الحرب العالمية الساخنة ضد الحركات الإسلامية السنية
عبد المنعم منيب
لا تدع الأحداث توظفك، بل انظر للأحداث لبرهة وتأملها جيدًا، ثم حدد كيف توظفها أنت وتمتطيها لتحقق بها غايتك أنت، ثم امتطيها وانطلق.. هذا إذ لم تتمكن أنت من صنع الأحداث كما تريد ابتداءً.
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
ما حولنا في الواقع المحلي أو الإقليمي أو الدولي هو معادلات تحكمها توازنات القوى، وكي نغير فيها يلزمنا موارد كي نتحول أولاً لرقم مهم في المعادلات، وفي مرحلة تالية نكبر رقمنا ونغير المعادلات هذه لصالحنا، وهذا يصدق حتى على المعادلات داخل فصائل وتيارات الحركة الإسلامية فيما بينها وبين بعضها البعض.
الموارد اللازمة لتغيير الرقم في المعادلة تشمل:
(الإنسان كمًا ونوعًا، العلم وما يعنيه من كفائات ومهارات وخبرات، المال، الزمن، الجغرافيا أو المكان).
بدون هذه الموارد لا يمكن تكبير رقمنا في أي معادلة.
ولو كانت مواردنا قليلة فيمكن تكبيرها بأساليب عدة منها:
(زيادة الجهد، زيادة المشاركة بيننا وبين بعضنا وبيننا وبين غيرنا، التحالفات، التنمية في الاقتصاد والعلم والإنسان، شراء الزمن عبر الإسراع بغير تهور وعبر الاقتصاد في الوقت وعبر الصبر حتى ينضج الأمر زمنيًا، شراء الجغرافيا).
لا تدع الأحداث توظفك بل انظر للأحداث لبرهة وتأملها جيدًا، ثم حدد كيف توظفها أنت وتمتطيها لتحقق بها غايتك أنت، ثم امتطيها وانطلق.. هذا إذ لم تتمكن أنت من صنع الأحداث كما تريد ابتداءً.
امتلاك رصيد من الأوراق السياسية هو من يسمح ويساعدك على استثمار الأحداث، فسوق السياسة شبيه بسوق الاقتصاد، التاجر الكبير يستفيد من تقلبات السوق بشكل كبير، إذا رخصت البضاعة اشترى بأبخس الأثمان وخزنها، وإذا غلت باع بأعلى الأثمان، لكن التاجر الصغير يمكنه استغلال تقلب السوق ليخطو خطوات نحو الأمام، ويصعد بعضًا من درجات سلم الصعود لمصاف الكبار رويدًا رويدًا مع كل تقلب جديد.. وكما قال العلماء فإذا سقط واجب ما للعجز لم يسقط واجب إزالة هذا العجز والسعي للتأهل للقيام بالواجب الذي عجز عنه.
حد فاكر لما كنا ننتقد توجه داعش للاستيلاء على عين العرب كوباني، ولما نقلنا عن إخوة سوريين قولهم لو داعش خصصت نصف الإمكانات التي خصصتها لكوباني لتحرير حلب لحررتها.. فاكرين وقتها اتشتمنا وسودت الصفحات ضد الرويبضات اللي مش فاهمين الإستراتيجيات العميقة التي تسير عليها الدولة الإسلامية.. إلخ! أين اليوم كوباني بل أين تكريت؟
حد فاكر لما انتقدنا ما سمي بانتفاضة الشباب المسلم التي دعت لها وقتها الجبهة السلفية، وبرضه قيل وقتها أنها ستفعل الأفاعيل بالانقلاب، ونفينا نحن هذا لعدم توفر شروطه وانتقدونا وسخروا منا، ومرت بلا نتيجة ولا فائدة! حد فاكر ما قيل عما سيحدث من إطاحة بالانقلاب يوم 25 يناير الفائت (2015) وقلنا قبلها لا شيء سيحدث، وأيضًا انتقدونا وسخروا منا!
الشاهد من الموضوع: أن الرؤية المتعجلة وعدم التبصر بشكل كافٍ لن يحل شيئًا، وستمر الأيام دون أن ننجز شيئًا.. فعلينا بالدراسة والتبصر وعدم التعجل فالتعجل بلا تحقيق الشروط اللازمة لن يتجز شيئًا.. وأول درس يجب التبصر به هو ألا ننسى.. وأن نحتفظ بذاكرة فعالة تستظهر الماضي القريب والبعيد على حدٍ سواء لأن التاريخ هو ذاكرة الأمة ولا يمكن لأمة أن تفكر وهي فاقدة لذاكرتها.
هناك حرب عالمية ساخنة الآن ضد الحركة الإسلامية بكل تياراتها وفصائلها، وجود دولة إسلامية حقيقية -غير طائفية وغير مغالية وغير مترخصة الترخص الجافي وغير مفرطة في الانضباط بالشرع- ممكنة تمكينًا حقيقيًا هو ما سيقلب موازين الحرب، وغير هذا فلا شيء إلا أن يشاء الله شيئًا..
حل مشكلة الحركة الإسلامية في مصر سيفيد جدًا ويغير كثيرًا من الموازين..
لكن لب المشكلة المصرية هو في أن إدراك الإخوان -وهم من يقودون المشهد في جانب الحركة الإسلامية- ومن يؤيدهم لواقع الناس خاطئ، فالناس واعون لكن منهم المعادي للحركة الإسلامية ومنهم غير الواثق فيها لسبب أو لآخر، وهذا الواقع لا يفهمه أكثر الإسلاميين فضلاً عن أن يحددوا الطريقة الصحيحة للتعامل مع هذا الواقع، فمعركة الوعي المطلوبة هي بقلب الحركة الإسلامية التي لم ترتفع لمستوى التحديات بعد، فلم تدرك الواقع بشكل صحيح فضلاً عن أن تحدد التكتيكات الصحيحة للتعامل معه..
المعركة الحقيقية التي ستحسم نتيجة الحرب العالمية الحالية ضد الحركة الإسلامية هي معركة تطوير الحركة الإسلامية السنية نفسها، لترتفع لمستوى مكافئ لحجم ومستوى التحديات الراهنة، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} [الرعد من الآية:11]، وقال تعالى: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال:53].