دور الملائكة تجاه المؤمنين وواجب المؤمنين تجاه الملائكة
الأعمال الصالحة - كما ترى - تقرب الملائكة منا، وتقربنا منهم، ولو استمر العباد في حالة عالية من السمو الروحي، لوصلوا إلى درجة مشاهدة الملائكة ومصافحتهم كما في الحديث الذي يرويه مسلم، عن حنظلة الأسيدي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم».
- التصنيفات: أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة -
الفصل الأول: دور الملائكة تجاه المؤمنين
- محبتهم للمؤمنين:
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أحب الله عبداً نادى جبريل: إن الله يحب فلاناً فأحببه، فيحبه جبريل. فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحبّ فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثمّ يوضع له القبول في الأرض».
- تسديد المؤمن:
روى البخاري في صحيحه عن حسّان بن ثابت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له، فقال: «اللهمّ أيده بروح القدس».
وفي الصحيح أيضًا عن أبي هريرة قال: قال سليمان عليه السلام: "لأطوفنّ الليلة بمائة امرأة، تلد كل امرأة غلاما يقاتل في سبيل الله". فقال له الملك: "قل: إن شاء الله"، فلم يقل، ونسي، فأطاف بهنّ، ولم تلد إلا امرأة منهنّ نصف إنسان.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان أرجى لحاجته».
فالملك سدد نبي الله سليمان وأرشده إلى الأصوب والأكمل.
- صلاتهم على المؤمنين:
أخبرنا الله أن الملائكة تصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56]. وهم يصلون على المؤمنين أيضًا: {هُوَالَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43].
والصلاة من الله تعالى ثناؤه على العبد عند ملائكته، (حكاه البخاري عن أبي العالية).
وأمّا الصلاة من الملائكة فبمعنى الدعاء للناس، والاستغفار لهم، وهذا ما سنوضحه فيما يأتي:
نماذج من الأعمال التي تصلي الملائكة على صاحبها:
أ- معلّم الناس الخير:
روى الترمذي في سننه عن أبي أمامة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت، ليصلون على معلم الناس الخير».
ب- الذين ينتظرون صلاة الجماعة:
في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مجلسه، تقول: اللهمّ اغفر له، اللهم ارحمه. ما لم يُحدث».
ج- الذين يصلون في الصف الأول:
في سنن أبي داود عن البراء بن عازب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأول».
وفي سنن النسائي: «على الصفوف المتقدمة».
وفي سنن ابن ماجة من حديث البراء، وحديث عبد الرحمن بن عوف: «إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول».
د- الذين يسدّون الفرج بين الصفوف:
في سنن ابن ماجة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف، ومن سدّ فرجة رفعه الله بها درجة».
هـ- الذين يتسحرون:
في صحيح ابن حبان ومعجم الطبراني الأوسط بإسناد حسن، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى وملائكته يصلون على المتسحرين».
و- الذين يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم:
روى أحمد في مسنده، والضياء في المختارة عن عامر بن ربيعة بإسناد حسن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عبد يصلي عليّ إلا صلت عليه الملائكة، ما دام يصلي عليّ، فليقلّ العبد من ذلك أو ليكثر».
ز- الذين يعودون المرضى:
روى أبو داود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من رجل يعود مريضًا ممسيًا، إلا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يصبح، وكان له خريف في الجنّة، ومن أتاه مصبحًا خرج معه سبعون ألف ملك، يستغفرون له حتى يمسي، وكان له خريف في الجنة».
هل لصلاة الملائكة علينا أثر:
يقول تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [الأحزاب: 43].
تفيد الآية أن ذكر الله لنا في الملأ الأعلى، ودعاء الملائكة للمؤمنين واستغفارهم لهم، له تأثير في هدايتنا وتخليصنا من ظلمات الكفر، والشرك، والذنوب، والمعاصي إلى النور الذي يعني وضوح المنهج والسبيل، بالتعرف على طريق الحق الذي هو الإسلام، وتعريفنا بمراد الله منا، وإعطائنا النور الذي يدلنا على الحق: في الأفعال، والأقوال، والأشخاص.
