الوصية

عبد اللطيف بن هاجس الغامدي

فمن رحمة الله بك أن أذن لك بالاستثمار في مالك بعد وفاتك، وتصدَّق عليك بثلث مالك، فتوصي به في وجوه الخير، وسبل المعروف، لتجني ثمرته وتحصد بركته بعد رحيلك

  • التصنيفات: فقه الزكاة -

الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا، والصلاة والسلام على خير الأنام سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد:

فما أجمل أن تجد في مواطن البلاء من يقف معك، ويشدُّ من أزرك، ويمدُّ بيده إليك، وأنت في أمسِّ الحاجة إليه، وأعظم الرغبة فيه!

ذلك هو الصديق الذي لا يخون، والصاحب الذي لا يمكر، والمعين الذي لا يغدر. إنه عملك الصالح من الإيمان والطاعة والعبادة، فأنت تحيا معه في سعادة، ولا يتخلَّى عنك عند موتك، ويلحق بك في قبرك، ويتبعك في يوم نشرك وحشرك.

فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأخلاّءُ ثلاثةٌ، فأما خليل، فيقول: أنا معك حتى تأتي باب الملك، ثم أرجع وأتركك، فذلك أهلك وعشيرتك، يشيعونك حتى تأتي قبرك، ثم يرجعون فيتركونك، وأما خليل فيقول: لك ما أعطيت، وما أمسكتَ فليس لك، فذلك مالك، وأما خليل فيقول: أنا معك حيث دخلت، وحيث خرجت، فذلك عمله، فيقول: والله! لقد كنتَ من أهون الثلاثة عليَّ» (رواه الحاكم في المستدرك، انظر: صحيح الترغيب والترهيب الألباني 1/386 910).

 

وسوف تُصاب عند موتك في مالك بمصيبتين؛ فقده كلُّه، والسؤالُ عنه كُلُّه، فلا يكن مال غيرك أحبُّ إليك من مالك. فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيُّكُم مالُ وارثه أحبُّ إليه من ماله؟» قالوا: يا رسول الله! ما مِنّا أحدٌ إلا مالُهُ أحبُّ إليه. قال: «فإنَّ مالهُ ما قدَّم ومالُ وارثه ما أخَّر» (صحيح البخاري:7/226-6442).

 

استثمر في مالك بعد مماتك

فمن رحمة الله بك أن أذن لك بالاستثمار في مالك بعد وفاتك، وتصدَّق عليك بثلث مالك، فتوصي به في وجوه الخير، وسبل المعروف، لتجني ثمرته وتحصد بركته بعد رحيلك عنه وحرمانك منه، فلا تبخل على نفسك بما جمعته يداك، فالوصيَّة نهر من الحسنات يجري، يرتشف منه في قبره بعد وفاته من أجراه في حياته، فلا تكونن من المحرومين.

فعمرك وإن طال قصير، وحياتك وإن امتدَّت إلى نهاية، فلا تُطوى صحائف أعمالك، بانتهاء آخر صفحات حياتك، وليكن لك حبل من العمل الصالح ممدود!

 

قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة:180]. فربما بالوصية تنال من الحسنات بعد مماتك أكثر مما نلت منها في حياتك، وترفع درجتك عند ربِّك بما قدَّمت بين يديك من عمل صالح، وما أخَّرت خلف ظهرك من صدقات جارية بفعلك، أو بوصيِّتك، أو بوقفك تتبعك وأنت في لحدك لوحدك بلا أنيس أو جليس.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عملُه إلا من ثلاث؛ صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» (صحيح مسلم: 3/1016-1631).

 

والوصية نبعٌ من الخير يجري، وقطرٌ من الغيث يهمي، فهي امتداد عملك الصالح بعد وفاتك، فلا يجف نهر حسناتك بموتك! فأسرج بالوصية في قبرك شمعة ضياء، تنير لك حالك الظلمات في بطون الألحاد،ولا تبخل على نفسك بخير، وقدِّمه بين يديك، فلن يكون غيرك أكرم منك عليك!

 

نماذج من الصدقات الجارية

هذه نماذج مباركة من الصدقات الجارية التي ينتفع بها الميت في قبره لأنه أجراها في حياته، أو أمر بها في وصيَّته، أو جاد بها عليه أبناؤه بعد وفاته.

عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبعٌ يجري للعبد أجرهنَّ وهو في قبره بعد موته: من علَّم عِلمًا، أو أجرى نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجدًا، أو ورَّث مُصحفًا، أو تركَ ولدًا يستغفر لهُ بعد موته» (أخرجه ابن خزيمة والبيهقي، انظر: صحيح الترغيب والترهيب 1/36 74).

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته، علمًا نشره، وولدًا صالحًا تركه، أو مصحفًا ورَّثه، أو مسجدًا بناه، أو بيتًا لابن السبيل بناه، أو نهرًا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته» (صحيح سنن ابن ماجه:1/46 198).

