مزايا التعامل بالتحويلات المصرفية

محمد حسن يوسف

في الكلمة التي ألقتها كريستين لاجارد، مدير عام صندوق النقد الدولي، أمام المؤتمر الاقتصادي الدولي الذي نظمته مصر في شرم الشيخ، في الثالث عشر من شهر مارس الجاري، تحدثت عن سياسات استعادة الثقة في القطاع المالي، فأشارت إلى انخفاض عدد أصحاب الحسابات المصرفية بما لا يجاوز 10% من المواطنين المصريين في الوقت الراهن.

  • التصنيفات: التصنيف العام -

في الكلمة التي ألقتها كريستين لاجارد، مدير عام صندوق النقد الدولي، أمام المؤتمر الاقتصادي الدولي الذي نظمته مصر في شرم الشيخ، في الثالث عشر من شهر مارس الجاري، تحدثت عن سياسات استعادة الثقة في القطاع المالي، فأشارت إلى انخفاض عدد أصحاب الحسابات المصرفية بما لا يجاوز 10% من المواطنين المصريين في الوقت الراهن. 

ولعل هذا ما حدا بوزير المالية المصري، هاني قدري، إلى اتخاذ الخطوات التي تكفل تقاضي كل موظفي الحكومة لرواتبهم من خلال حسابات بنكية، والتي وصلت تقديراتها في موازنة العام المالي 2014 / 2015 إلى نحو 207.2 مليار جنيه، وذلك اعتبارا من أول يوليو المقبل.

ومن ناحية أخرى، أشار وزير المالية إلى أن مشكلة السوق غير الرسمي لن يتم حلها إلا إذا تم الانتقال إلى الاقتصاد غير النقدي، حيث يتم معرفة مصادر هذه الأموال ووجهتها والسيطرة، وذلك بهدف الحفاظ على أمن مصر الاقتصادي والقومي.

وأكد على ضرورة القضاء على التعاملات غير الرسمية وذلك من خلال الأدوات المالية، حيث لن يتم السماح بأي مشتريات حكومية بأكثر من ألف جنيه كاش، ليتم ذلك عن طريق الشيكات المصرفية أو التحويلات البنكية.

إن المتابع للأداء المصرفي المصري، يجد انخفاضا كبيرا في حجم التحويلات المصرفية مقارنة بالتعاملات النقدية المباشرة بين الأفراد. ولعل هذه الظاهرة تستحق التوقف بالنظر والدراسة والتحليل للبحث عن الأسباب التي تدفع الناس لتفضيل إتمام المعاملات عن طريق الكاش وليس من خلال البنوك، مع ما فيها من مخاطر كثيرة. 

وأولى مخاطر عدم التعامل بالتحويلات المصرفية هو احتمال تعرض الأموال للسرقة. كما تنتشر كذلك احتمالات التعرض للنصب، حيث سيكون بإمكان أحد طرفي الصفقة إنكار تلقيه للأموال التي تقاضاها بالفعل.

كما يؤدي أيضا لعدم وجود سجل حقيقي بحجم تداول النقود في المجتمع، ويسمح للأفراد بالتلاعب بأي نظام يتم وضعه للمساعدات المالية. وعلى سبيل المثال، فهناك أفراد نعرفهم يتجهون لتلقي المساعدات أو الإعانات الشهرية من المساجد، فيقصدون أحد المساجد لأخذ المساعدة المقررة منه، ثم يتجهون للمسجد الثاني ثم الثالث ... وهكذا. فتتراكم لديهم بذلك حصيلة كبيرة لا يستحقونها، في حين يوجد من هم أحق منهم بتلقي تلك الأموال.

خدم البيوت كذلك لا نعرف الدخل الحقيقي لهم. وقد يحصل العديد منهم على معاشات الدولة التي تخصصها للفقراء، في حين قد تتوافر لهم دخول كبيرة بسبب ما يقومون به من أعمال، وما يتلقونه من مساعدات من أصحاب البيوت التي يعملون فيها.

وعلى ذلك فإذا أردنا القضاء الفعلي على مشكلة الفقر بين أفراد المجتمع، فلابد أن تمر جميع المساعدات الموجهة إليهم من خلال القنوات المصرفية، حتى يمكننا حصر ما يتقاضونه بالفعل من كافة المصادر، ومعرفة الدخل الحقيقي لهم ولأسرهم.

كما يتم التهرب من الضرائب نظرا لكونها لا تتم عن طريق الإطار الرسمي للتحويلات النقدية. لذا يجب إلزام الجميع بعدم إتمام أية معاملات مالية إلا من خلال التحويلات المصرفية. وعلى سبيل المثال، فالمعاملات العقارية التي تتم بأدنى من قيمتها السوقية في العقود حتى يتم التهرب من الضرائب، فإذا تم إلزام المتعاملين بأن يكون ذلك من خلال المعاملات المصرفية، فلن يكون هناك مجال للتهرب. 

في ظل التعاملات النقدية المباشرة كذلك يصعب الوصول إلى الدخل الكلي للأفراد، الذي يمكن من خلاله حساب الحد الأقصى للدخول. لذا فيجب على جميع الجهات الحكومية ألا تقوم بإعطاء أية أموال لأي موظف حكومي تحت أي مسمى كان، سواء مكافآت أو بدلات ... الخ، إلا من خلال حسابه المصرفي. فنحصل في هذه الحالة على حصر حقيقي وفعلي لكافة ما يحصل عليه الفرد من أموال، يمكننا بعد ذلك من إخضاعه للحد الأقصى للدخل إذا كان قد تجاوزه.

وحتى يمكن تحقيق ذلك، فيجب فتح حسابات مصرفية لجميع المواطنين، مع ربط كافة هذه الحسابات المصرفية لأي فرد بالرقم القومي الخاص به، للوقوف على الدخل الإجمالي للأسر المصرية. مع إلزام جميع الجهات التي تمنح أموالا أو تخصص مساعدات للفقراء بأن يتم ذلك في إطار هذه الحسابات المصرفية، فيتم ترشيد المساعدات والقضاء الفعلي على ظاهرة الفقر التي تفشت في مجتمعنا المصري. وكذلك إلزام جميع الجهات الحكومية بعدم الاعتداد إلا بالأوراق المصرفية عند تسجيل المعاملات التجارية المختلفة، فنضمن بذلك حصول الدولة على حقوقها، ونقلص من عمليات الغش والتدليس في المجتمع.


[1] باحث دكتوراه في الإدارة العامة بجامعة القاهرة، ومدير عام ببنك الاستثمار القومي.