؤلاء الكتَّاب يستحقون أن تقف احترامًا لأقلامهم، التي أبدعت في صياغة الأفكار وتقديمها للقراء على الوجه اللائق بإنتاج ثقافة متحرِّكة، تعلِّمهم كيف يؤسِّسون لبناء معرفي شامخ، وكيف يخرجون للحياة والوجود بصورة تليق برسالتهم النبيلة، وكيف يقبلون على البحث بدافع الحب والحرص على التقدم والرِّيادة في مختلف مناحي الحياة ومجالاتها الثقافية والمعرفية، وليس بدافع التسلية وملأ الفراغ، أو بدافع الرغبة في تجاوز مرحلة من مراحل طلب العلم وتحصيله..
ومثل هؤلاء الكُتَّاب يغرسون بداخل القراء روح الثقافة كمنطق وبيان، وكسلوك وأخلاق، وليس كمعلومات يتلقَّاها ويستقبلها ليحفظها في خزانة ذاكرته، كما تعود أن يقتني الكتب ليحفظها في خزانته أو مكتبته الخاصة أو العامة، لأجل الزينة والعرض، والتباهي بها والتفاخر أمام الناس، حتى تتحول مع الأيام إلى متحف للفرجة، ومكتبة لا تحمل من معناها إلا الاسم الخالي من محتواه، أشبه بتلك الرفوف التي تراكم عليها غبار النسيان ففقدت قيمة وجودها..
ومثل هؤلاء الكُتَّاب هم نُخَب لا تتساوى في التصنيف ولا التقييم مع من دونهم مكانة ورفعة، لأنهم وإن كانوا أشبه بغيرهم من الكتَّاب في امتلاك موهبة الكتابة، إلا أنهم يتقدَّمون على من دونهم قدرًا ومقدارًا، لامتلاكهم روح الكتابة النابضة والمتحرِّكة كحركة خلجاتهم وأنفاسهم، ولرونق أسلوبهم في التعبير عن أفكارهم، وبلوغهم شأوًا عظيمًا ومراتب عليا من النجاح والإبداع، والتقدير والاحترام، وتعلق الناس بأقلامهم..
فليس كل كاتب يمتلك المؤهلات التي يتقدم بها على غيره، وليس كل كاتب يتفوق كسفير يعبر بلسان القراء عن مشاعرهم وأفكارهم، ومعاناتهم اليومية، ومعايشة الوقائع والأحداث، والقضايا التي يتحرِّك بها المجتمع وليس كل كاتب يحمل روح المبادرة في عرض الحلول الناجعة لمواجهة المحن والشدائد، وتحديات العصر..
وليس كل كاتب يستطيع أن يرحل بالقارئ والمجتمع نحو آفاق ثقافية متقدمة، تفسح لهم مجال الإبداع والابتكار من خلال ممارساتهم الفكرية، وللأسف ما زلنا نعاني من واقع متأزم يخرِّج لنا كُتَّابًا وأدباء وشعراء وفنانين في مختلف مجالات الفن والأدب والكتابة النثرية والشعرية، إلا أنهم ما زالوا محصورين في حدود ضيقة من التفكير والممارسة، قانعين بوجودهم داخل أبراجهم العالية، بمعزل عن بيئتهم ومحيطهم، وواقعهم المعاش..
وكل ما يقدمونه للقراء لا يتعدَّى تلك الكتابات التي هي أشبه بالوجبات الخفيفة لسدِّ جوعهم اليومي، أو لملأ فراغ الزمن المتبقّي عن مشاهداتهم وممارساتهم لهواياتهم التي تحكَّمت فيها وسائل التكنولوجيا الحديثة، وطبيعة الحياة التي صارت مشحونة باهتمامات غير منظمة، وأحلام ليست ذات قيمة أو تحمل رسالة عظيمة.