 

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حفر بئر ماءٍ لم يشرب منه كبدٌ حرَّى من جنٍ ولا إنسٍ، ولا طائرٍ إلا آجره الله يوم القيامة» (رواه ابن خزيمة، انظر: صحيح الترغيب والترهيب:1/110 267).

 

 عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسولا الله صلى الله عليه وسلم: «من علَّم علماً فله أجرُ مَن عمِلَ به، لا ينقُصُ من أجر العاملِ شيءٌ» (صحيح سنن ابن ماجه:1/46 196).

 

عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من علَّم آية من كتاب الله عزَّ وجلَّ كان له ثوابها ما تُليت» (أخرجه أبو سهل القطان في حديثه عن شيوخه، انظر: السلسلة الصحيحة:3/323-1335).

 

عن أبي أمامة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربعةٌ تجري عليهم أجورهم بعد الموت؛ من مات مرابطًا في سبيل الله، ومن علَّم علماً، أُجري له عمله ما عُمل به، ومن تصدَّق بصدقة، فأجراها يجري له ما وُجدت، ورجل ترك ولداً صالحاً يدعو له» (رواه أحمد في المسند، انظر: صحيح الجامع رقم:890).

 

أحكام مهمة في الوصية

1- يشرع للمسلم أن يوصي لنفسه بجزء من ماله ينفق في وجوه الخير والبر بعد مماته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله تصدَّق عليكم عند وفاتكم، بثلث أموالكم، زيادة لكم في أعمالكم» (صحيح سنن ابن ماجه:2/111-2190).

 

2- تجب كتابة الوصية على من له أو عليه حقوق للناس. فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما حقُّ امرى مُسلمٍ له شيءُ يُوصي فيه، يبيتُ ثلاثَ ليلٍ إلا ووصيَّتهُ عندهُ مكتُوبةٌ» (صحيح البخاري:3/253-2738، وصحيح مسلم:3/1012-1628).

 

3- يستحب للموصي كتابة الوصية والإشهاد عليها.

 

4- يحرم الجور والظلم فيها، وللظلم صور، منها:

أ- الوصية بأكثر من الثلث في المال، ولا تنفذ إلا بإجازة الورثة.

فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: عادني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من وجعٍ أشفيتُ منه على الموت، فقلت: يا رسول الله! بلغني ما ترى من الوجع، وأنا ذو مالٍ، ولا يرثني إلا ابنةٌ واحدةٌ، أفأتصدَّقُ بثلثي مال؟ قال: «لا» قال: قلتُ: أفأتصدق بشطره؟ قال: «لا. الثلثُ، والثلثُ كثيرٌ، إنك إن تذر ورثتك أغنياء، خيرٌ من أن تذرهم عالةُ يتكفَّفون الناسَ» (صحيح البخاري:3/254-2742 وصحيح مسلم:3/1013-1628).

ب- تفضيل بعض الورثة على بعضهم. فعن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا وصية لوارث».

ج- حرمان من له حق في الإرث من نصيبه المقدَر شرعًا. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّّ الرجل ليعمل بطاعة الله سبعين سنة ثم يحضره الموت فيضار في الوصية فتجب له النار» (رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه).

 

5- تحرم الوصية بإنفاق المال في وجوه الحرام. فقد قال الله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2].

 

6- لا يُعمل بالوصية في المال إلا بعد إخراج نفقة تجهيز الميت، وإخراج ما وجب في تركة المتوفى من الواجبات الشرعية كالزكاة المتأخرة ونفقة الحج لغير عذر والنذور والكفارات (فدين الله أحق بالقضاء)، ثم استيفاء ديون الناس وما في ذمَّته من حقوقهم.

 

نموذج للوصية الشرعية:

(الصيغة ليست إلزامية فلم يرد فيها دليل بالنص على صيغتها)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا ما أوصى به الفقير إلى رحمة الله وهو في حالته المعتبرة شرعًا من كمال عقله وسلامة إدراكه: ...

(يوصيهم بما شاء من أمر الآخرة والدنيا)

وأوصي بأن ينفق:

ثلث تركتي (ربعها خمسها سدسها سبعها ثمنها تسعها عشرها)

مبلغ وقدره  (    )، نسبة (  % ) منها، في وجوه الخير والمعروف كالتالي:

طباعة المصاحف

بناء المساجد

حفر الآبار والمشاريع المائية

المستوصفات والمراكز الصحية

بناء المراكز الإسلامية

طباعة الكتب والأشرطة الشرعية

كفالة الأيتام

نشر العلم الشرعي

الأوقاف الخيرية

الأربطة

المساكين والأرامل

تنمية الموارد

الصدقات الجارية

تجهيز الموتى

بناء المساكن للمحتاجين

تحافيظ القرآن الكريم

المشاريع الموسمية والطارئة

أخرى

وهي:............................................................

وأوصي بأن تكون مؤسسة (   ) أو (اسم القائم على الوصية ) الناظر والقيم على تنفيذ هذه الوصية، والله خير الشاهدين.

 

الموصي:

شاهد أول:

شاهد ثاني:

المصدر: موقع هاجس