دور القبيلة اليمنية يزدهر بعد عاصفة الحزم

بعد أن اضمحل دور القبيلة في اليمن بسيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء ومعظم المحافظات الشمالية، وسقوط معاقل كبرى القبائل اليمنية (قبيلة آل الأحمر) في حاشد، عاد الدور إلى ملعب القبائل اليمنية بعد دخول عاصفة الحزم يومها السادس في ضرب قوة الحوثيين العسكرية.

بعد أن اضمحل دور القبيلة في اليمن بسيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء ومعظم المحافظات الشمالية، وسقوط معاقل كبرى القبائل اليمنية (قبيلة آل الأحمر) في حاشد، عاد الدور إلى ملعب القبائل اليمنية بعد دخول عاصفة الحزم يومها السادس في ضرب قوة الحوثيين العسكرية.

ويرى الكثير من المراقبين للمشهد اليمني، أن هناك محاولات لإبعاد القبيلة اليمنية عن الدور الذي كانت تمارسه في حماية وحفظ النظام الجمهوري منذ ثورة 62 التي قامت على رقاب أبناء القبائل، والدليل على ذلك هو السكوت الذي مارسته قوى محلية واقليمية ودولية بل ومشاركتها في تفكيك قبائل حاشد وبكيل في الشمال، وقبائل مأرب وشبوة والجنوب.

وقد لعبت القبائل اليمنية دورًا في دعم الثورات اليمنية منذ ثورة 48 ومرورًا بثورة 26 سبتمبر، ووصولًا إلى ثورة فبراير 2011م، ففقي 1963 دعمت القبائل ثورة 14 أكتوبر في مناطق الجنوب، والتي خرجت ضد الاستعمار البريطاني، كما أن علي عبدالله صالح أنشأ مصلحة خاصة لشؤون القبائل كمؤسسة حكومية تضم شيوخ ووجهاء من القبائل، لها سلطة في صناعة القرار في البلاد، من خلال معرفته للدور الذي تقوم به القبائل في اليمن.

وشاركت القبائل بقوة في الاحتجاجات التي اندلعت ضد نظام علي عبدالله صالح في فبراير 2011م، وطالبت بإسقاطه، وبعدها خاضت مواجهات كبيرة مع الحوثيين ولا تزال عدد من القبائل تقاوم في أكثر من منطقة.

ولعل الحاجة إلى دور القبائل في هذه الأيام أكثر مما كان سابقًا بعد عزم المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي ودول عربية أخرى بحسم مسألة الانقلاب الحوثي وإعادة الشرعية للرئيس المنتخب عبدربه منصور هادي ومؤسسات الدولة الشرعية.

وتكمن أهمية القبائل في هذه الظروف، أن الضربات الجوية التي تنفذها قوات التحالف لن تتمكن من إبعاد الحوثيين عن المناطق التي سيطروا عليها وممارستهم دور السلطات الحكومية، بل سيتطلب وجود قوات برية للتقدم في ظل التغطية الجوية التي تمارسها قوات التحالف، وهذا الدور سيتطلب وجود رجال القبائل الأشداء من قبائل مأرب وشبوة، وحضرموت وعدن وإب والبيضاء صوب العاصمة صنعاء والمدن الأخرى لتحريرها من الانقلابيين الحوثيين.

ولعل هذا الأمر يزداد أهمية، كون الجيش اليمني أصبح مفككًا ومنقسما في ذاته، بل أن ما يقارب 80% من قوات الجيش أصبحت تحت سيطرة الحوثيين وقوات الحرس الجمهوري الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح، وهو ما يعني أن هناك صعوبة في استخدام هذه القوات ضد الحوثيين، في حين لم يتبقى من الجيش الموالي للرئيس هادي إلا بعض الكتائب والألوية الجنوبية في عدن ومأرب وشبوة ولن تنجح هذه القوات البسيطة في التقدم نحو صنعاء إلا بمشاركة قوية من رجال القبائل.

إشكالية التنظيم

أكبر اشكالية تقف أمام القبائل هو عدم وجود تنظيم يقودها أو قائد عسكري رمزي تأتمر بأمره، فالقبائل كثيرة ومشتته وتحتاج إلى قيادة عامة وموحدة، وتأسيس أشبه بالتحالف العام المشترك للدفاع عن الشرعية ومواجهة الانقلاب الحوثي.

حتى الآن لا تزال القبائل الموالية للرئيس هادي تخوض معارك شرسة ضد الانقلابيين الحوثيين، كل قبيلة في مناطق تواجدها من دون أن تحصل على أدنى دعم محلي أو اقليمي، أو حتى خطوط عريضة في كيفية سير المواجهات ومحاور التقدم والتأخر.

ويرابط الآلاف من رجال القبائل اليمنية على مشارف محافظاتهم بكامل عتادهم، تحسبًا لأي هجوم من الانقلابيين الحوثيين، ففي مدينة شبوة، أعلنت قبيلة بني هلال وقبائل أخرى استعدادها للدفاع عن شرعية الرئيس هادي في مواجهة الحوثيين.

