رسالة إلى خادم الحرمين
حسن الخليفة عثمان
يا جلالة الملك؛ إن أي رؤية يُراد لها النجاح والدوام في مصـر لا بد وأن تقوم على رفع الظلم عن المظلوم مهما هان، ودفع الظالم والأخذ على يديه مهما عزّ، وإقامة العدل والحق بين الناس، وإعلاء قيمة الإنسان وحقه في الحياة والحرية والاختيار، وعدم الإستقواء بالأعداء، ونشر قيم التغافر والتسامح والعفو عند المقدرة وليس بدونها.
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
رسالة إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.
لقد كان من قدر الله على كاتب هذه السطور الذي لا ينتمي لأي جماعة أو تنظيم أو حزب، أن يكون من أولئك الذين تصنّفهم وزارتا الصحة و التضامن الاجتماعي المصرية من المعاقين ذوي العجز الكلي المستحقين لمعاش من لا قدرة له على كسب عيشه، و إنني أتوجه اليوم بكلماتي هذه إلى خادم الحرمين الشريفين بصفة انتمائي إلى هذا الفصيل وذاك الفئام من ضَعَفَةِ المسلمين وليس بصفة الكاتب الذي تُنشر وقد تُقرأ مقالاته.
وقد جاء في صحيح البخاري في باب (من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب) عن مصعب بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « »، وجاء في سنن النسائي ما صححه الألباني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » .
و إلى نص الرسالة:
إلى خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك (سلمان بن عبد العزيز) حفظه الله من كل مكروه وسوء.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله عز وجل القائل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا} [مريم:96]، جاء في تفسير (القرطبي): أي حبًا في قلوب عباده، كما رواه (الترمذي) من حديث سعد وأبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « »، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا}.
وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي جعل آية خيرية الأئمة هي حب رعيتهم والدعاء لهم كما جاء في صحيح (مسلم) عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه و سلم: «
».ولما كان من فيض فضل الله وإنعامه عليكم يا جلالة الملك أن ألقى في قلوب الصالحين من الخلائق والرعية حبكم والدعاء لكم، فقد كان من دواعي سرورنا أن نحرص على شرف التذكير والنصح والاقتراح بين يدي جلالتكم.
يا جلالة الملك؛ إنك تخوض اليوم معركة بعد يـقـينك وثـقـتـك في الله بنـسـور السـماء وفرسـان الميـاديـن العاشـقيـن للشـهـادة الحـق أكثر مما يعشـق أعداءهـم الحياة، وآخرين من دونهـم تحتـرق قلوبهـم غيـرةً، ويعتصـرهـم الألـم فـوق كراسـيهم المتحـركـة، وفُـرُشِـهم التي قـدّر الله عليهم ملازمتـها، تفيـض أعيـنـهـم من الدمـع حـزنًا ألا يكـونوا سـهامًا من سـهامـك في سـاحة النـزال وميـدان الوغـي، فكانـوا لك سـهام الليـل التي تصـعد إلى السـماء في نحـور أعداءك، تـبـتـهـل إلى الذي رضـيـتْ بقـضـاءه وقـدره أن يـحرسـك بـعـيـنه التـي لا تـنـام، ويأويك إلى ركـنه الذي لا يُضـام، وأن يحفظ ولايتك، ويرفع رايتك، ويبـلّغـك مـن الحـق غـايـتـك.
* القمة العربية:
لقـد جاءت القـمة العربـيـة الأخيـرة يا جـلالـة المـلك لتـضـع النـقـاط على الحـروف في كثـيـر من القـضـايا والأمـور، وتـكـشـف بـجـلاء للشـعوب العـربـيـة والإسـلامية أين يقـف حـكـام الدول العـربـيـة وأنظمـتها، سـواء أكان هـؤلاء الرؤسـاء توسّـدوا الحـكم بطـرق شرعية أم غـيـر شـرعـيـة، ولقـد تـبـيـن من خـلال هـذه القـمـة بالحـقـائـق والدقـائـق أيـن تـقـف المـملـكـة العـربـيـة السـعـوديـة اليـوم بـقـيـادتـكم مـن قـضـايـا وآلام وآمـال الأمـة العـربـيـة والإسـلامـيـة.
