رسالةٌ فلسطينية عنوانها الوحدة وإطارها الاتفاق
مصطفى يوسف اللداوي
إنها رسالةٌ أخويةٌ رائعةٌ صادقة، بليغةٌ ومعبرةٌ، وواضحةٌ ومعلنة، ومقصودةٌ ومتعمدة، رسمها أهلنا الأصلاء الكرام المرابطون في فلسطين المحتلة عام 1948، في حيفا ويافا واللد والرملة، وفي كفر قاسم وكفر كنا وأم الفحم وقيسارية، وفي النقب والناصرة وجت وقلنسوة وغيرهم، وقد أرادوها لنا درساً وعبرة، ووصيةً ونصيحة، وحكايةً ومنهاجاً، وطريقاً للنجاة، وسبيلاً للفوز..
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية - قضايا إسلامية -
إنها رسالةٌ أخويةٌ رائعةٌ صادقة، بليغةٌ ومعبرةٌ، وواضحةٌ ومعلنة، ومقصودةٌ ومتعمدة، رسمها أهلنا الأصلاء الكرام المرابطون في فلسطين المحتلة عام 1948، في حيفا ويافا واللد والرملة، وفي كفر قاسم وكفر كنا وأم الفحم وقيسارية، وفي النقب والناصرة وجت وقلنسوة وغيرهم، وقد أرادوها لنا درساً وعبرة، ووصيةً ونصيحة، وحكايةً ومنهاجاً، وطريقاً للنجاة، وسبيلاً للفوز..
يرسمون بها لأنفسهم صورةً بديعةً، جميلةً قشيبة، حلوةً زاهية، تعجب الناس، وترضي الشعب، وتغار من بهائها الأمم، وقد جربوها ونجحوا فيها، وسلكوها ووصلوا من خلالها، فأحبوا أن تكون مثالاً عن شعبهم، وصورةً يقتدي بها أهلهم، وتتأسى بها أحزابهم.
إنها صورةٌ وحدويةٌ نادرةٌ، غريبةٌ على القوى الفلسطينية، ولا تعرفها فصائلها المقاومة، ولا تسعى قيادتها إلى تحقيقها وتجسيدها واقعاً على الأرض، بل تحسبها عيباً، وتفسرها ضعفاً، ولا تؤمن بها ضرورة، ولا تسعى إليها حاجةً، ولكن الأحزاب العربية والتجمعات الوطنية في أرضنا المحتلة، الإسلاميين واليساريين والديمقراطيين والشيوعيين والمستقلين جميعاً، نجحوا في ترجمة الشعار واقعاً وحقيقة، وأسعدوا أهلهم باتفاقهم على اختلاف مشاربهم، وتعدد أفكارهم، واختلاف نظرياتهم، وتعدد أديانهم.
فكانوا كتلةً واحدة، وجبهةً مشتركة، وفريقاً متوافقاً متجانساً، جمع كلمته، ووحد برنامجه، وحدد غايته، واتفق على هيكلته واختار قيادته، وقد أدرك بوحدته أنه جبهة لا تخترق، وإطارٌ لا يمزق، فكانت القائمة العربية الموحدة التي خاضت لأول مرةٍ الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية بصورةٍ موحدةٍ، وتحت قائمةٍ وشعارٍ واحد، مفاجأةً للجميع، ومثاراً لفخر الفلسطينيين وسعادتهم، وسبباً في نقمة الإسرائيليين وغضبهم.
أما الأهل المرابطون في الوطن، والساكنون في عمق الأرض، والمزروعون في قلب البلاد، فقد صدقوا الرسالة وآمنوا بها، فاتحدت كلمتهم، وانصبت أصواتهم في صناديق الاقتراع صوتاً واحداً، ينتخب القائمة العربية ويزيد في حظوظ فوزها، ويرفع توقعات مقاعدها، فكانوا بوحدتهم في حلق العدو شوكة، وأمام أطماعه صخرة، وفي طريقه عثرة، ينتخبون ممثليهم، ويقصون أعداءهم، ويؤكدون في الوطن وجودهم، ولفلسطين انتماءهم، وهم الذين يلونون الأرض، ويصبغون التراب، ويعمرون الوطن بأسمائهم وأشخاصهم، وأفكارهم وعقيدتهم، ولا يخافون أنهم يسكنون الوحش، ويربضون في مواجهة المفترس، الذي يبدي أنيابه ويكشف عن مخالبه، ويهدد ويزبد ويرغي أنه سيعاقبهم على فعلهم، وسيحاسبهم على وحدتهم، وسيكون أمام طموحاتهم بالمرصاد، وأنه سيتحالف مع من يدعو لطردهم، ويخطط لترحيلهم، ولكنهم قالوا له بأصواتهم أننا ها هنا باقون، وعلى أرضنا موجودون، لا يزحزحنا عنها أحد، ولا يقوى على طردنا من أرضنا عدو.
أهلنا الذين ظن البعض أنهم يتحدثون العبرية أكثر من العربية، وأنهم يتقنونها أكثر من لغتهم الأصلية، وأنهم نسوا الانتماء وتخلوا عن الولاء، وصارت مصالحهم مع العدو، ومنافعهم بعيداً عن الأشقاء في الوطن، أثبتوا أنهم إلى العربية ينتمون، وإلى فلسطين ينتسبون، وإلى الحرية والاستقلال يتطلعون، وأنهم أكثر وعياً وإدراكاً من إخوانهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، بل أكثر إحساساً بالمسؤولية من سواهم من الفلسطينيين..
فهم يعرفون مصالح شعبهم ويحرصون عليها، ويتنازلون عن ذواتهم من أجل شعبهم، ويتخلصون من عصبياتهم حرصاً على مستقبلهم، وينبذون خلافاتهم ضماناً لفوزهم، ولا يقفون عند المكاسب الحزبية، والمطامع الفئوية، والشعارات الفضفاضة، والجعجعات الفارغة، بل ينفذون برنامجاً يقربهم من بعض، ويرفع من صوتهم، ويقوي مطالبهم، ويزيد من تأثيرهم، ويزرعهم في الأرض أعمق، ويربطهم بالوطن أكثر، ويمكنهم من الحفاظ على الهوية والشخصية والدفاع عنها وتحصينها أفضل.
الأهل في عمق فلسطين وأرجائها أكثر وعياً وحصافةً ممن يحترفون النضال ويمتهنون السياسية منذ عقود، فهم يفكرون بحكمة، ويتحالفون لمنفعةٍ عامة، ويتحدون لقوةٍ مطلوبة، وقد تأكد لديهم أنهم يواجهون عدواً لا يرحم، وخصماً لا يفرق ولا يميز بين الفلسطينيين، بل إنه يراهم جميعاً عدواً له، ويتطلع إلى طردهم كلهم من الأرض، وحرمانهم من الحق، ومساواتهم بغيرهم من اللاجئين والنازحين..
وقد نطق بالحق في أول تعليق على تشكيل القائمة المشتركة، عدوهم الأفَّاق (أفيغودور ليبرمان)، وهو الكذاب الأشر، العتل الزنيم والمعتدي الأثيم، الساعي إلى ترحيلهم وطردهم، أو مبادلتهم والمساومة عليهم: "إن الأحزاب العربية المتحدة تكشف علناً ما كانوا يحاولون إخفاءه في السابق، انكشف علناً لنا اليوم بأنه لا يهم إن كنت شيوعياً أو إسلامياً أو جهادياً، ففي نهاية المطاف لهم هدفٌ واحدٌ هو إنهاء وتدمير الدولة اليهودية وهذا ما يوحدهم".
أهلنا الذين نرفع بهم رأسنا ونفاخر، لا لأنهم خاضوا الانتخابات التشريعية للكنيست الإسرائيلي، بل لأنهم رفعوا شعاراً حقيقياً، ونفذوا برنامجاً مشتركاً، وكانوا صادقين في وحدتهم، ومخلصين في تحالفهم، وكان شعارهم الصادق، الذي لا ينكره عاقل، ولا يهمله إلا جاهل (معاً أقوى)، وقد أثبتوا لأهلهم في الضفة الغربية وقطاع غزة أولاً قبل غيرهم من فلسطينيي الوطن والشتات، أننا معاً أقوى، ومعاً أقرب إلى الهدف، ومعناً أدعى إلى النصر، ومعاً أجدر بالانتصار، ومعاً نثير الإعجاب، ومعاً نحقق الأهداف، ومعاً نصل إلى الغايات، ومعاً نستعصي على عدونا، ومعاً نجبر العالم على أن يصغي لنا، ومعاً نكسب ثقة شعبنا وحب أهلنا، ومعاً تحترمنا الشعب، وترفع القبعة لنا الأمم.
هل تتعلم فتحٌ وحماس، والشعبية والديمقراطية، والجهاد وكل القوى والأحزاب الفلسطينية، وتعي الدرس من أهلهم في شطر الوطن الأصيل، فتتحد وتتفق، وتتصالح وتتلاقى، من أجل الشعب الذي يعاني المر، ويكابد الصعب، ويواجه الصلف، ويلاقي الأذى، ويذوق العذاب من العدو وغيره صنوفاً وألواناً.
ألا يتحدون معاً ويتفقون، ويتخلون عن ذواتهم الحزبية، وفئوياتهم الضيقة، ومنافعهم الشخصية، ويكونون مع شعبهم أصدق ومنه أقرب، وبه أقوى، أم أن المثال ليس لهم، والدرس لا يعنيهم هم، فهم أقوى بفرقتهم، وأشد على العدو باختلافهم، وأكثر صبراً وأشد ثباتاً بمعاناة وتعذيب شعبهم، وتيئيس أهلهم، الذين هم في ظل قيادتهم التي لا تعي ولا تتعلم، أسوأ حالاً وأشد بؤساً وأكثر ألماً.
بيروت في 20/3/2015