قمّة الجزائر والتطبيع مع الكيان الصهيوني
هل تناست القمة العربية المحنة العراقية، والمحنة الفلسطينية، والمحنة السورية، والمحنة اللبنانية، والمحنة العربية بشكل عام، وراحت تبحث عما يدعم النظام الرسمي العربي، والذي لن يكتب له الخلود إلا بالتطبيع مع الكيان الصهيوني؛ لأنّ ذلك سيجلب الرضا الأمريكي، والذي هو ضروري لبقاء هذا النظام أو ذاك في عرشه وعرينه ما تريده هذه الإرادات.
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
على الرغم من التداعيات الخطيرة التي يعيشها الراهن العربي والإسلامي، ورغم مشهد الانكسارات والانفجارات السياسية في أكثر من جغرافيا عربية وإسلامية؛ إلاّ أنّ قمّة الجزائر تناست كل هذه الهموم المركزية، والقضايا الكبرى التي ستحوّل الممالك العربية مشرقاً ومغرباً إلى جغرافيا مدوّلة سياسياً وعسكرياً حسب الأجندة الأمريكية، وراحت تبحث عن مشروع التطبيع مع الكيّان الصهيوني، حيث أصبحت الورقة الأردنية حاضرة بقوة في كواليس القمة، والتي ناقشها وزراء خارجية الدول العربية في اجتماعاتهم الماراثونية، والعجيب أنّ الأردن طرح ورقة التطبيع الكامل مع الكيّان الصهيوني بعد زيارة قام بها الملك عبد الله إلى واشنطن، الأمر الذي جعل المراقبين يربطون بين هذه الورقة ومناخ اللقاء بين الملك عبد الله والرئيس الأمريكي جورج بوش.
وكان يفترض برؤساء الدبلوماسية العربيّة - الذين وبمجرّد قبولهم الورقة الأردنية والتزامهم بتدارسها أكدوا التزامهم بها - أن يلفظوها ويعلنوا رفضهم لها؛ لأنّ المرحلة العربية الراهنة ليست للتطبيع، بل لمعالجة التحديات الخطيرة المحدقة بالعالم العربي والإسلامي، والذي حدث أن وزراء الخارجية العرب تعاطوا مع الورقة الأردنية بشكل إيجابي، خصوصاً وأنّ البعض في العالم العربي يريد أن تكون المرحلة الراهنة مرحلة تطبيعية مع الكيان الصهيوني.
ثمّ أليس شارون سيزور قريباً تونس، وبالأمس القريب التقى الملك محمد السادس المغربي شمعون بيريز (نائب شارون)، والذي التقاه أيضاً عبدالعزيز بوتفليقة، أليست المغرب والكيان الصهيوني توافقا على إعادة العلاقات الدبلوماسية التي كانت مقطوعة في الظاهر إلى مستواها الأعلى لجهة التمثيل الدبلوماسي، أليست تونس على وشك التطبيع مع الكيان الصهيوني، أليست الجزائر تريد كغيرها الالتحاق بقوافل المطبعين، وقد بدأ التطبيع الجزائري - العبري بالمصافحة الشهيرة في الرباط بين (رئيس وزراء الحكومة الإسرائيلية السابق) يهودا باراك وعبد العزيز بوتفليقة على هامش جنازة الملك المغربي الحسن الثاني، أليست موريتانيا متحالفة استراتيجياً مع الكيان الصهيوني، وأليست ليبيا الإفريقية المتبرئة من عروبتها أعلنت أن لا مشكلة قائمة بين ليبيا الإفريقية وإسرائيل اليهودية، أليست نصف الدول الخليجية قد طبعّت فعلياً مع الكيان الصهيوني، أليس وزير خارجية الأردن زار تل أبيب، وكانت بسماته الدبلوماسية مع شارون تنمّ عن قدسية العلاقة الأردنية - الصهيونية، أليس شارون كان في شرم الشيخ أخيراً وسط حفاوة مصرية رسمية بالغة.
والمفارقة الأكبر أنّ كل الصفقات التطبيعية هذه مع الكيان الصهيوني تتمّ في أرض المليون والنصف مليون شهيد، وأن مشروع التطبيع يراد لهم أن يتكرّس عربياً في أرض عربية قدمت الغالي والنفيس من أجل حريتها واستقلالها، ويفترض بشهداء الجزائر أن يقوموا من قبورهم، ويطهروا أرضهم من الصفقات التطبيعية التي تحبك على أرض طهروها بدمائهم وأرواحهم، ثمّ كيف يقبل هؤلاء الشهداء وأبناؤهم أن تلوّث أرض المليون ونصف المليون شهيد بالمشاريع السياسية المشبوهة التي تملي على النظام الرسمي العربي من قبل واشنطن.
هل تناست القمة العربية المحنة العراقية، والمحنة الفلسطينية، والمحنة السورية، والمحنة اللبنانية، والمحنة العربية بشكل عام، وراحت تبحث عما يدعم النظام الرسمي العربي، والذي لن يكتب له الخلود إلا بالتطبيع مع الكيان الصهيوني؛ لأنّ ذلك سيجلب الرضا الأمريكي، والذي هو ضروري لبقاء هذا النظام أو ذاك في عرشه وعرينه ما تريده هذه الإرادات.
إن شهداء الجزائر سيلعنون كل شخص تسّول له نفسه القفز على مظلومية الشعوب وتطلعاتها، وسيلعنون كل شخص يرى أن أولوية الأولويات هي في استقبال شارون، والتطبيع مع الكيان الصهيوني، و إذا كان البعض في العالم العربي والإسلامي بدون ذاكرة؛ فإنّ شعوبنا لا يمكن أن تنسى ما فعلته أمريكا وإسرائيل بالعالم العربي والإسرائيلي، ولا يجب على الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي التقى شمعون بيريز قبل مدة وجيزة في مدريد بأسبانيا أن يقبل أن تتحول بلد المليون شهيد إلى بلد التأسيس للتطبيع الجماعي مع الكيان الصهيوني، وإذا استمر عرس التطبيع على ما هو عليه فإنّه من المؤكّد أن يكون شارون أو خلفه الرئيس المقبل للقمّة العربية العبرية المرتقبة.