التعلق المعكوس؛ تعلق المتبوع بالتابع والقمة بالقاعدة
أبو محمد بن عبد الله
من صور التعلق المذموم ما نسميه بالتعلق المقلوب، تعلُّق القمة بالقاعدة أو تعلق المتبوع بالتابع، وهي صورة معكوسة مخالِفة للمنطق ولطبائع الأشياء!
- التصنيفات: التقوى وحب الله - تزكية النفس -
من صور التعلق المذموم هو ما نسميه بالتعلق المقلوب، تعلُّق القمة بالقاعدة أو تعلق المتبوع بالتابع، وهي صورة معكوسة مخالِفة للمنطق ولطبائع الأشياء! ويكون ذلك حين يُسيطر على المتبوع حبُّ الظهور والشهرةِ أو حبُّ الرياسة والزعامة، فيقع فيما يطلبه المستمعون من أتباعه، لأنه يرى إنْ هو خالفهم فقد يخالفوه أو ينفضُّوا من حوله، أو يراهم مكسبا يضيع بضياعهم منه، فلا بد من الحفاظ على كيانه من خلالهم، أو رفع نفسه على أكتافهم، كحال كثير من الزعماء والسلاطين والأحزاب السياسية التي تساوم وتقايض بأعداد أتباعها والمنخرطين في قوائمها، فتعلُّقُه بهم كالتعلق بالمكاسب المادية والمطامع الدنيوية.. وقد يشعر بذلك وقد تُلَبِّس عليه نفسه ويُزين له الشيطان عمله فلا يشعر به، ويحسب أنه يُحسن صنعا. وإلا فمتى قادت الجماهيرُ الدعوةَ، وأصبح الدعاةُ يقدِّمون ما يطلبه المستمعون! فعلى الدعوةِ والسبيلِ السلامُ، بل بهذا يصير الدعاة هم المدعوين، ويصبح القادة أتباعا، وكذلك يقال عن الحكام والسلاطين، ومتى يستقيم الظل والعود أعوج؟!
ويُقَسِّم الباحثون العلماءَ إلى ثلاثة أقسام: عالم دولة وعالم أمة وعالم ملة رباني. أما عالم الدولة فهو ذنَب السلطان، الذي يبيع دينَه بدنيا غيره، ومن قديم الزمان كان هذا أحد أسباب الوضع في الحديث النبوي باللفظ والمعنى، وقد ظهر في هذا الزمان الوضع في الحكم والفهم أكثر من غيره، حتى بُدِّلَت شريعة الله بسببٍ من سيولة (الفتاوي ذات البلاوي).. والقسم الثاني هو عالم الأمة، ويُعنى به الذي يمشي في ركاب الأمة، وأينما رأى هوى الناس أفتى، وهو ما سميناه هنا..(ما يطلبه المستمعون).. أما القسم الثالث فهو في نُدرةِ الكبريت الأحمر كما يقال، وقد كانوا قليلا وصاروا أقل من القليل، إلا أن البشارة الربانية والنبوية أنهم لن ينقطعوا ولن تخلوَ الأرض من قائم لله تعالى بحجة قولا وعملا. وهؤلاء هم علماء الملة الذين تعلقت قلوبهم بالله تعالى فسعوْا في مرضاته ولو سخطت الدول والأمم، متمثلين قول الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة:54] وجاعلين نصب أعينهم قول النبي صلى الله عليه وسلم : « » (الألباني، صحيح الترغيب والترهيب، برقم:[2250]).