خصائص النبي (2) ما أبيح له دون غيره من أمته
أمور أباحها الله لنبيه صلى الله عليه وسلم دون غيره من أمته واختصه هو وحده صلى الله عليه وسلم بها.
- التصنيفات: السيرة النبوية -
1- الوصال في الصّوم:
بعث اللّه تبارك وتعالى رسوله محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم وسكب في قلبه من العلم والحلم وفي خلقه من الإيناس والبرّ وفي طبعه من السّهولة والرّفق وفي يده من السّخاوة والنّدى ما جعله أزكى عباد اللّه رحمةً وأوسعهم عاطفةً وأرحبهم صدرًا. قال تعالى: {وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ} [الأنبياء:107].
فجاءت شريعته مبنيّة على التّيسير والسّهولة والتّخفيف والرّحمة ورفع الحرج والآصار والأغلال ما يلائم اختلاف الأجيال وحاجات العصور وشتّى البقاع.
فمن ذلك نهيه صلّى اللّه عليه وسلّم أمّته عن مواصلة صوم يومين فصاعدًا من غير أكل أو شرب بينهما لما في ذلك من المشقّة وحصول المفسدة المترتّبة على الوصال وهي الملل من العبادة والتّعرّض للتّقصير في بعض وظائف الدّين.
بينما كان ذلك مباحا له صلّى اللّه عليه وسلّم خصوصيّة له دون أمّته. فعن عائشة رضي اللّه عنها قالت: نهى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن الوصالِ رحمةً لهم، فقالوا: إنك تواصِلُ، قال: « ».
قال النّوويّ: "قال الخطّابيّ وغيره من أصحابنا: الوصال من الخصائص الّتي أبيحت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وحرّمت على الأمّة".
2- الزّواج من غير وليّ ولا شهود:
عني الإسلام عناية كبيرة بالأسرة، فالأسرة هي أساس كيان المجتمع الإسلامي من مجموعها يتكوّن المجتمع ويترتّب على ذلك أنّ الأسرة إذا صلحت صلح المجتمع وإذا فسدت فسد المجتمع وحيث إنّ الزّواج هو السّبيل المشروع لتكوين الأسرة وبقاء الجنس البشريّ، فقد رغّب فيه الإسلام وحثّ عليه وشرع له أحكاما معيّنة تشريفا وتكريما لهذه العلاقة علاقة الزّواج.
ومن هذه الأحكام، موافقة وليّ المرأة على زواجها وهو شرط لصحّة النّكاح. قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: « »؛ فعقد النّكاح لا يهمّ المرأة وحدها بل يهمّ وليّها وعائلتها، والضّرر الّذي يلحقها بسبب سوء اختيارها ينسحب إلى عائلتها وعلى رأسهم وليّها كالأب والأخ. ولهذا فلا بدّ أن يكون للوليّ رأي مسموع في زواجها، وكما يشترط في صحّة النّكاح موافقة وليّ المرأة، كذلك يشترط حضور الشّهود عند عقد النّكاح لكي يعرف العقد ويشيع وتحفظ حقوق المرأة، ويؤمن الجحود. ولهذا قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: « ».
وقد انفرد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن أمّته في هذين الحكمين؛ فأباح اللّه تعالى له الزّواج بغير وليّ ولا شهود تشريفًا وتكريمًا لعدم الحاجة إلى ذلك في حقّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
قال العلماء: "إنّما اعتبر الوليّ في نكاح الأمة للمحافظة على الكفاءة، وهو صلّى اللّه عليه وسلّم فوق الأكفاء، وإنّما اعتبر الشّهود لأمن الجحود وهو صلّى اللّه عليه وسلّم لا يجحد".
