المنصرون و"تكتيك" الخلاص بالنعمة
يُنزِل الإسلام كُلاًّ من الإيمان والعمل مكانتَهما، فالإسلام إيمانٌ وعمل، والإيمانُ يَزيد وينقُص، يَزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي، كما أنَّ إنكار الأعمال التعبديَّة، أو الاستهانة بعمل الجوارح هدْمٌ لأصل الإيمان؛ لأنَّ الإيمان في الإسلام يستلزم الاتِّباعَ والطاعة، والخضوعَ والانقياد، والعكس يعني العكس، ويتبع الإيمانُ القلْبي التألُّه لله، والقِيام بعبوديته امتثالاً لأمْره، واجتنابًا لنهْيِه، كما أنَّ جميعَ الأوصاف الجميلة داخلةٌ في مسمَّى الإيمان، كما يقتضي الإيمانُ النفيَ التام لجميع الأخلاق الرذيلة.
- التصنيفات: اليهودية والنصرانية -
يُنزِل الإسلام كُلاًّ من الإيمان والعمل مكانتَهما، فالإسلام إيمانٌ وعمل، والإيمانُ يَزيد وينقُص، يَزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي، كما أنَّ إنكار الأعمال التعبديَّة، أو الاستهانة بعمل الجوارح هدْمٌ لأصل الإيمان؛ لأنَّ الإيمان في الإسلام يستلزم الاتِّباعَ والطاعة، والخضوعَ والانقياد، والعكس يعني العكس، ويتبع الإيمانُ القلْبي التألُّه لله، والقِيام بعبوديته امتثالاً لأمْره، واجتنابًا لنهْيِه، كما أنَّ جميعَ الأوصاف الجميلة داخلةٌ في مسمَّى الإيمان، كما يقتضي الإيمانُ النفيَ التام لجميع الأخلاق الرذيلة.
قال - تعالى -: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 2 - 4].
وصَف الله المؤمنين حقًّا بالإيمان القلْبي، وأعمال الباطن، وأعمال الجوارح الظاهِرة؛ كما قال - تعالى -: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 1 - 11].
وإذا كانتْ أعمالنا لا تُدخِلنا الجنة إلاَّ بمشيئة الله ورحْمته، حسبَ ما ورد في النصوص الصحيحة، إلاَّ أنَّه لا يَعني هذا احتقارَ الأعمال، واعتبارَها عائقًا أمامَ رحمة الله، فضلاً على أنْ تكون الدعوةُ إلى ترْك الأعمال وازدرائِها سبيلاً وحيدًا للخلاص، كما يُبشِّر به المنصِّرون الإنجيليُّون البروتستنت في المنطقة الإسلاميَّة، وبحُكم اهتمامي ومتابعتي لظاهرةِ التنصير في العالَم الإسلامي، فقد لمستُ بشكل واضح لجوءَ المنصِّرين بشكل متزايد إلى هذا "التكتيك" التنصيري الخبيث.
يبدو - إذًا - أنَّ المنصِّرين يُطلقون آخِرَ رَصاصاتهم الفاشِلة على الإسلام هذه الأيَّام، بعدما باءتْ بالفشل الذَّريع كلُّ محاولاتهم الخائِبة لنَقْد الإسلام، وإيجاد أغلاطٍ أو أخطاء فيه، وها هُم اليوم يَجِدون - كما يزعمون - أكبرَ نقص فيه، وهو تلك التكاليف التي يفرِضها على أتباعه، فلا يسوغ للمسلِم - بزعمهم - أن يكون مسلمًا إلا إذا نفّذ قائمةً طويلة من الطقوس التعبديَّة، مما يجعل - بحسبهم - من الدِّين الإسلامي في حدِّ ذاته مجموعةً من الأوامر والنواهي، التي تُضيِّق على المسلمين حياتَهم، وتقيِّدهم بشتَّى القيود التي تحدُّ من حريَّتهم، هكذا يُصوِّر المنصِّرون عبادةَ الله والقربات إليه: (قيود، حد للحريَّة، كلفة، طقوس ثقيلة، تضييق... ).