- التأمين على دعاء المؤمنين:
الملائكة يؤمنِّون على دعاء المؤمن: وبذلك يكون الدعاء أقرب إلى الإجابة، ففي صحيح مسلم وسنن ابن ماجة عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك، كلما دعا له بخير قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل».
ولما كان الدعاء المؤمّن عليه حريَّا بالإجابة، فإنه لا ينبغي للمؤمن أن يدعو على نفسه بشر، ففي صحيح مسلم عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون».
- استغفارهم للمؤمنين:
أخبرنا الله أن الملائكة يستغفرون لمن في الأرض: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الشورى: 5].
وأخبر في آية سورة غافر أن حملة العرش والملائكة الذين حول العرش ينزهون ربهم، ويخضعون له، ويخصون المؤمنين التائبين بالاستغفار، ويدعونه بأن ينجيهم من النار، ويدخلهم الجنة، ويحفظهم من فعل الذنوب والمعاصي: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر: 7-9].
- شهودهم مجالس العلم، وحلق الذكر، وحفهم أهلها بأجنحتهم:
في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لله ملائكة يطوفون في الطرق، يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم». قال: «فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا».
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده».
وفي سنن الترمذي عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع» (أي: تتواضع له).
فالأعمال الصالحة - كما ترى - تقرب الملائكة منا، وتقربنا منهم، ولو استمر العباد في حالة عالية من السمو الروحي، لوصلوا إلى درجة مشاهدة الملائكة ومصافحتهم كما في الحديث الذي يرويه مسلم، عن حنظلة الأسيدي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم».
وفي رواية الترمذي عن حنظلة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أنكم تكونون كما تكونون عندي لأظلتكم الملائكة بأجنحتها».
- تسجيل الملائكة الذين يحضرون الجمعة:
وهؤلاء الملائكة يسجلون بعض أعمال العباد، فيسجلون الذين يؤمون الجُمَع الأول فالأول. فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول، فإذا خرج الإمام طووا صحفهم، وجلسوا يستمعون الذكر» (متفق عليه).
ويسجلون ما يصدر عن العباد من أقوال طيبة، ففي صحيح البخاري وغيره عن رفاعة بن رافع الزرقي قال: كنا يوماً نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة، قال: سمع الله لمن حمده، قال رجل وراءَه: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه. فلما انصرف، قال: «من المتكلم؟» قال: أنا. قال: «لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول». فهؤلاء الكتبة من الملائكة غير الملكين اللذين يسجلان صالح أعماله وطالحها بالتأكيد؛ لكونهم بضعة وثلاثين ملكاً.
- تعاقب الملائكة فينا:
وهؤلاء الملائكة الذين يطوفون في الطرق يلتمسون الذكر، ويشهدون الجمع والجماعات يتعاقبون فينا، فطائفة تأتي، وطائفة تذهب، وهم يجتمعون في صلاة الصبح، وصلاة العصر، ففي صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربهم، وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون» .
ولعل هؤلاء هم الذين يرفعون أعمال العباد إلى ربهم، ففي صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات، فقال: «إنّ الله عزّ وجلّ لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يُرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل...» الحديث.
وقد عظّم الله شأن صلاة الفجر؛ لأن الملائكة تشهدها، قال: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78].
- تنزلّهم عندما يقرأ المؤمن القرآن:
ومنهم من يتنزّل من السماء حين يقرأ القرآن؛ ففي صحيح مسلم عن البراء بن عازب قال: قرأ رجل سورة الكهف، وفي الدار دابة، فجعلت تنفر، فإذا ضبابة أو سحابة قد غشيته، قال فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم. فقال: «اقرأ الآن، فإنها السكينة تنزلت عند القرآن -أو تنزلت للقرآن-».
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن أسيد بن حضير بينما هو في ليلة يقرأ في مربده، إذ جالت فرسه، فقرأ، ثم جالت أخرى، فقرأ، ثم جالت أيضًا. قال أسيد: فخشيت أن تطأ يحيى، فقمت إليها، فإذا مثل الظلة فوق رأسي، فيها أمثال السرج، عرجت في الجوّ حتى ما أراها. قال: فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، بينا أنا البارحة من جوف الليل أقرأ في مربدي، إذ جالت فرسي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ ابن حضير»، قال: فقرأت، ثمّ جالت أيضًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ ابن حضير»، قال: فقرأت، ثم جالت أيضًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ ابن حضير»، قال: فانصرفت، وكان يحيى قريبًا منها، خشيت أن تطأه، فرأيت مثل الظلة فيها أمثال السرج، عرجت في الجوّ حتى ما أراها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تلك الملائكة كانت تسمع لك، ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم».
- يبلّغون الرسول صلى الله عليه وسلم عن أمته السلام:
روى النسائي والدارمي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام».
- تبشيرهم المؤمنين:
فقد حملوا البشرى إلى إبراهيم بأنه سيرزق بذرية صالحة: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: 24-28].
وبشرت زكريا بيحيى: {فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى} [آل عمران: 39].
وليس هذا مقصوراً على الأنبياء والمرسلين، بل قد تبشر المؤمنين، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ رجلاً زار أخًا له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته -طريقه- ملكًا، فلما أتى عليه، قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربّها؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله عزّ وجلّ، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه».
وفي صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاني جبريل، فقال: يا رسول الله! هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إِدام - أو طعام، أو شراب - فإذا هي قد أتتك، فاقرأ عليها السلام من ربّها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب».
- الملائكة والرؤيا في المنام:
روى البخاري في صحيحه في باب التهجد، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصّها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت غلامًا شابًا، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطيّ البئر، وإذا لها قرنان كقرني البئر، وإذا فيها أناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، قال: فلقيهما ملك آخر، فقال لي: لم ترع (أي: لا تخف).
وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أريتك في المنام يجيء بك الملك في سَرَقَةٍ من حرير، فقال لي: هذه امرأتك، فكشفتُ عن وجهك الثوب، فإذا أنت هي، فقلت: إن يك هذا من الله يمضه».
- يقاتلون مع المؤمنين ويثبتونهم في حروبهم:
وقد أمد الله المؤمنين بأعداد كثيرة من الملائكة في معركة بدر: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9]، {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران: 123-125].
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في يوم بدر: «هذا جبريل آخذ برأس فرسه، عليه أداة حرب».
وقد بين الله الحكمة والغاية من هذا الإمداد، وهو تثبيت المؤمنين، والمحاربة معهم، وقتال الأعداء، وقتلهم بضرب أعناقهم وأيديهم: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 10]، {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: 12].
وقال في سورة آل عمران: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ} [آل عمران: 126-127].
وقد سمع أحد المقاتلين من المسلمين صوت ضربة ملك، ضرب بها أحد الكفار، وصوته وهو يزجر فرسه، ففي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: بينما رجل من المسلمين يومئذٍ يشتدّ في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه، فخرّ مستلقيًا، فنظر إليه، فإذا هو قد خُطم أنفه، وشقّ وجهه، كضربة السوط، فاخضر ذلك أجمع، فجاء الأنصاري، فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة».
وقد حاربت الملائكة في مواقع أخر؛ ففي غزوة الخندق أرسل الله ملائكته: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9]، والمراد بالجنود التي لم يروها الملائكة، كما ثبت في الصحاح وفي غيرها: أن جبريل جاء الرسول صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من الخندق وقد وضع سلاحه واغتسل، فأتاه جبريل وهو ينفض رأسه من الغبار، فقال للرسول صلى الله عليه وسلم: وضعت السلاح؟ والله ما وضعناه، أخرج إليهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأين؟» فأشار إلى بني قريظة.
وفي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: كأني أنظر إلى الغبار ساطعًا في زقاق بني غنم، موكب جبريل حين سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة.
- حمايتهم للرسول صلى الله عليه وسلم:
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى، لئن رأيته يفعل ذلك لأطأنّ على رقبته، أو لأعفرنّ وجهه في التراب. قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، زعم ليطأ على رقبته. قال: فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبه، ويتقي بيديه، قال: فقيل له: ما لك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقًا من نار، وهولاً وأجنحة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا». (ورواه البخاري بأخصر من رواية مسلم هذه، في كتاب التفسير).
- شهود الملائكة لجنازة الصالحين:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم في سعد بن معاذ: «هذا الذي تحرّك له العرش، وفتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألفًا من الملائكة، لقد ضُمّ ضمة، ثمّ فرّج عنه». (رواه النسائي عن ابن عمرٍ).
- إظلالها للشهيد بأجنحتها:
في البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: جيء بأبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد مثل به، ووضع بين يديه، فذهبت أكشف عن وجهه، فنهاني قومي، فسمع صوت نائحة، فقيل: ابنة عمرو -أو أخت عمرو-. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لمَ تبكي -أو لا تبكي- ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها» وقد عنون له البخاري بقوله: (باب ظل الملائكة على الشهيد).
- الملائكة الذين جاؤوا بالتابوت:
قال تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ} [البقرة: 248].
والذي يعنينا من هذه الآية ما أخبرنا الله به، أن الملائكة جاءت بني إسرائيل، في تلك الفترة، بتابوت تطمينًا لهم وتثبيتًا؛ كي يعلموا أن طالوت مختار من الله تعالى، فيتبعوهُ، ويطيعوهُ.
- حمايتهم للمدينة ومكة من الدجال:
يدخل الدجال عندما يخرج كل بلد إلا مكة والمدينة؛ لحماية الملائكة لهما، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث فاطمة بنت قيس من قصة تميم الداري: أن الدجال قال: إني أنا المسيح الدجال، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة، غير مكة وطيبة، فهما محرمتان عليّ كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة، أو أحداً منهما، استقبلني ملك بيده السيف صلتاً، يصدني عنهما، وإن على كل نَقْب منها ملائكة يحرسونها.
قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطعن بمخصرته في المنبر: «هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة» (يعني: المدينة).
وروى البخاري عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال، ولها يومئذٍ سبعة أبواب، على كل باب ملكان».
وفي صحيح البخاري أيضاً عن أبي هريرة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «على أنقاب المدينة ملائكة، لا يدخلها الطاعون ولا الدجال».
- نزول عيسى بصحبة ملكين:
في سنن الترمذي عن النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم: في ذكره حديث الدجال وفيه: «فبينما هو كذلك إذ هبط عيسى ابن مريم عليه السلام بشرقي دمشق، عند المنارة البيضاء، بين مهرودتين، واضعاً يَدَيْهِ على أجنحة ملكين».
- الملائكة باسطة أجنحتها على الشام:
عن زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يا طوبى للشام، يا طوبى للشام». قالوا: يا رسول الله وبم ذلك؟ قال: «تلك ملائكة الله باسطوا أجنحتها على الشام».
- ما في موافقة الملائكة من أجر وثواب:
ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أمّن الإمام فأَمِّنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه».
وفي صحيح البخاري: «إذا قال أحدكم: آمين، وقالت الملائكة في السماء: آمين، فوافقت إحداهما الأخرى، غفر له ما تقدم من ذنبه».
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهمّ ربنا لك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه».
الفصل الثاني: واجب المؤمنين تجاه الملائكة
الملائكة عباد الله اختارهم واصطفاهم، ولهم مكانة عند ربهم، والمؤمن الذي يعبد الله، ويتبع رضوانه لا مناص له من أن يتولى الملائكة بالحب والتوقير، ويتجنب كل ما من شأنه أن يسيء إليهم ويؤذيهم، وفي المبحث التالي نتناول شيئًا من ذلك بالبيان والتوضيح.
- البعد عن الذنوب والمعاصي:
أعظم ما يؤذي الملائكة الذنوب، والمعاصي، والكفر، والشرك، ولذا فإن أعظم ما يُهْدَى للملائكة ويرضيهم أن يخلص المرء دينه لربه، ويتجنب كل ما يغضبه. ولذا فإنَّ الملائكة لا تدخل الأماكن والبيوت التي يعصى فيها الله تعالى، أو التي يوجد فها ما يكرهه الله يبغضه، كالأنصاب، والتماثيل، والصور، ولا تقرب من تلبس بمعصية كالسكران.
