خصائص النبي (1) ما حُرّم عليه دون غيره من أمته

اختصّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بكثير من الخصائص والأحكام دون أمّته تكريمًا له وتبجيلًا، وقد شاركه في بعضها الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام.

  • التصنيفات: السيرة النبوية -

 

 

اختصّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بكثير من الخصائص والأحكام دون أمّته تكريمًا له وتبجيلًا، وقد شاركه في بعضها الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام.

 

1- الصّدقة:

حرم على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أكل الصّدقة لقوله عليه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ الصّدقة لا تحلّ لمحمّد ولا لآل محمّد، إنّما هي أوساخ النّاس» (أخرجه مسلم). وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه: "أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يأكل الهديّة ولا يأكل الصّدقة" (أخرجه مسلم).

وهذه الأحاديث عامّة لا فرق فيها بين صدقة الفرض والتّطوّع. فكلا النّوعين حرم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.

قال الحافظ ابن حجر: "نقل الإجماع على ذلك غير واحد من العلماء منهم الإمام الخطّابيّ".

والحكمة في تحريم الصّدقة على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، صيانة وتنزيه منصبه الشّريف عن أوساخ أموال النّاس. وأمّا دخول الآل في ذلك فإنّهم دخلوا تبعا لانتسابهم إليه وتشريفهم بذلك.

 

2- إمساك من كرهت نكاحه:

ومن خصائصه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ أنّه كان يحرم عليه إمساك من اختارت فراقه ورغبت عنه من النّساء، بخلاف غيره من أمّته ممّن يخيّر امرأته فإنّها لو اختارت فراقه لما وجب عليه فراقها.

وبرهان هذه الخصوصيّة ما جاء في صحيح البخاريّ عن عائشة رضي اللّه عنها: أنّ ابنة الجون لمّا أدخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ودنا منها قالت: أعوذ باللّه منك فقال لها: «لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك».

قال ابن الملقّن رحمه اللّه في خصائصه بعد إيراده هذا الحديث: "وفهم ممّا ذكرناه أنّه حرم عليه نكاح كلّ امرأة كرهت صحبته. وجدير أن يكون الأمر كذلك لما فيه من الإيذاء".

 

3- نزع لامة (درع) الحرب:

وممّا حرم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وكذلك إخوانه الأنبياء عليهم السّلام -دون غيره من الأمّة- أنّه إذا لبس لامة الحرب وعزم على الجهاد في سبيل اللّه أن ينزعها ويقلعها حتّى يلقى العدوّ ويقاتل.

ودليل ذلك ما روى جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال يوم أحد: «رأيتُ كأني في درعٍ حصينَةٍ، ورأيتُ بقرًا تُنْحَرُ، فأوَّلْتُ أنَّ الدرعَ الحصينةَ المدينةَ، وأنَّ البقرَ بقرٌ واللهِ خيرٌ»، قال: فقال لأصحابِهِ: «لو أنَّا أَقْمْنا بالمدينةِ، فإنْ دَخَلُوا علَيْنَا فيها قاتلْناهم»، فقالوا: واللهِ يا رسولَ اللهِ ما دُخِلَ علَيْنَا فيهَا في الجاهليَّةِ، فكيف يُدْخَلُ علَيْنَا فيها في الإسلامِ؟ فقال: «شأنُكم إذًا»، فلَبِسَ لأْمَتَهُ، قال: فقالَتْ الأنصارُ: ردَدْنَا علَى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رأْيَهُ فجاءُوا، فقالوا: يا نبيَّ اللهِ، شَأْنُكَ إذًا فأقِمْ فقال: «إنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيٍّ إذا لبِسَ لأمَتَهُ أن يضعَها حتى يقاتِلَ» (أخرجه أحمد في مسنده، وأصل القصة في البخاري ومسلم).

قال الحافظ ابن كثير: "قال عامّة أصحابنا: إنّ ذلك كان واجبًا عليه، وأنّه يحرم عليه أن ينزعها حتّى يقاتل".

 

4- خائنة الأعين:

خائنة الأعين هي الإيماء إلى مباح من قتل أو ضرب على خلاف ما يظهر ويشعر به الحال، ولا يحرم ذلك على غيره إلّا في محظور. وقال الخطّابيّ رحمه اللّه: "هو أن يضمر في قلبه غير ما يظهره للنّاس فإذا كفّ لسانه وأومأ بعينه إلى ذلك فقد خان وقد كان ظهور تلك الخيانة من قبيل عينه فسمّيت خائنة الأعين".

فلم يكن لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يومئ بطرفه خلاف ما يظهر كلامه.

ومستند هذا قصّة عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح، حيث كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد أهدر دمه يوم فتح مكّة في جملة من أهدر من الدّماء فاختبأ عند عثمان بن عفّان أخيه من الرّضاعة، فلمّا دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم النّاس إلى البيعة جاء به عثمان حتّى أوقفه على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، بايع عبد اللّه، فرفع رأسه، فنظر إليه، ثلاثا، كلّ ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث، ثمّ أقبل على أصحابه فقال: «أما كان فيكم رجل رشيد، يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟» فقالوا: ما ندري يا رسول اللّه ما في نفسك؟ ألا أومأت إلينا بعينك قال: «إنّه لا ينبغي لنبيّ أن تكون له خائنة الأعين» (أخرجه أبو داوود).

 

5- تعلّم الكتابة:

قال اللّه تعالى: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48]. فقد لبث صلوات اللّه وسلامه عليه عمرًا من قبل أن ينزّل عليه القرآن المجيد لا يقرأ كتابًا ولا يحسن الكتابة بل كلّ أحد من قومه وغيرهم يعرف أنّه رجل أمّيّ لا يقرأ ولا يكتب. وهذا من أعلام نبوّته لئلّا يرتاب بعض الجهلة فيقول إنّما تعلّم هذا القرآن من كتب قبله مأثورة عن الأنبياء.

 

6- تعلّم الشّعر:

قال اللّه تعالى: {وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ} [يس:69].

فلم يكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عالما بالشّعر وأصنافه وأعاريضه وقوافيه ولم يكن موصوفا بذلك بالاتّفاق وجعل اللّه سبحانه ذلك علما من أعلام نبوّته صلّى اللّه عليه وسلّم لئلّا تدخل الشّبهة على من أرسل إليهم فيظنّوا أنّه قوي على القرآن بما في طبعه من القوّة في الشّعر.

والأدلّة على عدم معرفته بالشّعر وعدم ميله إليه كثيرة منها: أنّ قريشا لمّا تشاورت فيما يقولون للعرب في رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا قدموا عليهم الموسم. فقال بعضهم: نقول إنّه شاعر. فقال أهل الفطنة منهم: "واللّه لتكذّبنّكم العرب، فإنّهم يعرفون أصناف الشّعر فو اللّه ما يشبه شيئا منها وما قوله بشعر".

وأمّا ما وقع على لسانه صلوات اللّه وسلامه عليه من الشّعر القليل، كقوله يوم حنين وهو راكب بغلته يقدّم بها نحور العدوّ.

أنا النّبيّ لا كذب *** أنا ابن عبد المطّلب

وكقوله لمّا أصابه حجر وهو يمشي فعثر فدميت إصبعه الشّريفة:

هل أنت إلّا إصبع دميت *** وفي سبيل اللّه ما لقيت

فكلّ هذا وأمثاله إنّما وقع منه اتّفاقا من غير قصد لوزن الشّعر بل جرى على اللّسان من غير قصد إليه.

 

(من كتاب: نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم)