ابن خلدون يشرح أزمة الحركات الإسلامية الحالية مع الحكم
عبد المنعم منيب
نظرية ابن خلدون في القوة السياسية والعسكرية قائمة -باختصار وتبسيط- على العصبية القبيلة، إلا أننا نرى أن القوة المطلوبة الآن هي الفهم الإستراتيجي الصحيح وإدراك الموازين الإستراتيجية الشاملة التي تشمل الموارد البشرية والمالية والاقتصادية، والتكنولوجيا والتصنيع والشئون الإدارية، والعسكرية والأمنية والسياسية والعمل وفقًا لذلك كله..
- التصنيفات: الفرق والجماعات الإسلامية - قضايا إسلامية معاصرة -
ظاهرة قيام المتدينين المتحمسين بمحاولة إقامة دولة تحكم بالشريعة، أو محاولة السيطرة على الحكم من أجل تطبيق الشريعة، وإزالة المنكرات دون الأخذ بالأسباب السياسية والأمنية والإستراتيجية المناسبة والكافية أمر قديم في التاريخ الإسلامي..
وقد تكلم عنه (ابن خلدون) في مقدمته فقال: "ومن هذا الباب أحوال الثّوّار القائمين بتغيير المنكر من العامّة والفقهاء، فإنّ كثيرًا من المنتحلين للعبادة وسلوك طرق الدّين يذهبون إلى القيام على أهل الجور من الأمراء، داعين إلى تغيير المنكر والنّهي عنه والأمر بالمعروف رجاء في الثّواب عليه من الله، فيكثر أتباعهم والمتشبسون بهم من الغوغاء والدّهماء، ويعرّضون أنفسهم في ذلك للمهالك وأكثرهم يهلكون في هذا السّبيل، مأزورين غير مأجورين..
لأنّ الله سبحانه لم يكتب ذلك عليهم، وإنّما أمر به حيث تكون القدرة عليه قال صلّى الله عليه وسلّم: « » (صحيح مسلم:49)، وأحوال الملوك والدّول راسخة قويّة لا يزحزحها ويهدم بناءها إلّا المطالبة القويّة الّتي من ورائها عصبيّة القبائل والعشائر كما قدّمناه، وهكذا كان حال الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام في دعوتهم إلى الله بالعشائر والعصائب، وهم المؤيّدون من الله بالكون كلّه لو شاء، لكنّه إنّما أجرى الأمور على مستقرّ العادة والله حكيم عليم، فإذا ذهب أحد من النّاس هذا المذهب وكان فيه محقّا قصّر به الانفراد عن العصبيّة فطاح في هوّة الهلاك، وأمّا إن كان من المتلبّسين بذلك في طلب الرّئاسة فأجدر أن تعوقه العوائق وتنقطع به المهالك لأنّه أمر الله لا يتمّ إلّا برضاه وإعانته، والإخلاص له والنّصيحة للمسلمين ولا يشكّ في ذلك مسلم..".
ثم حكى ابن خلدون حكاية أحد هذه الحركات في الأندلس وبغداد.. ثم قال: "اقتدى بهذا العمل بعد كثير من الموسوسين يأخذون أنفسهم بإقامة الحقّ ولا يعرفون ما يحتاجون إليه في إقامته من العصبيّة، ولا يشعرون بمغبّة أمرهم ومآل أحوالهم، والّذي يحتاج إليه في أمر هؤلاء إمّا المداواة إن كانوا من أهل الجنون وإمّا التّنكيل بالقتل أو الضّرب إن أحدثوا هرجًا، وإمّا إذاعة السّخريّة منهم وعدّهم من جملة الصّفّاعين -أي الكذابين-" (أ.هـ، من عبد الرحمن بن خلدون، ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، ط دار الفكر، ثانية، بيروت 1988م، جـ 1 ص 199-202 بتصرف يسير).
ونظرية ابن خلدون في القوة السياسية والعسكرية قائمة -باختصار وتبسيط- على العصبية القبيلة، إلا أننا نرى أن القوة المطلوبة الآن هي الفهم الإستراتيجي الصحيح وإدراك الموازين الإستراتيجية الشاملة التي تشمل الموارد البشرية والمالية والاقتصادية، والتكنولوجيا والتصنيع والشئون الإدارية، والعسكرية والأمنية والسياسية والعمل وفقًا لذلك كله.