فبـعـد عزمـكـم وحـزمـكـم في قـراركـم (عـاصـفـة الحـزم) جـاءت كـلـمـات الفـارس، مـهنـدس السـيـاسـة، سـلـيـل الكـبـار، سـمـو الأمـيـر (سـعـود الفـيـصـل) -متعه الله بالعافية- لـتـحـفـظ لأحـرار العـرب والـمـسـلـمـيـن كـرامـتـهـم وشـرفـهـم، وتُـوقـف مُـسـِيء الأدب عـنـد حـدودهـم، وذلك في تـعـقـيـبـه ورده على رسـالـة الـراعـي الأول لإبـادة الـشـعـب الســوري، الرئـيـس الروسـي (فـلاديـمـيـر بـوتـيـن) حيـن أرسـل (تـوجـيـهـاتـه) التـي اسـتـقـبـلها بالتـصـفـيـق الـحـار التـوّاقـون شـوقـًا إلـيـها، وبـحـفـاوة كـلـنـا يـعـرف مـعـنـاهـا ومـغـزاهـا.
أما الكبار فقد كان لهم منها شأن آخر، هـاجـت بـه الذكـرى، وطـوى الـزمـان عـقـودًا، وأعـاد إلـى الأذهـان صـفحـة مـن صـفـحـات خالـد الـذكـر ورفـيـع الـفـكـر الـمـلك (فـيـصـل بـن عـبـدالـعـزيـز) عـليـه مـن الله سـحـائـب الـرحـمـة.
* الثوابت:
يطيب لي يا خادم الحرمين أن أتوجه إلى جلالتكم بالتذكرة بما هو ثابت ومستقر في وجداننا وعقولنا مما نجدد لكم العهد عليه.
أولًا: إن أمـن الـحـرمـيـن الـشـريـفـيـن وتـراب المملـكـة الـعـربـيـة الـسـعـوديـة، مَـهـبِـط الـوحـي وقِـبـلـة الـمـسـلـمـيـن ليست مـسـألـة سـياسـيـة مرتبطة بـعـدل حـكـامـهـا أو جـورهـم وإنـمـا هو ثابت من ثوابت الأمة التي اجتمعت عليها.
ثانيًا: إن القدس الشريف، وفلسطين، والأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني، ورفع الحصار كاملًا عن غـزة دون قـيـد أو شـرط قضية كل مسلم -حاكمًا كان أو محكومًا- وأن واجبه نحوها موقوف على قدرته واستطاعته.
ثالثًا: ضرورة إنهاء معاناة ومأسأة الشعب السوري والتخلص من آلة القمع والإبادة الممثلة في حكم الطاغية، واحترام حق الشعب السوري وإرادته في اختيار من يحكمه ويمثله، وفي بناء دولته الموحّدة المستقرة، التي تقوم على الحرية والعدل والحق والمساواة دون طائفية ولا إقصاء ولا تهميش لأحد.
رابعًا: نحن أمة تستضيء حضارتها بكتاب يحرّم عليها الغدر والخيانة والظلم والاعتداء، وتهتدي بهدي نبي يأمرها بالصدق والأمانة والوفاء والشرف ومن فعل نقيض ذلك كان منافقًا، كما أن أي أعمال أو سلوكيات تهدد سلامة الأمة وأمنها واستقرارها هي مرفوضة ومدانة أيًا كانت الدوافع والبواعث عليها، وعلى رأس هذه المخاطر الجسام هي ظاهرة الغلو والتكفير بغير حق، وما ينجم عن ذلك من آثار عظام، كما أن الحوار بوجه عام مع الآخر، والحوار السني الشيعي بوجه خاص، يبقى ثابتًا من ثوابت الأمة الاستراتيجية، وخيارًا فاضلًا مهما حدث من نزاعات وحروب واقتتال.