قال ابن كثير: ثبت في الحديث المروي في الصحاح والمسانيد والسنن من حديث جماعة من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يدخل الملائكة بيتًا فيه صورة، ولا كلب، ولا جُنب».
وفي رواية عن عاصم بن ضمرة عن علي: «ولا بول»، وفي رواية رافع عن أبي سعيد مرفوعاً: «لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب أو تمثال».
وفي رواية ذكوان أبي صالح السماك عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصحب الملائكة رفقة معهم كلب أو جرس».
وروى البزار بإسناد صحيح عن بريدة رضي الله عنه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث لا تقربهم الملائكة: السكران، والمتضمخ بالزعفران، والجنب».
وفي سنن أبي داود بإسناد حسن، عن عمار بن ياسر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لا تقربهم الملائكة: جيفة الكافر، والمتضمخ بالخلوق، والجنب إلا أن يتوضأ».
- الملائكة تتأذى مما يتأذى منه ابن آدم:
ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فهم يتأذون من الرائحة الكريهة، والأقذار، والأوساخ.
روى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من أكل الثوم، والبصل، والكراث، فلا يقربنّ مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم».
وقد بلغ الأمر بالرسول صلى الله عليه وسلم أن أمر بالذي جاء إلى المسجد - ورائحة الثوم أو البصل تنبعث منه - أن يخرج إلى البقيع -وهذا ثابت في صحيح مسلم-.
- النهي عن البصاق عن اليمين في الصلاة:
نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن البصاق عن اليمين في أثناء الصلاة؛ لأن المصلي إذا قام يصلي يقف عن يمينه ملك، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قام أحدكم إلى الصلاة، فلا يبصق أمامه، فإنما يناجي الله ما دام في مصلاه، ولا عن يمينه؛ فإن عن يمينه ملكاً، وليبصق عن يساره، أو تحت قدمه فيدفنها».
- موالاة الملائكة كلهم:
وعلى المسلم أن يحب جميع الملائكة، فلا يفرق في ذلك بين ملك وملك؛ لأنهم جميعًا عباد الله عاملون بأمره، تاركون لنهيه، وهم في هذا وحدة واحدة، لا يختلفون ولا يفترقون. وقد زعم اليهود أن لهم أولياء وأعداء من الملائكة، وزعموا أن جبريل عدو لهم، وميكائيل ولي لهم، فأكذبهم الله تعالى -في مدعاهم- وأخبر أن الملائكة لا يختلفون فيما بينهم: {قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ} [البقرة: 97-98].
فأخبر سبحانه أن الملائكة كلهم وحدة واحدة فمن عادى واحدًا منهم، فقد عادى الله وجميع الملائكة، أمّا تولي بعض الملائكة ومعاداة بعض آخر، فهي خرافة لا يستسيغها إلا مثل هذا الفكر اليهودي المنحرف، وهذه المقولة التي حكاها القرآن عن اليهود عذر واهٍ عللوا به عدم إيمانهم، فزعموا أن جبريل عدوهم؛ لأنّه يأتي بالحرب والدمار، ولو كان الذي يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم ميكائيل لتابعوه.
الفصل الثالث: دور الملائكة تجاه الكفار والفساق
الملائكة لا يحبون الكفرة الظالمين المجرمين، بل يعادونهم ويحاربونهم، ويزلزلون قلوبهم، كما حدث في معركة بدر والأحزاب، ونزيد الأمر هنا تفصيلاً وإيضاحًا بذكر ما لم نذكره هناك.
- إنزال العذاب بالكفار:
عندما كان يُكذَّب رسول من الرسل، ويصرّ قومه على التكذيب، كان الله ينزل في كثير من الأحيان بهم عذابه، وكان الذي يقوم بالتعذيب أحيانًا الملائكة.
- إهلاكهم قوم لوط:
جاء الملائكة المأمورون بتعذيب قوم لوط في صورة شبان حسان الوجوه، واستضافهم لوط، ولم يعلم قومه بهم، فدلت زوجة لوط قومها عليهم، فجاءوا مسرعين، يريدون بهم الفاحشة، فدافعهم لوط، وحاورهم، فأبوا عليه، فضربهم جبريل بجناحه، فطمس أعينهم، وأذهب بصرها: {وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيد قالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ} [هود: 77-81].
قال ابن كثير: وذكروا أن جبريل عليه السلام خرج عليهم، فضرب وجوههم خفقة بطرف جناحه، فطمست أعينهم، حتى قيل غارت بالكلية، ولم يبق لها محل ولا أثر. قال تعالى: {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر: 37].
وفي الصباح أهلكهم الله تعالى: {فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 82-83]. قال ابن كثير في تفسيره: "قال مجاهد: أخذ جبريل قوم لوط من سرحهم ودورهم، حملهم بمواشيهم وأمتعتهم، ورفعهم حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم، ثم كفأها، وكان حملهم على خوافي جناحه الأيمن". وذكر أقوالاً مقاربة لهذا القول، ولم يورد حديثاً يشهد لهذا.
- لعن الكفرة:
قال تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [آل عمران: 86-87]، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [البقرة: 161].
ولا تلعن الملائكة الكفرة فحسب، بل قد تلعن من فعلوا ذنوبًا معينة ومن هؤلاء:
أ- لعن الملائكة المرأة التي لا تستجيب لزوجها:
ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء، لَعَنَتْها الملائكة حتى تصبح»، وفي رواية في الصحيح: «حتى ترجع».
ب- لعنهم الذي يشير إلى أخيه بحديدة:
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال أبو القاسم: «من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه، حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمّه».
ولعن الملائكة يدل على حرمة هذا الفعل، لما فيه من ترويعٍ لأخيه، ولأنّ الشيطان قد يطغيه فيقتل أخاه، خاصة إذا كان السلاح من هذه الأسلحة الحديثة، التي قد تنطلق لأقل خطأ، أو لمسة غير مقصودة، وكم حدث أمثال هذا.
ج- لعنهم من سبّ أصحاب الرسول:
في معجم الطبراني الكبير عن ابن عباس بإسناد حسن: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من سبّ أصحابي، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين».
فيما عجباً لأقوام جعلوا سبّ أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ديناً لهم يتقربون به إلى الله، مع أن جزاءَهم ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم هنا، وهو جزاء رهيب.
د- لعنهم الذين يحولون دون تنفيذ شرع الله:
في سنن النسائي وسنن ابن ماجة، بإسناد صحيح، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قَتَلَ عمداً فَقَود يديه، فمن حال بينه وبينه فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين». فالذي يحول دون تنفيذ حكم الله في قتل القاتل عمداً بالجاه أو المال فعليه هذه اللعنة، فكيف بالذي يحول دون تنفيذ الشريعة كلها؟!
هـ- لعنهم الذي يؤوي مُحدِثاً:
من الذين تلعنهم الملائكة كما يلعنهم الله الذين يحدثون في دين الله، بالخروج على أحكامه، والاعتداء على تشريعه، أو يؤوون من يفعل ذلك، ويحمونه، كما في الحديث الصحيح: «من أحدث حدثاً، أو آوى محدثاً، فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين».
والحدث في المدينة فيه زيادة في الإجرام، ففي الصحيحين عن علي بن أبي طالب قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المدينة حرم، ما بين عَيْر إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثاً، أو آوى محدثاً، فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً، ولا عدلاً».
- رؤية الملائكة:
لا يستطيع بنو آدم أن يروا الملائكة، لأن الله لم يعط أبصارهم القدرة على رؤيتهم. ولم ير الملائكة في صورهم الحقيقة من هذه الأمة إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه رأى جبريل مرتين في صورته التي خلقه الله عليها.
- طلب الكفار رؤية الملائكة؟
وقد طلب الكفار رؤية الملائكة للتدليل على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، فأخبرهم الله أن اليوم الذي يرون فيه الملائكة يوم شؤم عليهم؛ إذ الكفار يرون الملائكة عندما يحلّ بهم العذاب، أو عندما ينزل بالإنسان الموت، ويكشف عنه الغطاء: {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا} [الفرقان: 21-22] .