وكبديلٍ عن ذلك يُقدِّمون للمسلمين النصرانيَّة، التي تخلو مِن كل تلك القيود والكُلف، والتي تطلق العِنانَ للمؤمن النصراني؛ ليفعل ما يشاء، ويعمل ما يُريد، بلا ضابطٍ يضبطه، أو أمرٍ يجبُره على شيءٍ لا يرغبه، أو نهي يرْدَعه عن شيءٍ يهواه، اللهمَّ إلا وجوب الإيمان بأنَّ الربَّ نزَل من عرشِه إلى الأرض، فتجسَّد وعاش بيْن الناس، وقُتِل على الصليب، ثم قام في اليوم الثالِث، هذا هو مِفتاح السماء، وسبيل الخَلاص الأبدي.
وقد أنصتُّ إلى بعض مواعظِهم الهزلية التي تستميتُ في تبشير بعضِ المغفَّلين من المسلمين، فكان مما زعَمه الوعَّاظ المنصِّرون أنَّ النصرانية لا تطالب معتنقَها بالصلاة والزكاة، والحج والصوم، وغيرها من العبادات التي تُثقل الكاهِل، وتَشْغل البال، وتَزيد من الأحمال.
إنَّ النصرانية إيمانٌ فحسبُ؛ أي: التصديق بأنَّ المسيح افتدَى البشرية جمعاء من الخطيئة بموْته على الصليب، وهذا الإيمانُ يكفي ليخلصَ كلَّ أحد دون أن يكلِّفه بركوع أو سجود، أو امتناع عن الطعام والشراب، أو إنفاق من المال، فهذه كلُّها طقوس لا تنفع الإنسانَ في خَلاصه، ما دام يؤمِن بالعمل البُطولي الذي أدَّاه المسيحُ عن الجميع.
فلِمَ العمل؟! ولمَ يُتعِب الناس أبدانهم؟! ولمَ يَشْقَون؟! وعمَّ يكدحون؟!
هي - إذًا - آخر ابتكاراتهم: الخَلاص بالنِّعمة، لا بالأعمال، ورُبَّ قائل يقول: إنَّ الأعمال وحْدَها لا تنفع صاحبَها بلا إيمان، وهو أمرٌ صحيح، لكن المنصِّرين - خصوصًا البروتستنت - يَسْلُكون سبيلاً خبيثًا في هذا الباب، فهم يحتقرون العملَ ويهينونه، بل يجعلونه عقبةً في طريق الإيمان، حتى إنَّ بعضهم - كما رأيتُه بعيني وسمعتُه بأُذني - يُبيح كلَّ المحرَّمات أمامَ أتباعه، طالما أنهم يؤمِنون بأنهم مولودون مِن جديد بإيمانِهم بدمِ المسيح المسفوح مِن أجْلهم.
ويقول آخَرُ: إنَّ الاتكال على الأعمال يُنقِص الإيمانَ بالخلاص بالنِّعمة، فالأعمال لا يجب أن تُزاحِم بحال من الأحوال الإيمانَ، وينتقد إنجيلي عربي المذاهبَ الأرثودُكسية في المنطقة العربية، بحُجَّة إكثارِها من الطقوس المختلِفة، ومطالبتها أتباعَها بشتَّى الأعمال، مُتَّهمًا إيَّاها بتفريغ الخَلاص على الصليب مِن محتواه ومعناه.
ويستدلُّ المنصِّرون على تخرُّصاتهم بأنَّ الإنجيل خالٍ من التكاليف التعبديَّة، وآياته لا تنصُّ على التشريعات التفصيلية في شتَّى مجالات الحياة، كما يفعل الإسلام، وإنَّما كانتْ دعوة المسيح - بزعمهم - توجيهاتٍ رُوحيَّة راقية، وآداب عامَّة تزكي النفوس وتهذِّبها، وترْقَى بأصحابها إلى درجة التوحُّد مع ذات الله، فيصير أتباعُ المسيح في سلامٍ مع الله والذات، بل والأعداء، ويُبكِّت الإنجيل بشدة المتعصبين اليهودَ الذين كانوا حريصين على تنفيذِ وصايا موسى بحذافيرها، مع ذلك لم يُخلِّصْهم اتِّباعهم للوصايا التوراتية مِن الدينونة؛ لأنَّهم لم يؤمنوا بالموت الكفاري للإلهِ المتجسِّد على الصليب.
وإنَّ المسلم يمكن أن يتفهَّمَ انتقادَ البروتستنت لطقوس الأرثودُكس والكاثوليك، أو العكس؛ لكونها بدعًا وخرافات، خرجتْ مِن غياهب التاريخ المظلِم للكنيسة، كما يُمكنه قَبولُ انتقادهم لليهود؛ لكون أعمالهم في أكثرِ أحوالها رياءً ونفاقًا، لكن أن يجتمع أولئك جميعًا لينتقدوا الإسلام بحُجَّة أنَّه دِينٌ مليءٌ بالتكاليف العمليَّة، والتشريعات التعبديَّة، التي تُثقل ظهرَ المسلمين- لهو مِن العُجاب!
ولِمَ يفعلون ذلك؟!
إنَّها دعايةٌ رخيصة لدِينهم المحرَّف، زعمًا أنه دينُ التخفيف والتيسير، ورفْع الحرَج، لعلَّهم يصطادون بعض الكُسالَى والخاملين، ويربحونهم إلى صفوفهم المتهالِكة، فلم يعدْ هذا الدين يروج بيْن السُّذج إلا بالخِداع، والوعود الكاذبة، وسرابِ الأمانيِّ، بعدما عافَه أصحابُه، وتخلَّى عنه أتباعُه، وفرَّ منه أحبابُه، حتى باتتِ الكنائس خاليةً من الرواد، والكاتدرائيات أشبهَ ما تكون بالمتاحِف التي يرتادها السُيَّاح؛ لأخْذ الصور التذكارية، اقرؤوا الصحفَ الغربية المحليَّة، لتجدوا عروضًا وعروضًا لبيْع الكنائس في المزاد العَلَني بأبخسِ الأثمان، بعدَما أُوصدت أبوابُها لسنين، تابعوا أخبارَ إغلاق الأديرة لقلَّة مَن يتَرهْبَنُ فيها، فقد ولَّى في الغرْب زمن الرهبانية التي ابتدعوها فما رَعَوْها حق رعايتها.
إنَّ الخلاص بالنِّعمة هروبٌ من الواجِب، وتكاسُلٌ عن الطاعة، واستنكاف عن العبادة، بحُجَّة الاكتفاء بالإيمان القلْبي، إنها دعوةٌ خبيثة، أعماها خبثُها عن قراءة نصوص كتابِهم المقدَّس، الذي يحثُّهم على العمل، ويأمرهم بالعبادة، ويحضُّهم على حفْظ الوصايا والشريعة، كما أعْماهم خُبثُ تنصير المسلمين عن الاقتداء بنبيِّهم عيسى المسيح، وقد ذكَر كتابهم المزيف أنَّه اختتن وصلَّى وصام وتصدَّق، وأدَّى العبادات، وأمَر بحفْظ وصايا التوراة، ونهى عن الأعمال الرديَّة.
لكن خلَف من بعده مُزوِّرون ألْغوا العباداتِ التي أمَر بها، واستبدلوا بدعًا - لا تهدي ضالاًّ، ولا تزكِّي رُوحًا - بها، من قبيل الصلوات الغامِضة، والأذكار المبهَمة، والعِظات المملَّة، والطقوس الوثنية المضلَّة: كالتغطيس في الماء، والدهن بالزَّيْت، والسجود للصليب، وأكْل الرب في الرغيف، وشرْب دمه في كؤوس الخمْر، وسطَ "كوكتيل" من البخُور والترانيم والأيقونات.
أضحتْ تلك البِدعُ عائقًا أمام عموم النصارَى، تُرْهِقهم وتُتعبهم وتُملهم، ممَّا حدَا بأكثرهم لترْكها، وهجر الكنيسة التي ارتبطتْ بها، ولم تجِدِ البروتستنتية حيلةً لاسترجاع الهاربين من بِدع الكنيسة، إلا بأنِ ادعت أنَّها لا تؤمِن بالأعمال، بما فيها تلك البِدع، ووعدتْهم بخلاص وهميٍّ، هو الخلاص بالنعمة، فعاد نزْر قليل من بعضِ الهاربين إلى الكنيسة، واكتَفوا بالتصْدِيق القلْبي بأنَّ دم الإله المسفوح على الصليب كفيلٌ وحدَه بأن يغسل خطاياهم، واليوم أصبحتِ الكنيسة البروتستنتية أبعدَ ما تكون عن دار للعبادة والعمل الأُخروي، وأقرب ما تكون إلى قاعةٍ يلْتقي فيها الأحبَّةُ والأصحاب؛ لتبادل الحديث، والاجتماع لتمضية وقتٍ ممتِع، ولا بأس - أحيانًا - بموعظة خفيفة تتخلَّلها أغانٍ وموسيقا، ورقص بريء بيْن الجنسين!.
وهاك أخي القارئ، مِن كتابهم المقدَّس، بعضَ ما يُخفيه المنصِّرون الإنجيليُّون عن أهمية الأعمال في الخلاص.
جاء في إنجيل "متى" (5: 17 - 20): "لا تظنُّوا أني جئتُ لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئتُ لأنقض بل لأكمل، فإني الحقُّ أقول لكم: إلى أن تزولَ السماء والأرض لا يزول حرفٌ واحد أو نقطة واحدة من الناموس، حتى يكون الكل، فمَن نقض إحْدى هذه الوصايا الصُّغرى، وعلم الناس هكذا، يُدعَى أصغر في ملكوت السماوات، وأمَّا مَن عمل وعلم، فهذا يُدعَى عظيمًا في ملكوت السماوات، فإني أقول لكم: إنَّكم إن لم يزدْ بِرُّكم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوتَ السماوات".
فهذه هي الوصايا يُطبِّقها المسيح، ويُعلن أنه لم يأتِ لإلغائها، وجعل مَن ينقض إحداها قزمًا في ملكوت السماوات، فما بالُك بالمنصِّرين اليوم، الذين نقضُوا كلَّ تلك الوصايا؟!
فمن نُصدِّق: المسيح، أم المنصِّرين؟
وفي النصِّ التالي تصريحٌ بأنَّ دخول الملكوت إنما يكون بحفْظ الوصايا، والعمل بها، وليس بأكذوبة النِّعمة، فضلاً عن الإيمان بخُرافات الخطيئة الأصلية، والكفَّارة، وتجسد الإلهِ والتثليث والصَّلْب والقيامة، التي ابتكرَها المحرِّفون المحترِفون.
جاء في "إنجيل متى" (9: 16 - 19): "وإذا واحدٌ تقدم، وقال له: "أيُّها المعلِّم الصالح، أيَّ صلاح أعمل؛ لتكونَ لي الحياةُ الأبدية؟ "، فقال له: "لماذا تدعوني صالحًا؟ ليس أحدٌ صالحًا، إلا واحد، وهو الله، ولكن إنْ أردت أن تدخل الحياة، فاحفظِ الوصايا"، قال له: "أَيَّة الوصايا؟ فقال يسوع: "لا تقتل، لا تزن، لا تسرق، لا تشهد بالزور، أكرِمْ أباك وأمَّك، وأحبَّ قريبك كنفسك".
كما أنَّ النصوص التي وردتْ في "سِفر يعقوب" تعصف بفِكرة الخلاص بالنعمة، وتجعلها قاعًا صفصفًا، ويعقوب الذي سُمِّي باسمه السِّفر، هو أحد تلاميذ المسيح، الذي يزعمون أنه يكتبُ وحيًا إلهيًّا، فماذا يقول عن النِّعمة، وعن الأعمال؟
جاء في "سفر يعقوب" (1: 23): "لأنه إنْ كان أحد سامعًا للكلمة وليس عاملاً، فذاك يشبه رجلاً ناظرًا وجهَ خِلقته في مرآة، فإنَّه نظَر ذاته ومضى، وللوقِت نسي ما هو".
