بيان كَوْنُ صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ تَعْدُلُ صِيَامَ الشَّهْرِ

ابن قيم الجوزية

كَوْنُ صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ تَعْدُلُ صِيَامَ الشَّهْرِ فَقَدْ ذكر في هَذَا الْحَدِيثُ سَبَبَهُ، وَهُوَ أَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا فَهُوَ يَعْدُلُ صِيَامَ الشَّهْرِ غَيْرِ مُضَاعِفٍ لِثَوَابِ الْحَسَنَةِ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا فَإِذَا صَامَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَحَافَظَ عَلَى ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ.

وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ كَوْنُ صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ تَعْدُلُ صِيَامَ الشَّهْرِ فَقَدْ ذكر في هَذَا الْحَدِيثُ سَبَبَهُ، وَهُوَ أَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا فَهُوَ يَعْدُلُ صِيَامَ الشَّهْرِ غَيْرِ مُضَاعِفٍ لِثَوَابِ الْحَسَنَةِ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا فَإِذَا صَامَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَحَافَظَ عَلَى ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ.

وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَالَ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ" فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا».

وَفِي كَوْنِهَا -مِنْ شَوَالَ- سِرٌّ لَطِيفٌ وَهُوَ أَنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى الْجُبْرَانِ لِرَمَضَانَ وَتَقْضِي مَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي الصَّوْمِ فَتَجْرِي مَجْرَى سُنَّةِ الصَّلاةِ بَعْدَهَا وَمَجْرَى سَجْدَتَيِّ السَّهْوِ وَلِهَذَا قَالَ وَأَتْبَعَهُ أَيْ أَلْحَقَهَا بِهِ.

وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا مَنْ يَسْتَحِبُّ -أَوْ يَجُوزُ- صِيَامَ الدَّهْرِ كُلِّهِ مَا عَدَا الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلا حِجَّةَ لَهُ بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ تَشْبِيهِ الْعَمَلِ بِالْعَمَلِ إِمْكَانَ وُقُوعِ الْمُشَبَّهِ بِهِ فَضْلا عَنْ كَوْنِهِ مَشْرُوعًا بَلْ وَلا مُمْكِنًا كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ.

وَلِهَذَا جَعَلَ صيام ثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ وَصِيَامَ رَمَضَانَ وَإِتْبَاعِهِ بِسِتٍّ مِنْ شَوَالَ يعدل صيام ثلاث مئة وستين يوما وذلك حراماً غَيْرُ جَائِزٍ بِالاتِّفَاقِ فَإِنَّهُ وَقَّعَ التَّشْبِيهَ فِي الثَّوَابِ لا عَلَى تقدير كَوْنِهِ مَشْرُوعًا بَلْ وَلا مُمْكِنًا كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْجِهَادِ فَقَالَ للسائل: «هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَصُومَ فَلا تُفْطِرُ وَتَقُومُ فَلا تُفْتِرُ» قَالَ: لا. قَالَ: «ذَلِكَ مِثْلُ الْمُجَاهِدِ».

وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ تَشْبِيهِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ مُسَاوَاتُهُ لَهُ.

وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ» [رواه مسلم].

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَفْضِيلِ الْعَمَلِ الْوَاحِدِ عَلَى أَمْثَالِهِ وَأَضْعَافِهِ مِنْ جِنْسِهِ فَإِنَّ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ وَلَمْ يُصَلِّ بِاللَّيْلِ تَعْدُلُ صَلاتُهُ تِلْكَ صَلاةَ مَنْ قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ فَإِنْ كَانَ هَذَا ال?ّذِي قَامَ الليل قد صلى تينك الصَّلاتَيْنِ فِي جَمَاعَةٍ أَحْرَزَ الْفَضْلَ الْمُحَقَّقَ وَالْمُقَدَّرَ وَإِنْ صَلَّى الصَّلاتَيْنِ وَحْدَهُ وَقَامَ اللَّيْلَ كَانَ كَمَنْ صَلاهُمَا فِي جَمَاعَةٍ وَنَامَ بِمَنْزِلِهِ إِنْ صَحَّتْ صَلاةُ الْمُنْفَرِدِ.

وَهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ تَفَاضُلَ الأَعْمَالِ لَيْسَ بِكَثْرَتِهَا وَعَدَدِهَا وَإِنَّمَا هُوَ بِإِكْمَالِهَا وَإِتْمَامِهَا وَمُوَافَقَتِهَا لرضا الرب وشرعه.
 

المصدر: المنار المنيف في الصحيح والضعيف