الخداع المفخخ
أبو الهيثم محمد درويش
يظن أنه أذكى الناس! ويعتقد أن بإمكانه امتلاك الدنيا وما فيها من عباد وبلاد.. يبطن النفاق ويظهر النبل والإيمان، وهو أدرى الناس بأنه أعدى أعداء الإسلام وأهله.. يدعي الفضيلة وهو أبعد الناس عنها، يظهر الطهر والدنس يلف أركانه، يظن أنه خدع الجميع حتى الله..!
- التصنيفات: القرآن وعلومه -
يظن أنه أذكى الناس! ويعتقد أن بإمكانه امتلاك الدنيا وما فيها من عباد وبلاد..
يبطن النفاق ويظهر النبل والإيمان، وهو أدرى الناس بأنه أعدى أعداء الإسلام وأهله..
يدعي الفضيلة وهو أبعد الناس عنها، يظهر الطهر والدنس يلف أركانه، يظن أنه خدع الجميع حتى الله..!
هنا ينطق في حربه الشرسة ضد كل رمز لطهر وإيمان مخادعاً مختالاً متحدثاً بلسان الناصح الأمين المشفق، وحقيقته الهدم والكراهية، لا يدري المسكين أنه ما خدع إلا نفسه، فالله لا تخفى عليه خافية، وقلوب المؤمنين الصادقين تستشعر بنور البصر والبصيرة حال المخادع..
قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ . يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:8-9].
قال ابن كثير في تفسيره:
النفاق: هو إظهار الخير وإسرار الشر، وهو أنواع: (اعتقادي) وهو الذي يخلد صاحبه في النار..
و(عملي) وهو من أكبر الذنوب، كما سيأتي تفصيله في موضعه إن شاء الله تعالى..
وهذا كما قال ابن جريج: المنافق يخالف قَوْلُه فِعْلَهُ، وسِرّه علانيته، ومدخله مخرجه، ومشهده مَغِيبه.
ثم قال في موضع آخر: ولهذا نبَّه الله سبحانه على صفات المنافقين لئلا يغترّ بظاهر أمرهم المؤمنون، فيقع بذلك فساد عريض من عدم الاحتراز منهم، ومن اعتقاد إيمانهم، وهم كفار في نفس الأمر، وهذا من المحذورات الكبار، أن يظن بأهل الفجور خَيْر، فقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}، أي: يقولون ذلك قولاً ليس وراءه شيء آخر، كما قال تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون من الآية:1]، أي: إنما يقولون ذلك إذا جاؤوك فقط، لا في نفس الأمر..
ولهذا يؤكدون في الشهادة بإن ولام التأكيد في خبرها، كما أكَّدوا قولهم: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ} وليس الأمر كذلك، كما أكْذبهم الله في شهادتهم، وفي خبرهم هذا بالنسبة إلى اعتقادهم، بقوله: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون من الآية:1]، وبقوله: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}.
وقوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا} أي: بإظهارهم ما أظهروه من الإيمان مع إسرارهم الكفر، يعتقدون بجهلهم أنهم يخدعون الله بذلك، وأن ذلك نافعهم عنده، وأنه يروج عليه كما يروج على بعض المؤمنين، كما قال تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [المجادلة:18]؛ ولهذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله: {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}، يقول: وما يَغُرُّون بصنيعهم هذا ولا يخدعون إلا أنفسهم، وما يشعرون بذلك من أنفسهم، كما قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء من الآية:142].