وتشكّل قبائل بني هلال ثلث سكان محافظة شبوة، وتنقسم إلى 3 قبائل كبرى، هي آل النسي وآل خليفة وآل نمارة، ولهذه القبائل امتداد إلى محافظة حضرموت المجاورة، ويشكل عدد سكان محافظة شبوة 2،5 بالمئة من إجمالي سكان البلاد وفقًا لآخر تعداد سكاني عام 2004، لكنها تحظى بأهمية كبيرة لوجود الثروة النفطية بها، فضلا عن موقعها الاستراتيجي في جنوب شرقي اليمن، وربطها بين المناطق الجبلية والصحراوية من جهة والبحر (البحر العربي) من جهة ثانية.

أما قبائل العوالق (كبرى قبائل محافظة شبوة) فقد أعدت 3 آلاف مقاتل لحماية المحافظة من المليشيات المسلحة من خارجها، مضيفة: "لن نسمح لأي ميليشيا بدخول المحافظة، وسنقاتل كل من يحاول دخول مديريات شبوة من خارجها".

أما قبائل يافع، الواقعة أراضيها جنوبي البلاد، فعادت إلى صدارة الاهتمام من جديد، لكن عبر بوابة الصراع الذي تقوده جماعة الحوثي القادمة من محافظات الشمال. وتصوّب الأنظار نحو جبل (العر)، الذي ارتبط اسمه بالعديد من المعارك، في واحدة من أشدّ مناطق الجنوب اليمني وعورة، في انتظار معركة وشيكة ستكون حاسمة، وسيُحدد من خلالها مستقبل محافظات الجنوب اليمني قاطبة.

وتقف قبائل يافع على تخوم جبل (العر)، فيما يتأهب المسلحون الحوثيون، في حال أحكموا سيطرتهم الكاملة على محافظة البيضاء وسط اليمن، لمهاجمة يافع، باعتبارها البوابة التي سيدلف منها مسلحو الجماعة نحو الجنوب. كما أن القبائل في مدينة البيضاء لا تزال تكبد الانقلابيين الحوثيين خسائر فادحة في الأرواح والعتاد العسكري، خصوصًا في مديرية ذي ناعم، ومدينة رداع.

قوة القبيلة

من الجيد معرفة أن المجتمع اليمني مجتمع قبلي، أي أن أبناء القبائل يشكلون ما يزيد عن 80% من أفراد الشعب اليمني، حيث تواجد أكثر من 200 قبيلة يمنية، بل وصل البعض إلى القول بأن القبائل تزيد عن 400 قبيلة، وبالتأكيد أن اجتماع هذه القبائل تحت راية واحدة وتحت قيادة موحدة ستمثل دورًا مفصليًا في استعادة شرعية الدولة المسلوبة، واعادة الاستقرار إلى اليمن وتشكيل جيشه الوطني الممثل عن كل الأراضي اليمنية وليس المحسوب على أُسر ومناطق بعينها كما كان بعهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح.

ومن الطبيعي أن أي طرف يستطيع كسب ود القبائل سيحسم المعركة في نهاية الأمر، فالحوثيون كسبوا بعض القبائل في حين تركت السعودية ودول الاقليم عدد كبير من القبائل الموالية لها تتعثر أمام التقدم الحوثي، وبالتأكيد أن الأمور تغيرت كثيرًا بعد دخول عاصفة الحزم على الخط، فالقبائل تعرف أن الشرعية ودول الإقليم هي الأبقى لها من المليشيات وبالتالي ستنضم في أي تحالفات قد يعلن عنها لمواجهة الانقلابيين الحوثيين.

وفي حال نجح الرئيس عبدربه منصور هادي والمملكة العربية السعودية أن تجعل كبرى القبائل الموجودة في الجنوب والشمال تتماسك في صفها، فإن المعركة سوف تتغير في الأرض لصالح قوات التحالف، خصوصًا إذا ركزنا على أن أغلب القبائل اليمنية سنية شافعية، وستقود حربها بعقائدية واضحة، كما أن من السهل على السعودية أن تستقطب تلك القبائل كون أغلب تلك القبائل كانت ولا تزال ترتبط بمصالح كبيرة بالمملكة.

ومن غير المستبعد أن هناك تنسيق مبدأي بين المملكة العربية السعودية وكبار مشايخ القبائل في الجنوب والشرق من أجل دعم عاصفة الحزم، والبدء بالتحرك على الأرض لدحر الحوثيين من المناطق التي سيطروا عليها.

كما أن قبائل حضرموت القوية والتي شكلت حلفًا كبيرًا له تأثيره في المدينة، ينظر له كمكون قبلي رئيسي في المناطق الشرقية وله علاقاته الواسعة والتاريخية مع المملكة العربية السعودية، وبالتالي من الممكن أن يتم الاستفادة من خدمات هذا الحلف الواسع الذي أصبح له تأثيرًا فاعلًا منذ تأسيسه في 4 يوليو 2014م.

ورغم أن علي عبدالله صالح وجماعة الحوثي لا تزال تملك الكثير من نقاط القوة في البعد القبلي، لكن التقدم الذي تمارسه قوات التحالف العربي على الأرض في قصف القوة العسكرية للحوثيين قد يغير من موازين القوة ويغير الكثير من قناعات القبائل التي ظللها علي عبدالله صالح وأغراها عبدالملك الحوثي بالمال والسلاح.

 

أحمد الصباحي