أنفاس راضية

لكن رحمة منهُ يُدنينا ..
رحمة منه يُحبنا ، أتتخيّلين ؟ ..
كرريها وأنتِ مؤمنة حقًا بعَجزكِ وضعفكِ ..

واستعجلت إجابة الدُعاء وما مرَّت سِوى أيام وهي تدعوه!
وإن كانت بالنسبة لها مرّت قرون وليست أيام .. بوجعها .. بمُرّها ..
هي أيام .. وسَتظلّ أيام .. في حساب هذه الدنيا ..
وإن كانت الفجيعة فوق خيال البشر ..
هي تعي أنّه إله … وأنه واحد أحد ..
هي تعي جيدًا بكلّ هذا الطّب الذي درسته ..
ومعرفتها بكل هذه التفاصيل الدقيقة في جسدها
(جسد بني الإنسان عامّة)
هذه الحركات وجريان الدم والخلايا والأعصاب .. والجلود والمسامات ..
تعي أنّ من أوجد هذا النّظام الدقيق البالغ في الدّهشة ..
أوجده  خالق الأكوان .. إله واحد .. ( الله )
تعي أنه قادر على كل شيء ..
تعي أنّ نبيّ من أنبياء الله ..
ابتلاه ربّه .. حتّى وصل المرض به إلى درجة أنّ الدّود كان ينغل من جسده!!
لحظة .. هل يتخيّلها أحد !؟ نحنُ نُصاب بُجُرح أو كسر فيؤرقنا!
هي تعي أنّ هذا النّبي العظيم رُغم شدّة البلاء ..
من حُسن أدبه مع الله أخذ يُردد …

{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء:83] 

هي تعي وتتغافل! ..
وتترك شَيطان الهَوى وشَيطان ضَعفها ..
وشيطان حُبّها وأنسها بالعبيد أكثر من حُبّها لخالقهم ..
تتركه يتمكّن منها وينهش بهذه السّهولة فيما تَبقّى من إيمانها ..
هي تعي أنّ الله رَحيم …
وأنّ الله حكيم ..
وتعي أنّ الدنيا دار عمل وابتلاء ..
وتَعي أننا من غير الله لم نَكُن لنكون أصلًا …
أنهُ أوجِدْنا لنَحيا في هذه الدنيا ..
ونصبر بإذنه ..
ونعمل الصالحات ..بتوفيقه  وكرمه ..
نُخلِص الحب والأعمال لأجله …
ثُمّ برحمته يُدخلنا جنّة تُربها الزعفران ..
وأريجها المسك والرّيحان …
فيها ما لا عينٌ رأت ..
ولا أُذنٌ سَمعت .. ولا خَطرَ على قلبِ بشر ..
هي تَعي أنّ كلّ هذا من فضله وحده ..
وإلا ما رأيها أن تكون هَملة في الأكوان …
لا شيء .. لا شيء أبدًا ..
ولكن رحمةً منه أوْجَدَنا ..
رحمةً منهُ يرزقنا ..
رحمةً منهُ يُسعدنا ..
رحمةً منهُ يبتلينا ..

ورحمةً منهُ نبكي ونحزن ..
رحمةً منه نُعمِّر هذه الأرض ..
رحمة منهُ حتى الضيق في الصَّدر
وشوكة نُشاكها ووخزة في القلب .. نُؤجر عليها!
أواااه كيفَ تبيعينَ دينكِ ..
بعرض من الدنيا زائل ..
أواااه وكيف يضيق صدركِ ..
وتَتَلفّظينَ بخبائث الشيطان وقُبحَه ..
تُرددين ذنوبي كثيرة .. ذنوبي عظيمة .. يأستُ من رحمتك !!
يا ألله .. يا ألله
بالله لا تُكرريها ..
امسحي على قلبكِ ..
استغفري ربّكِ …
وانظري للسّماء ..
ودعي آياته تغسل قلبكِ من هذا الأذى :
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} [الزمر:53] 

