فضائل رجب وشعبان في الميزان
لله - سبحانه وتعالى- أزمنة وأماكن مخصوصة، ومعنى هذا الكلام أن الله - سبحانه - يختص برحمته من يشاء؛ ولذلك اختص أزمنة معينة بمزيد فضل ورعاية وعناية، فمن ذلك: أيام عشر ذي الحجة، ويوم النحر، وشهر رمضان، ويوم الجمعة وليلة القدر.
- التصنيفات: ملفات شهر رجب والإسراء والمعراج -
لله - سبحانه وتعالى- أزمنة وأماكن مخصوصة، ومعنى هذا الكلام أن الله - سبحانه - يختص برحمته من يشاء؛ ولذلك اختص أزمنة معينة بمزيد فضل ورعاية وعناية، فمن ذلك: أيام عشر ذي الحجة، ويوم النحر، وشهر رمضان، ويوم الجمعة وليلة القدر. ولله - سبحانه - خواص في الأمكنة فهو يختص برحمته ما يشاء فاختص المسجد الحرام بمزيد عناية ورعاية، فالمسجد الحرام هو أول مسجد وضع في الأرض، وفيه الصلاة بمائة ألف صلاة، وكذلك اختص المسجد النبوي والمسجد الأقصى فليس للإنسان أن يختص زماناً معيناً، ولا مكاناً معيناً إلا ما حدده الشرع، ولذلك كانت الأزمنة تتفاوت هذا التفاوت العظيم.
ومن تلك الأزمنة التي اختصها الله - تعالى -: الأشهر الحرم، اختصها الله - تعالى - بكونها حُرُماً، واصطفاها من بين سائر الأشهر، قال - تعالى -: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم(36) التوبة: 36. روى ابن جرير بإسناده عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في شأن تعظيم الله لحرمة هذه الأشهر الحرم قوله: "جعلهن حراماً، وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم"(1).
وكانت العرب في الجاهلية تحرم هذه الأشهر، وتعظمها، وتحرم القتال فيها. قال ابن كثير في تفسيره: "إنما كانت الأشهر الحرم أربعة ثلاثة سرد وواحد فرد؛ لأنهم يقعدون فيها عن القتال، وحرم شهر ذي الحجة؛ لأنهم يوقعون فيه الحج، ويشتغلون فيه بأداء المناسك، وحرم بعده شهراً آخر وهو المحرم؛ ليرجعوا فيه إلى أقصى بلادهم آمنين، وحرم رجب في وسط الحول؛ لأجل زيارة البيت، والاعتمار به لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب فيزوره ثم يعود إلى وطنه آمناً"(2).
ومما يتعلق بأحكام شهر رجب أمور منها:
أنه أحد الأشهر الحرم، وليس فيه فضل غير هذا؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - تعالى -: "لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضل رجب حديث آخر بل عامة الأحاديث المأثورة فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كذب... "(3).
وقد وضع أهل البدع أحاديث كثيرة في فضل هذا الشهر المحرم، وخصوصية بعض العبادات فيه؛ كالصلاة، والصيام. وقد نبه على هذا الحافظ ابن حجر العسقلاني في رسالته "تبيين العجب بما ورد في فضل رجب"، وقال - رحمه الله -: "لم يرد في فضل شهر رجب، ولا صيامه، ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصل للحجة"، وقال ابن رجب - رحمه الله -: "لم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص به". لذا فقد كره أكثر السلف إفراد رجب بالصيام.
ويقع في شهر رجب في عصرنا هذا أمور بدعية لا أصل لها من الشرع منها:
1- صلاة يسمونها بصلاة الرغائب؛ وهي تصلى في أول ليلة جمعة منه، ويضعون فيها أحاديث مكذوبة، وما قيل فيها من أحاديث فهي كذب مختلق، وكل حديث في صلاة رجب إما في أوله أو في وسطه أو آخره فموضوع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ كما بين ذلك العلماء.
2- تخصيص رجب بصيام، ولم يرد حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإفراده بالصوم، أو بصوم أيام مخصوصة منه، وقد جاء عن عمر رضي الله عنه أنه كان يضرب أكف المترجبين - أي الذين يصومون رجب - حتى يضعها في الطعام ويقول: "كلوا؛ فإن أهل الجاهلية يعظمون ذلك" أي شهر رجب.
3- الاعتمار في رجب خصوصاً من دون الشهور، واعتقاد أن العمرة فيه لها مزية دون غيره من الشهور؛ فهذا مردود على صاحبه.
4- من الأمور المحدثة في شهر رجب ما يعتقده كثير من الناس بأن الإسراء والمعراج قد حصل في ليلة سبع وعشرين من هذا الشهر، ولم يأت نص صريح بأن الإسراء والمعراج كان في ليلة سبع وعشرين ولم يثبت حتى من جهة التاريخ؛ فالمؤرخون مختلفون في وقت الإسراء اختلافاً كبيراً.
5- ما يقوم بعض الجهلة من الناس من تخصيص ليلة السابع والعشرين من شهر رجب بمزيد عناية ورعاية كالقيام، والاحتفال، وذكر بعض الأوراد، أو تخصيصها بورد معين أو بذكر معين، أو بعبادة معينة؛ فكل ذلك بدعة لم ترد عن رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من صحابته - رضي الله عنهم -.
فضل شهر شعبان:
لاشك أن لهذا الشهر فضلاً عند الله - عز وجل -؛ فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحرص أشد الحرص على الصيام في هذا الشهر، ويخصه بمزيد صيام، وكان يصوم في شعبان أكثر مما يصوم في غيره. جاء في الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لايصوم". وعنها قالت: "ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر كان أكثر منه صياماً في شعبان"(4).
وعن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر ما تصوم من شهر شعبان فقال: "ذاك شهرٌ يغفل، ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم"(5).
ومن المخالفات في هذا الشهر العظيم:
1- الصلاة الألفية: وتفعل يوم الخامس عشر من شهر شعبان، فيصلي بعض الناس مائة ركعة يقرأون في كل ركعة عشر مرات قل هو الله أحد، أو يصلون عشر ركعات ويقرأون في كل ركعة مائة مرة قل هو الله أحد، وهذه الصلاة موضوعة باطلة لا تصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفيها أحاديث باطلة موضوعة على النبي - صلى الله عليه وسلم - منها: "من صلى في شهر شعبان ينظر الله له سبعين نظرة، ويقضي له الله - تعالى - في كل نظرة سبعين حاجة أدناها المغفرة"، وروي أيضاً أنه يعطى سبعين ألف حوراء، ولكل حوراء سبعون ألف ولدان، ويشفع والده في سبعين ألفاً، وكل حاجة طلبها في تلك الليلة أعطيها، وهذا باطل أيضاً، لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بل هو كذب.
2- زعم بعضهم أن ليلة النصف من شعبان هي أفضل من ليلة القدر، وهذا باطل ولم يرد فيه دليل.
3- زعم بعضهم أن ليلة الخامس عشر من شعبان هي الليلة المباركة المقصودة بقوله - تعالى -: " إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين 3 "الدخان: 3، والصحيح أن هذه الليلة في شهر رمضان، قال ابن العربي - رحمه الله - تعالى -: "من قال بأنها ليلة النصف من شعبان فقد أعظم الفرية على الله"(6).
4- قالوا: إن هذه الليلة تسمى ليلة الحياة، فلا يموت فيها أحد أبداً، ولو مات فيها أحد قالوا: لقد أخطأ الناس حساب هذه الليلة.
5- قالوا: تسمى ليلة الرحمة والغفران، وهي ليلة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الله أنزل فيها: " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما 56 "الأحزاب: 56 وهذا باطل أيضاً.
6- ومن المخالفات: اجتماع بعض الناس بعد صلاة المغرب والعشاء، ويقرأون سورة (يس) ثلاث مرات بصوت جماعي، ويقول الإمام: إقرؤوا الدعاء بعد ذلك. وهذا أيضاً باطل ولا دليل عليه.
ــــــــــــــــ
الهوامش:
1- جامع البيان في تفسير القرآن (366/6).
2- تفسير ابن كثير: (1165/4).
3- اقتضاء الصراط المستقيم (628/2).
4- أخرجهما البخاري ومسلم من حديث عائشة، البخاري (1969)، ومسلم (1156).
5- أخرجه النسائي رقمه: (2357) وأبو داود رقم: (2439) وصححه ابن خزيمة.
6- أحكام القرآن (117/4).
تركي بن عبادي خضري