هذا ما نعتقده ونتوجه به إلى جلالتكم ومن خلالكم إلى بني أمتنا وقومنا، فمن جاء معنا منهم فقد حلّ أهلًا ونزل سهلًا، ومن أبى إلا أن يشذ ليشتهر، ويُخالف ليُعرف، وسلك سبيل القاصية ،فلا يلومنّ إلا نفسه حين يأكله الذئب جزاءً وفاقاً لمن خالف قول المعصوم صلى الله عليه وسلم:" فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية "، ونسأل الله أن نكون في ذلك ممن وافق الحق وأدركه.
*رؤية واقتراح:
يا جلالة الملك؛ ما أحوج أهل الســنّة اليوم إلى ما أفاض الله به عليكم من اجتماع القلوب حولكم، وانتظام الصفوف خلفكم، ولذا فإنني أتشرف بأن أقدم لجلالتكم اقتراحًا للنهوض بأحوال أهل السـنّة بما يعود علينا وعلى الإنسانية جمعاء بالخير والرخاء، ورؤية للخروج من الأزمة في مصر وآمل النظر في ذلك وإدراجه ضمن ما يقدمه الناصحون المخلصون لجلالتكم.
أما الاقتراح فهو متمثل في فكرة أشبه ما تكون بالكومنولث السني المصغر.
* وخلاصة الاقتراح وموجزه:
1/ قيادة، ورؤية، ومشروع، وعُملة.
2/ قيادة تجتمع عليها ومن خلفها النفوس.
3/ رؤية أساسها الإنسان، و قوامها الإجماع، وميزتها الإمكانية.
4/ ومشروع متمثل في كومنولث سني مصغر يحقق الرخاء الاقتصادي، ويتبوأ مكانة مناسبة في العالم، ويعود بالنفع على الإنسانية جمعاء.
5/ وعُملة موحّدة هي الليرة التي تحمل شعار الكعبة المشرفة والقدس الشريف وتتساوى في قيمتها مع اليورو والدولار إن لم تتفوق عنها، وتكون هي العملة الرسمية لذلك الكومنولث.
يقرّ المشروع بما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بما يحفظ خصوصية الدول والشعوب واحترام هويتها، وذلك مع إعادة النظر في منظومة العدالة الدولية والنظام الحاكم للعالم، والتأسيس لمنطق جديد في التعامل بما يمنع الازدواجية في المعايير، ويحقق الحرية والعدالة الناجزة لكافة الشعوب والدول، ولن يكون ذلك إلا بوجود مقعد دائم في مجلس الأمن لدول ذلك الكومنولث له حق الفيتو، وإلا فالانسحاب من منظومة الظلم الدولية والإرهاب الدولي هو السبيل الأمثل مهما كانت التبعات والآثار، فلن تكون أسوأ مما يُرتكب من جرائم وإهدار لحقوق الإنسان وإبادة للشعوب وصناعة للإرهاب والتطرف والغلو.
كما لا يُسمح على الإطلاق وتحت أي مسمى أو ذريعة بوجود جماعات أو تنظيمات دينية في دول ذلك الكومنولث أيًا كانت دعواها، إلا من خلال قانون المجتمع المدني في مجال العمل المدني ومؤسساته، والذي يقوم على الحرية والمؤسسية والشفافية التامة والمراقبة الكاملة، مع عدم الخلط بين العمل الإجتماعي والسياسي.
* التطبيق العملي لذلك:
نرى أن خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك (سلمان بن عبد العزيز) والمملكة العربية السعودية، وفخامة الرئيس (الطيب أردوغان) وجمهورية تركيا، وسمو الأمير (تميم بن حمد) ودولة قطر، وفخامة الرئيس (عمر البشير) وجمهورية السودان، وخلفهم الشعب السعودي التركي القطري السوداني هم المؤهلون لقيام وإنفاذ هذا المشروع إذا قرر القادة ذلك.