3- الجمع بين أكثر من أربع نسوة:
شرع اللّه تبارك وتعالى لعباده النّكاح لما فيه من الفوائد العظيمة والحكم الجسيمة، فمن ذلك: الإبقاء على النّوع الإنسانيّ، والتّحصّن من الشّيطان، وكسر التّوقان ودفع غوائل الشّهوة، وغضّ البصر وحفظ الفرج، وترويح النّفس وإيناسها بما أباحه اللّه لتقوى وتنشط على العبادة، ومجاهدة النّفس ورياضتها بالرّعاية والولاية والقيام بحقوق الأهل، والاجتهاد في كسب الحلال، والعناية بتربية الأولاد إلى غير ذلك من الفوائد والحكم والأسرار.
وقد جاءت الأدلّة الشّرعيّة مبيحة الجمع بين أربع نسوة ومحرّمة الزّيادة على ذلك لآحاد المؤمنين.
قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ} [النساء:3].
ولمّا أسلم غيلان بن سلمة الثّقفيّ أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: « ».
وقال الشّافعيّ رحمه اللّه: "دلّت سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المبيّنة عن اللّه أنّه لا يجوز لأحد غير رسول اللّه أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة".
فهذا الحكم من خصائصه صلّى اللّه عليه وسلّم الّتي انفرد بها دون غيره من الأمّة، ولا خلاف بين العلماء أنّه توفّي صلّى اللّه عليه وسلّم عن تسع نسوة.
فائدة: والحكمة في استكثاره صلّى اللّه عليه وسلّم من النّساء:
قال الحافظ ابن حجر رحمه اللّه: "والّذي تحصّل من كلام أهل العلم في الحكمة في استكثاره من النّساء عدّة أوجه:
أحدها: أن يكثر من يشاهد أحواله الباطنة فينتفي عنه ما يظنّ به المشركون من أنّه ساحر أو غير ذلك.
ثانيها: لتتشرّف به قبائل العرب بمصاهرته فيهم.
ثالثها: للزّيادة في تآلفهم بذلك.
رابعها: للزّيادة في التّكليف حيث كلّف أن لا يشغله ما حبّب إليه منهنّ عن المبالغة في التّبليغ.
خامسها: لتكثر عشيرته من جهة نسائه فتزداد أعوانه على من يحاربه.
سادسها: نقل الأحكام الشّرعيّة الّتي لا يطّلع عليها الرّجال، لأنّ أكثر ما يقع مع الزّوجة ممّا شأنه أن يختفي مثله.
سابعها: الاطّلاع على محاسن أخلاقه الباطنة، فقد تزوّج أمّ حبيبة وأبوها إذ ذاك يعاديه، وصفيّة بعد قتل أبيها وعمّها وزوجها، فلو لم يكن أكمل الخلق في خلقه لنفرن منه، بل الّذي وقع أنّه كان أحبّ إليهنّ من جميع أهلهنّ.
ثامنها: تحصينهنّ والقيام بحقوقهنّ".
4- بدء القتال بالبلد الأمين:
شرّف اللّه عزّ وجلّ أمّ القرى البلد الحرام وفضّلها واختارها وخصّها بخصائص ومزايا ليست لغيرها من بقاع الدّنيا فمن ذلك أنّ بها بيته العتيق أوّل بيت وضع للنّاس لعبادتهم ونسكهم يطوفون به ويصلّون إليه ويعتكفون عنده ومن دخله كان آمنا. وجعله مثابة للنّاس يثوبون إليه على تعاقب الأعوام من جميع الأقطار ولا يقضون منه وطرًا بل كلّما ازدادوا له زيارة ازدادوا له اشتياقًا.
إنّها بلد حرام حرّمها اللّه يوم خلق السّماوات والأرض فالقتال فيها لا يحلّ ولا يجوز إلى غير ذلك من خصائصها.
وقد أباح اللّه تبارك وتعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم مكّة المكرّمة عام الفتح ساعة من نهار فدخلها بغير إحرام وقتل من أهلها يومئذ نحو عشرين فكان ذلك من خصائصه صلّى اللّه عليه وسلّم. وقد دلّت على ذلك الأحاديث الصّحيحة، منها ما ذكره صلّى اللّه عليه وسلّم في خطبته صبيحة ذلك اليوم حيث قال:
« » (أخرجه البخاري).
(من كتاب: نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم)