من علامات محبتنا لله تعالى

أيمن الشعبان

كثير من الناس ممن فرّط وقصّر بل ضيّع فرائض وواجبات، وآخرون وقعوا في محرمات ومنكرات، بل متلبسون بخطايا ومحاذير ومنهيات؛ عندما تحثهم لتقويم هذا الخلل الكبير والجُرم المستطير، يكون الجواب: "نحن مؤمنون وفي قلوبنا مُسبحين، ولمحبة الله دائمين، وللصلاة مؤدين"، وقد قيل: "الدعاوى إذا لم يقيموا عليها بينات فأصحابها أدعياء".

  • التصنيفات: الزهد والرقائق -

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واتبع هداه، وبعد:
يبدو أن السِمة الظاهرة في عصر طغت عليه الماديات، والانكباب على الدنيا والملذات؛ كثرة الادعاءات والشعارات وضعف شديد بل تضييع لحقيقة وروح العبادات، وانقطاع الصلة والعروة الوثقى بين العباد ورب البريات، حتى وقع الناس بتناقض عجيب، وحال غريب ومآل مريب، وازدواجية وفصام تكاد رؤوس الولدان منها تشيب!

كثير من الناس ممن فرّط وقصّر بل ضيّع فرائض وواجبات، وآخرون وقعوا في محرمات ومنكرات، بل متلبسون بخطايا ومحاذير ومنهيات؛ عندما تحثهم لتقويم هذا الخلل الكبير والجُرم المستطير، يكون الجواب: "نحن مؤمنون وفي قلوبنا مُسبحين، ولمحبة الله دائمين، وللصلاة مؤدين"، وقد قيل: "الدعاوى إذا لم يقيموا عليها بينات فأصحابها أدعياء".
وقال بعضهم:

علامةُ صدقِ المستغَصّين بالحب *** بلوغهم المجهود في طاعة الربِّ
وتحصيل طيب القوت من مجتباه *** وإن كان ذاك القوتُ من مرتقى صعبِ
وإمساكُ سوء اللفظِ عن ولد جنسهم *** وإن ظلموا فالعفوُ من ذلك الخطبِ
أولئك بالرحمن قرّت عيونهم *** وحلّوا من الإخلاصِ بالمنزلِ القُربِ

فمحبة الله سبحانه عقيدة ثابتة وإيمان راسخ، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة من الآية:165]، "فدل ذلك على أن حب الله من الإيمان، وحب الله ينبغي أن لا يدانيه ولا يساويه حب" (ابن تيمية، قاعدة في المحبة ص11)، "ومعناه أن المخلصين لله تعالى هم المحبون حقًا" (تفسير الماوردي)، "كما أنهم لا يختارون على الله ما سوى الله" (تفسير السمعاني).

ولأهمية ومكانة محبة الله في نفس المؤمن، وأنها علامة ودِلالة للارتقاء لأعلى مراتب الإيمان، قال عليه الصلاة والسلام: «ثلاثٌ مَن كُنَّ فيهِ وجَد حلاوَةَ الإيمانِ: أن يكونَ اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سِواهما، وأن يُحِبَّ المرءَ لا يُحِبُّه إلا للهِ، وأن يَكرهَ أن يَعودَ في الكُفرِ كما يَكرهُ أن يُقْذَفَ في النارِ» (متفق عليه).

ولتحقيق المحبة الصادقة لله جل في علاه بعيدًا عن أي ادعاء أو تظاهر، لا بد من وجود علامات وأمارات المحبة بطريقة عملية، وبجميع الأحوال في العقيدة والعبادة والسلوك، تتلخص في طاعة الله عز وجل فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، واتباع النبي عليه الصلاة والسلام، دون إفراط أو تفريط وبعيدا عن الغلو والتقصير.

ومن علامات محبتنا لله تعالى هي:
1- محبة الله سبحانه وحده دون غيره وتقديمها على كل محبوب:
قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:24].