يغفر الذنوب جميعاً. كل شيء. نعم كُل شيء! التوبة تَجُبُّ ما قبلها رحمة منهُ سبحانه.
«اتقِ اللهَ حيثُ كنتَ وأتبعِ السيئةَ الحسنةَ تمحُها وخالقِ الناسَ بخلقٍ حسنٍ» (رواه أبو ذر الغفاري وحكمه صحيح) 
استغفري ربّكِ ..
ناجي ربّكِ بمكنون صدركِ ..
تأمّلي الكونَ من حولكِ ..
ابتعدي عن ضجيج هذه العوالم الافتراضيّة ..
وجّهي وجهكِ لعالمكِ الأجمل .. الأنقى
صَوبَ السّماء حلّقي برُوحكِ ..
كرريها .. يا ربّ .. يا ربّ .. يا ربّ !
كرريها وأنتِ مُوقنة أنّه قريب ..
حَكيم ..
يُدبّر الأمر ..
كرريها وأنتِ موقنة أنّكِ عاجزة!
نعم ! أبعِدِي هذا الكِبر والغُرور عن قلبكِ ..
نعم! أنتِ جوار [ الله ] لا شيء أبدًا ..
لكن رحمة منهُ يُدنينا ..
رحمة منه يُحبنا ، أتتخيّلين ؟ ..
كرريها وأنتِ مؤمنة حقًا بعَجزكِ وضعفكِ ..
أنتِ حتى قد تعجزين عن حلّ مسألة فيزيائيّة أو رياضيّة .. أليس كذلك!؟
قد يُصيب خطأ بسيط رَسم هندسيّ فيحبط كُلّ عملكِ .. وتُعيدين ..
إذًا … نُحنُ ضعفاء .. ونسأله أن يمنن على ضعفنا بقوّته.. لا أن نُنازعه في حُكمه ومملكته
ضُعفاء … عجزة .. مساكين .. ومعه في أنس وقوّة .. ورضاء وصبر ويقين ..
وبهجة .. وعمل صالح .. وتوبة .. ولوعة جرّاء البُعد عنه ..
تليها بإذنه فَرحة وحياة طيّبة في القُرب منهُ ..
تأمّلي لحظات ..
{اللَّـهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ} [الزمر:23]
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ . قُلْ بِفَضْلِ اللَّـهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:57] 

شفاء لما في الصدور .. شفاء لكلّ هذا الذي يُحزنكِ ..
شفاء لكُلّ هذا الذي تُلاقينَ ولا تَبوحينَ به
من همّ وغمّ وحقد وبغضاء .. وحب شهرة ورياء.. من ذنوبٍ وهفوات ..
دثّري قلبكِ بالقُرآن جيّدًا .. وثقي أنّ كيد الشيطان ضعيف ..
ولكن ضعفكِ واستسلامكِ يُزيد همّكِ .. ويوقف عقلك.. ويُثقل رُوحكِ ..
فتنخفض حتى تُلامس أوحال من طين هذه الدنيا …
وهو ليس بمكانها .. هي خُلقت لتسموا ..
راقبي نفسكِ في يومكِ .. في فرحكِ في حُزنكِ ..
وابحثي عن كل ما يُعيق تقدّمكِ واجتنبيه ..
{بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ . وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ} [القيامة:14] 

الدرب قد يكون طويل ..
الدرب قد يكون شاقّ .. مُرهق …
به ما به من امتحانات ..
به ما به من حُجب …
لكن ثقي أنه دامَ هدفكِ .. الله ؛ و رضاه  والجنّة ..
ثقي أنّ الدرب وإن طال سيأتي آخره ..
ثقي أنّ الدنيا وإن طالت ستقوم قيامتها ..
ما دام هدفكِ الله …
سيري وإن كان الدرب يحتاج ما يحتاج من جَلَد وصبر . .
يحتاج ما يحتاج من تقوى ..
يحتاج ما يحتاج من أنس بالله .. عمل لله ..
يحتاج ما يحتاج من بصيرة وحكمة ..
يحتاج ما يحتاج من كثير دُعاءٍ وذِكر ..
يحتاج يقظة قلب ورُوح تذكر أنّ حبيب الله المُصطفى كان يستغفر في يومه أكثر من سبعين مرّة
حبيب الله خير خلقه .. كان يدعو الله بخشوع وخضوع دومًا

كانَ أَكْثرُ دعائِهِ صلوات الله وسلامه عليه يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي علَى دينِكَ .. أرأيتِ !؟
استغفري الله ولتَعد أنفاسنا .. أنفاسٌ رَضيّة ..
{وَجَاهِدُوا فِي اللَّـهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّـهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج:78]