وفيه (1: 27): "الدِّيانة الطاهرة النقية عند الله الأب هي هذه: افتقادُ اليتامى والأرامل في ضِيقتهم، وحفْظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالَم".
وفيه (4: 17): "فمن يعرف أن يعمل حسنًا ولا يعمل، فذلك خطية له".
وفيه (2: 10): "لأنَّ مَن حفِظ كل الناموس، وإنما عثر في واحِدة، فقد صار مجرِمًا في الكل".
وفيه (2: 14 - 26): "ما المنفعة يا إخوتي، إن قال أحد: إنَّ له إيمانًا، ولكن ليس له أعمال، هل يقدر الإيمانُ أن يخلصَه؟ إن كان أخًا وأختًا عريانين ومعتازين للقُوت اليومي، فقال لهما أحدُكم: "امضيَا بسلام، استدفئَا واشبعَا"، ولكن لم تعطوهما حاجاتِ الجسد، فما المنفعة؟، هكذا الإيمان أيضًا، إن لم يكن له أعمال، ميِّت في ذاته، لكن يقول قائل: "أنت لك إيمان، وأنا لي أعمال"، أرنِي إيمانك بدون أعمالك، وأنا أُريك بأعمالي إيماني، أنتَ تؤمِن أنَّ الله واحد، حسنًا تفعل، والشياطين يؤمنون ويقشعرُّون؛ ولكن هل تريد أن تعلمَ أيها الإنسان الباطل، أنَّ الإيمان بدون أعمال ميِّت؟
ألم يتبرَّر إبراهيمُ أبونا بالأعمال؛ إذ قدَّم إسحاق ابنه على المذبح؟ فترى أنَّ الإيمان عمل مع أعماله، وبالأعمال أكْمل الإيمان، وتمَّ الكتاب القائل: "فآمن إبراهيم بالله فحسب له برًّا"، ودُعي خليلَ الله، ترون إذًا أنه بالأعمال يتبرَّر الإنسان، لا بالإيمان وحده، كذلك راحاب الزانية أيضًا، أما تبرَّرت بالأعمال، إذ قبلتِ الرسل، وأخرجتهم في طريق آخر؟ لأنَّه كما أنَّ الجسد بدون رُوح ميت، هكذا الإيمان أيضًا بدون أعمال ميِّت".
إنَّ سِفر يعقوب بصراحته لا يترُك لنا مجالاً البتة لنُعمِل عقولنا اجتهادًا في فهْم كلماته، إنَّها كلماتٌ تعصِف بالتنصير الإنجيلي؛ لأنَّها تخسف بأكذوبة الخَلاص بالنعمة، كما أنه سِفر يقوض "تكتيك" المنصِّرين في نقْد الإسلام.
لكن هل يزعج هذا السِّفر البروتستنتية؟ هل يُرْبِك خطط المنصرين؟
لا، البتة؛ لأنَّنا مع أناس فقَدوا كل حياء، ومما أدرك الناسُ مِن كلام النبوَّة قولهم: ((إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت))، فمع أنَّ رسالة يعقوب هي أحدُ أجزاء العهْد الجديد، ويعدُّها البروتستنت رسالةً إنجيلية موحًى بها من الله، إلا أنَّ زعيم البروتستنتية ومُنشئُها مارتن لوثر يُنكرها، ويقول عنها: "إنها رسالة تافِهة، وقليلة القِيمة"، وعبَّر عن ذلك بأنْ وصَفَها "برسالة من قش" an epistle of straw.
إنَّنا - إذًا - أمام قش.
إنجيل مِن قش، وكنيسة من قش، ودِين من قش، وتنصير من قش.
ومهما طال عُمر القش، فإلى زوال، وسيبقَى الإسلام؛ لأنَّه هو الذي نفَع وينفع، وسينفع الناس، وصَدق الله: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد: 17].
يزيد حمزاوي