"وهذه الآية الكريمة أعظم دليل على وجوب محبة الله ورسوله، وعلى تقديمها على محبة كل شيء، وعلى الوعيد الشديد والمقت الأكيد، على من كان شيء من هذه المذكورات أحب إليه من الله ورسوله، وجهاد في سبيله" (تفسير السعدي)، "وأما حب رسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله فهو دون حبه عز وجل، وفوق حب تلك الأصناف الثمانية وغيرها ممن يحب من الخلق" (تفسير المنار).

"وهذه المحبة هي أصل السعادة ورأسها التي لا ينجو أحد من العذاب إلا بها، والمحبة المذمومة الشركية هي أصل الشقاوة ورأسها التي لا يبقى في العذاب إلا أهلها، فأهل المحبة الذين أحبوا الله وعبدوه وحده لا شريك له لا يدخلون النار، ومن دخلها منهم بذنوبه فإنه لا يبقى فيها منهم أحد" (ابن القيم، الجواب الكافي ص199)، "وقد أمر الله سبحانه الخليل بذبح ولده، ولم يكن مراده سوى توطين نفسه على الامتثال والتسليم، وتقديم محبة الله على محبة الولد، فلما فعل ذلك رفع عنه الأمر بالذبح" (أحكام أهل الذمة:2/1152)..

2- طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام وتقديم محبته على من سواه:
قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31]، "هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنه كاذب في دعواه تلك، حتى يتبع الشرع المحمدي في جميع أقواله وأفعاله" (تفسير ابن كثير). 

"فالخطاب في الآية عام يشمل كل من ادّعى حبّ الله، أي طاعته واتّباع أمره، ولم يتّبع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم" (التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، للزحيلي)، وهذه الآية عند السلف الصالح تسمى آية المحبة التي يختبر الله بها كل من يدعي محبة الله ورسوله عليه الصلاة والسلام.

قال عليه الصلاة والسلام: «لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليهِ من والدِه وولدِه والناسِ أجمعينَ» (متفق عليه)، وعلامة ذلك تقديم طاعة الله سبحانه ورسوله عليه الصلاة والسلام على كل طاعة أخرى، وتقديم ما يحبه الله ورسوله على كل ما يحبه الناس حتى لو في ذلك سخط الناس جميعًا، "ومن لوازم محبة العبد لربه، أنه لا بد أن يتصف بمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهرًا وباطنًا، في أقواله وأعماله وجميع أحواله" (تفسير السعدي).

3- الاشتغال بطاعته وعبادته والتقرب إليه:
من أبرز العلامات الظاهرة لمحبتنا لله عز وجل، الاشتغال بطاعته وعبادته من تأدية الفرائض على أتم وجه، والاستكثار من النوافل، وعدم تضييع الأوقات بسفاسف الأمور وفضول الكلام، إن سلمنا من المعاصي والآثام، يقول الشاعر:

تعصي الإله وأنت تظهر حبه *** هذا محال في القياس بديع
لو كان حبك خالصة لأطعته *** إن المحب لمن يحب مطيع


قال ذو النون: "من علامة الحب ترك كل ما شغله عن الله حتى يكون الشغل كله بالله عز وجل وحده".
وقال أحمد بن أبي الحواري: "علامة حب الله حب طاعة الله".

4- محبة كلامه وكثرة تلاوته وتدبره:
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "من كان يحب أن يعلم أنه يحب الله عز وجل فليعرض نفسه على القرآن، فمن أحب القرآن فهو يحب الله عز وجل".

قال ابن القيم: "وكذلك محبة كلام الله، فإنه من علامة حب الله، وإذا أردت أن تعلم ما عندك وعند غيرك من محبة الله، فانظر محبة القرآن من قلبك، والتذاذك بسماعه أعظم من التذاذ أصحاب الملاهي والغناء المطرب بسماعهم، فإن من المعلوم أن من أحب محبوبًا كان كلامه وحديثه أحب شيء إليه، كما قيل:إن كنت تزعم حبي فلم هجرت كتابي؟ أما تأملت ما فيه من لذيذ خطابي" (الجواب الكافي، ص235).

قال سهل التستري: "من علامات حب الله حب القرآن، وعلامة حب الله وحب القرآن حب النبي عليه الصلاة والسلام، وعلامة حب النبي عليه الصلاة والسلام حب السنة، وعلامة حب السنة حب الآخرة، ومن علامة حب الآخرة بغض الدنيا، وعلامة بغض الدنيا أن لا يأخذ منها إلا زادا يبلغه إلى الآخرة" (استنشاق نسيم الأنس ص85).

5- كثرة ذكر الله عز وجل:
كثرة ذكر الله سبحانه يقود لاطمئنان القلب وانشراح الصدر، والاستئناس بالله عز وجل، ومن أحب شيئًا أكثر من ذكره وذكر كل ما يتعلق به، قال إبراهيم بن علي: "من المحال أن تعرفه ثم لا تحبه، ومن المحال أن تحبه ثم لا تذكره، ومن المحال أن تذكره ثم لا يوجدك طعم ذكره، ومن المحال أن يوجدك طعم ذكره ثم لا يشغلك به عما سواه" (قاعدة في المحبة، ص27)، ومن علامات محبة الله: "أن الإنسان يديم ذكر الله، يذكر ربه دائمًا بقلبه ولسانه وجوارحه" (شرح رياض الصالحين، ابن عثيمين).

6- الرضا بقضاء الله وقدره:
قال ذو النون المصري: "ثلاثة من أعلام المحبة: الرضا في المكروه، وحسن الظن به في المجهود، والتحسين لاختياره في المحذور"، وقال عبد الواحد بن زيد: "ما أحسب أن شيئًا من الأعمال يتقدم الصبر إلا الرضا، ولا أعلم درجة أشرف ولا أرفع من الرضا، وهو رأس المحبة".

7- الذل لله تعالى والانكسار بين يديه:
يقول الفضل الرقاشي: "والله لو جمع للعابدين جميع لذات الدنيا بحذافيرها لكان امتهانهم أنفسهم لله بطاعته ألذ".
قال ابن القيم: "فالرب تبارك وتعالى يريد من عبده الاعتراف والانكسار بين يديه والخضوع والذلة له والعزم على مرضاته" (كتاب الروح، ص270).

8- محبة كل ما يحبه الله سبحانه:
"ومن علامات محبة الله ورسوله أن يحب ما يحبه الله ويكره ما يكرهه الله، ويؤثر مرضاته على ما سواه، ويسعى في مرضاته ما استطاع، ويبعد عما حرمه الله ويكرهه أشد الكراهة، ويتابع رسوله، ويمتثل أمره ويترك نهيه" (من فتح المجيد نقله الشيخ عبد المحسن العباد)، وقال بشر بن السري: "ليس من أعلام الحب أن تحب ما يبغض حبيبك".

9- محبة الأنبياء والرسل والصالحين والمؤمنين:
"ومن لوازم محبة الله أيضًا محبة أهل طاعته كمحبة أنبيائه ورسله والصالحين من عباده، فمحبة ما يحبه الله ومن يحبه الله من كمال الإيمان" (شرح كتاب التوحيد، سليمان اللهيميد).

10- أن يكون رحيمًا بالمؤمنين شديدًا على الكافرين:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة من الآية:54]، فقد وصف الله سبحانه من يحبهم ويحبونه بأنهم أذلة رحماء مشفقون ليني الجانب مع المؤمنين، أشداء أعزة على الكافرين، فمن اختلت عنده هذه الصفات حصل خلل كبير ونقص عظيم بمحبته لله تعالى.

11- يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم:
كما قال تعالى في وصف من يحبهم ويحبونه: {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة من الآية:54]، "يقاتلون أعداء الله لإعلاء كلمته، وسبيل الله هو طريق الحق والخير الموصل إلى مرضاته تعالى، ومن أعظم الجهاد بذل النفس والمال في قتال أعداء الحق، وهو من أكبر آيات المؤمنين الصادقين" (تفسير حدائق الروح والريحان)، والجهاد في سبيل الله معناه شمولي بالنفس والمال واللسان والقلب.

كل محبوب سوى الله سرف *** وهموم وغموم وأسف
كل محبوب فمنه خلف *** ما خلا الرحمن ما منه خلف
إن للحب دلالات إذا *** ظهرت من صاحب الحب عُرِف


اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام