إن لم تتعلم هذا فأنت آثم
أبو الهيثم محمد درويش
من أسباب تأخر الشفاء، وربما الانتكاسة بعد مقاربة الشفاء من المرض عدم تعاطي الدواء الضروري اللازم، ومن أسباب الانتكاس بعد الهداية عدم تحمل العلم الشرعي الضروري اللازم، وهو ما يعرف "بما لا يسع المسلم جهله".
- التصنيفات: طلب العلم -
من أسباب تأخر الشفاء، وربما الانتكاسة بعد مقاربة الشفاء من المرض عدم تعاطي الدواء الضروري اللازم، ومن أسباب الانتكاس بعد الهداية عدم تحمل العلم الشرعي الضروري اللازم، وهو ما يعرف "بما لا يسع المسلم جهله".
أخرج ابن ماجة في الحديث الصحيح، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ».
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: "كل عمل كان عليك فرضاً، فطلب علمه فرض، وما لم يكن العمل به عليك فرضاً، فليس طلب علمه عليك بواجب".
قال تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122].
قال القرطبي رحمه الله: "هذه الآية أصل في وجوب طلب العلم".
وقال رحمه الله أيضاً: "طلب العلم فضيلة عظيمة ومرتبة شريفة لا يوازيها عمل" (الجامع لأحكام القرآن 8/266، 268).
وهذا العلم الواجب الضروري لكل مسلم يأثم إن لم يتعاطاه ويحرص على تحصيله.
وهذا العلم الذي يأثم المسلم إن لم يتعلمه يشمل كل تعلم سائر الفرائض من العقائد والعبادات والمعاملات والسلوك بكل شروطها وأركانها.. كأحكام الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وبر الوالدين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومعرفة حق الله تعالى على عباده وحقهم عليه سبحانه، ومعرفة أسمائه وصفاته، ومعرفة معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وركناها، وشروطها، ونواقضها..
وكذلك مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله، كل ذلك من العلم الضروري الذي يجب على المسلم تعلمه ومعرفته، ولا يسعه الجهل به البتة، فإن لم يتعلمه فهو عاص آثم معرض للعقوبة، ولما علم الصحابة رضي الله عنهم هذا المعنى العظيم، عكفوا على كتاب الله تعالى حفظاً وتعلماً وتعليماً، فلم يتجاوزوا عشر آيات حتى يتعلموا ما فيها من أحكام وأوامر ونواهي وحلال وحرام.. ذلك كان دأب السلف الصالح رحمهم الله ورضي عنهم أجمعين .
قال ابن عبد البر رحمه الله: "قد أجمع العلماء على من العلم ما هو فرض متعين على كل امرئ في خاصته نفسه، ومنه ما هو فرض على الكفاية إذا قام به قائم سقط فرضه عن أهل ذلك الموضع، والذي يلزم الجميع فرضه من ذلك، ما لا يسع الإنسان جهله من جملة الفرائض المفترضة عليه، نحو الشهادتين بالسان، والإقرار بالقلب، بأن الله وحده لا شريك له، ولا شبه له، ولا مثل له، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، خالق كل شيء، وإليه يرجع كل شيء، المحيي المميت الحي الذي لا يموت، عالم الغيب والشهادة، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، هو الأول والآخر والظاهر والباطن..
والذي عليه جماعة أهل السنة والجماعة، أنه لم يزل بصفاته وأسمائه، ليس لأوليته ابتداء، وليس لآخريته انقضاء، وهو على العرش استوى، والشهادة بأن محمداً عبده ورسوله، وخاتم أنبيائه حق، وأن البعث بعد الموت حق، للمجازاة بالأعمال، والخلود في الآخرة لأهل السعادة بالإيمان والطاعة في الجنة، ولأهل الشقاوة والكفر والجحود في السعير حق، وأن القرآن كلام الله، وما فيه حق من عند الله، يلزم الإيمان بجميعه، واستعمال محكمه، وأن الصلوات الخمس فريضة، ويلزمه من علمها علم ما لا تتم إلا به من طهارتها وسائر أحكامها.." (جامع بيان العلم وفضله:1/56).
سئل سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز
مفتي عام المملكة، عن أهمية العلم الشرعي المبني على الكتاب والسنة.
فأجاب سماحته قائلاً:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحبه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فمن المعلوم عند جميع المسلمين، وعند أهل العلم بالأخص، أن التفقه في الدين وتعلم العلم الشرعي من أهم الواجبات، ومن أهم الفروض لعبادة الله جل وعلا خلق الخلق ليعبدوه، وأرسل الرسل لذلك، وأمر العباد بذلك، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ} [البقرة من الآية:21]، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل من الآية:36].
ولا سبيل لمعرفة هذه العبادة ولا الطريق إليها إلا بالعلم، كيف يعرف هذه العبادة التي هو مأمور بها إلا بالعلم.. والعلم إنما هو من كلام الله ومن كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، والعلم قال الله وقال الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس العلم بالتهجس والرأي والتخرص، وإنما مأخوذ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بواسطة الأحاديث ونقل العلماء عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
فالواجب على المسلم أن يتعلم ويتفقه في الدين، وهكذا المسلمة؛ حتى يتعلم كيف يعبد ربه، وكيف يؤدي ما أوجب الله عليه، وكيف يتجنب ما حرم الله عليه؛ ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « » (متفق على صحته)، ويقول عليه الصلاة والسلام: « »، ويقول عليه الصلاة والسلام: « ».
فالواجب على جميع المكلفين من الرجال والنساء التعلم والتفقه في الدين، عن طريق القرآن والسنة، وسؤال أهل العلم والتبصر، قال تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل من الآية:43]، فالذي عنده قدرة وعنده علم، يأخذ من كتاب الله ومن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
والذي ليس عنده قدرة ولا علم يسأل أهل العلم، ولا يجوز السكوت على الجهل والإعراض والغفلة، بل يجب أن يتعلم ويتفقه في الدين ويتبصر؛ حتى يؤدي الواجب، كيف يصلي؟ كيف يصوم؟ كيف يبيع؟ كيف يشتري؟ وهكذا يعرف المحرمات التي حرمها الله حتى يحذرها.
ومعلوم أن هناك أشياء معروفة من الدين بالضرورة، ويعرف أن الله أوجب عليه الصلاة، فالمسلم يعرف هذا، وأن الله أوجب الزكاة، وأوجب صيام رمضان، وأوجب الحج مع الاستطاعة، هذه أمور معروفة، ولكن يتفقه فيها، وكيفية كل منها.
كذلك من المعروف أن الزنا وشرب المسكر والسرقة من المحرمات، والشرك معلوم أنه من أعظم الذنوب، ولكن يتعلم: ما هو الشرك؟ وما هي تفاصيله؟ كذلك يحذر الزنا وأسبابه، ويحذر المسكرات واجتناب أهلها، يحذر الربا وأنواعه، ويتبصر فيه، ويحذر الغيبة والنميمة، ويتعلم ماهية كل منهما؛ حتى يدع ما حرم الله على بصيرة؛ لأنه مأمور بأداء الفرائض وترك المحارم..
والله يقول: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} [النساء من الآية:6].
فالعبادة لله توحيده، وطاعة أوامره وترك نواهيه، وهكذا قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البينة من الآية:5]، يعني بطاعة أوامره وترك نواهيه، والإخلاص له، وهذا يعم جميع الدين، وما علمكم إياه وأمركم به التزموا به؛ إن كان أمراً بالفعل، وإن كان نهيًا بالترك.
هذا هو الواجب على جميع المسلمين المكلفين، أن يمتثلوا لأمر الله وأمر رسوله، وأن يحذروا ما نهى الله عنه ورسوله، وبهذا يؤدون العبادة التي خلقوا لها، فالواجب التعلم والتبصر، والتفقه في الدين، وعدم التشبه بالكفار نسأل الله العافية والسلامة.