سبب الغصة
محمد علي يوسف
كتير مننا بيشتكوا من غصة تجثم على أنفاسهم، وكآبة وغم يخيمان على حياتهم.. أحيانًا لا يكون السبب واضحًا، ولا يجد ذلك المهموم مبررات ظاهرة لتلك الحالة من النكد الذي يعتريه.. لماذا لم نفكر أن تلك الغصة التي تجثم على أنفاسنا وتختنق بها صدورنا سببها ذنب لم نأبه به..
- التصنيفات: التوبة -
كتير منا يشكون من غصة تجثم على أنفاسهم، وكآبة وغم يخيمان على حياتهم.
أحيانًا لا يكون السبب واضحًا، ولا يجد ذلك المهموم مبررات ظاهرة لتلك الحالة من النكد الذي يعتريه!
ليس شرطًا أن تجد في واقع ذلك المهموم مشاكل مادية أو تعقيدات حياتية، أو أزمات عاطفية أو مصائب عائلية، بل كثيرًا ما تجد العكس، ومع هذا تستمر الشكوى من الاختناق والضيق والحزن..
لماذا لم نفكر أن تلك الغصة التي تجثم على أنفاسنا وتختنق بها صدورنا سببها ذنب لم نأبه به، أو خطيئة حسبناها هينة وهي عند الله عظيمة؟! لماذا لم نضع في اعتبارنا أن هذه الكآبة التي تخيم على حياتنا هي مجرد عَرَض ينبهنا الله به إلى مرض علاجه بسيط، يسير لمن يسره الله عليه، علاجه توبة..
لقد ذكر الله لنا في كتابه حالة شبيهة بتلك الشكوى التي تكثر هذه الأيام، ووصف أصحابها بأنهم قد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، ومرت بهم لحظات من البلاء والكرب الشديد، حتى ضاقت عليهم أنفسهم ثم جاءت البشرى وفرّج عنهم.. ومتى ذلك؟ لما صدقت توبتهم فتاب الله عليهم وغفر لهم: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة:١١٨].
ولقد سمى رسول الله ذلك اليوم الذي فرج الله فيه كربهم: « » (صحيح مسلم:2769)، مرّ عليهم منذ ولدتهم أمهاتهم، إذًا فخير يوم في نظر نبينا صلى الله عليه وسلم هو يوم التوبة، وهذه حقيقة مجربة، أكثر الأيام بهجة وسعادة هي تلك التي تمضي بغير معاصٍ وآثام، أو تلك التي يوفقك الله فيها إلى شيء يسير على من يسره الله عليه.. توبة تلك القيمة العظيمة التي خاطب الله بها كل الأمة فقال: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور من الآية:31].
تأمل الكلمة.. {جَمِيعًا} الكل مخاطب بها، مكلف بأدائها، فكلنا بنو آدم وكل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين من يدركون هذه القيمة ويتوبون، ومكمن خيرية التوابين في أنهم فعلاً يعرفون الله عز وجل، فالقلب الذي تشرب العلم بالله ومعرفة أسمائه وصفاته ونعمه وآلائه لا يحتمل أن يمكث طويلًا تحت وطأة المعاصي، أو يطول عليه الأمد في رجس الخطيئة..
إذا أخطأ صاحب هذا القلب العارف أو أساء.. فهذا مفهوم بحكم كونه بشرًا ليس بمعصومٍ، ومن ثَم فالخطأ وارد والمعصية محتملة، لكن الفارق بين الفاجر وبين المؤمن العاصي يكمُن في إصرار الأول ومجاهرته ودفاعه عن معصيته، وبحثه عن المعاذير المسوغة لها، واستكباره على الناصحين ورفضه لنصحهم بعد أن تأخذه العزة بالإثم..
بينما يظهر التواضع والصدق في ندم الثاني واعترافه بذنبه، وتوبته عن تفريطه في حق الله وحق العباد، وعدم مكابرته إذا أخطأ، وعدم اتهامه للناصحين بالترصد والجفاء، بل ما أن يذكروه بمولاه حتى يسارع للاستغفار والتوبة والأوبة إلى رحابه؛ لأنه يعلم جيدًا {أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [التوبة من الآية:104]، وأنه لا يغفر الذنوب إلا هو، فيكون ممن قال الله فيهم: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَو ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135].
للأسف هذه القيمة صارت إلى حد ما مبهمة، لدى كثير من شبابنا، وحتى من يعرفون عنها بعض المعلومات العامة فإن غالب تلك المعرفة يكون كلامًا جامدًا سمعوه في خطبة جمعة، أو حلقة عابرة فلم يدركوا معانيه، ولربما استصعبوا تحقيقها إخلاص وندم وإقلاع وعزم..
شروط أربعة لتستجلب تلك البهجة التي تحدثت عنها منذ سطور..
شروط أربعة زاد عليها بعض العلماء شرطًا خامسًا، وهو رد الحقوق والاستحلال من المظالم في حالة المعاصي المتعدية للغير، شروط سهلة ميسورة لمن يسرها الله عليه وأدرك أنها ليست مجرد قواعد جامدة تردد في خطب وحلقات علم، ولكنها منهج حياة يستصحبه المؤمن في كل أحواله ويحيا به ويتعايش معه، وهذا ما نكمله في المنشور القادم إن شاء الله تعالى..