ومن شاء من الشعوب والأفراد السنية الانضمام طوعًا واختيارًا فله ذلك، وكلي ثقة ويقين في الله ثم في هؤلاء الحكام الأخيار وتلك الشعوب التي لا زالت محافظة على فطرتها النقية، ولم يصبها ما أصاب الكثير من غيرها من الأثرة وأركان النفاق، أن يقدموا للعالم الإسلامي بوجه خاص وللعالم بوجه عام نموذجًا لرسالة الإسلام -عقيدةً وشريعةً- التي تُعلي من قيمة الإنسان وحقه في الحياة ما لم يأت ناقضًا لذلك، وتكفل له الحرية التي منحها له خالقه، وتبوّأ أمتها المكانة التي تليق بخير أمة أُخرجت للناس.
ويا حبذا لو التحق بالركب لاحقًا جلالة الملك المغربي (محمد السادس) والشعب المغربي وماليزيا وباكستان وشعب الكويت الشقيق.
* الوضع والخروج من الأزمة في مصر:
يا جلالة الملك؛ إن أي رؤية يُراد لها النجاح والدوام في مصـر لا بد وأن تقوم على رفع الظلم عن المظلوم مهما هان، ودفع الظالم والأخذ على يديه مهما عزّ، وإقامة العدل والحق بين الناس، وإعلاء قيمة الإنسان وحقه في الحياة والحرية والاختيار، وعدم الإستقواء بالأعداء، ونشر قيم التغافر والتسامح والعفو عند المقدرة وليس بدونها.
ولذلك ففي تقديرنا أن الوضع في مصر والخروج من الأزمة قد يستغرق ثلاث مراحل:
- المرحلة الأولى:
العدالة الناجزة للجميع وعلى الجميع بعد إيجاد الآلية التي توفر ذلك.
- المرحلة الثانية:
معالجة الإنهيارات والأزمات والتي قد تتسع بشكل واسع بين النظام القائم الحاكم المتمثل في الجنرال (عبد الفتاح السيسي) والنظام السابق المتمثل في حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين، ما لم يكن هناك أمور خلف الكواليس لا نعرفها، وهذا وارد بالطبع وبنسبة لا أعرف قدرها، بما قد يلغي هذه المرحلة ولا يحدث إنهيارات أو أزمات غير تقليدية ناجمة عن الوضع الاقتصادي المتردي.
- المرحلة الثالثة:
العفو المجتمعي الشامل والمصالحة وإقامة دولة المؤسسات والحرية والعدل والمساواة.
ورؤيتنا لذلك أن يتم طرح الدساتير الثلاث التي تم الاستفتاء عليها سابقًا في جمهورية مصر العربية للاستفتاء عليها مرة أخرى، وعلى غلاف كل دستور صورة الرئيس الممثل لهذا الدستور، بما يعني الاستفتاء على الدستور والحزب أو الرئيس الحاكم معًا، فيتم طرح دستور 1971 طبقًا لآخر تعديل وعليه صورة الرئيس المخلوع (حسني مبارك)، ودستور 2012 وعليه صورة الرئيس المنتخب الدكتور(محمد مرسي)، ودستور 2014 وعليه صورة الرئيس المنقلب الجنرال (عبد الفتاح السيسي)، وليقرر الشعب في ضوء تجربته للنظم الثلاث والدساتير الثلاث ماذا يختار لنفسه، بشرط أن تتوفر الآلية النزيهة للاستفتاء برعايتكم، بحيث لا تشرف على الاستفتاء وزارة الداخلية أو الجامعة العربية، حتى لو تطلب الأمر التصويت العلني الإلكتروني المباشر تحت إشراف هيئة دولية نزيهة ومختصة، وفور ظهور النتيجة يتم إجراء الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية وفق الدستور المستفتى عليه وقانونه وإدارة الرئيس الذي يُمنع من الترشح -طبقًا لهذه الرؤية- في هذه الانتخابات.
هذا تصورنا المجمل ورؤيتنا للخروج من الأزمة في مصر إذ لا يتسع المقام للتفصيل.
حفظ الله جلالتكم عزًا وذخرًا للإسلام، والمسلمين وللإنسانية جميعًا.
كاتب مصري مقيم بتركيا.
الثلاثاء؛ الحادي عشر من جمادى الآخر لعام ألف وأربعمائة وستة وثلاثين (1436) هجرية، الموافق للحادي والثلاثين من مارس/أذار لعام ألفين وخمسة عشر (2015) ميلادية.