للإسلام طبيعة، وللشيطان عبيد

مدحت القصراوي

والتربية على العقيدة الصحيحة تجعل الشخص قوي الرؤية، والتربية على الجهاد تجعل الشخص مناضلًا، وتجعل هذا النضال رفيقًا لإيمانه إلى الممات، ومثل هذا لا يُكسر بإذن الله.

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

لا يستقيم الإسلام إلا بالتمسك بالأصول الكبار والقواعد والعقيدة، ومعها التمسك بروح النضال المستمر. ولذلك تجد اقتران الإيمان بالجهاد، الجهاد بمعناه الواسع؛ فإن تربى على كتاب الله تعالى فإنه لا بد أن يرى الإيمان بالله واليوم الآخر بتوحيد الله تعالى وإقرار حقوقه الخالصة، ويقرن تعالى بها دائمًا الجهاد في سبيل الله تعالى.

{لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ . إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [التوبة:44، 45]، {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ} [الصف:10، 11]، إلى آيات كثيرة لا تُحصر.

والتربية على العقيدة الصحيحة تجعل الشخص قوي الرؤية، والتربية على الجهاد تجعل الشخص مناضلًا، وتجعل هذا النضال رفيقًا لإيمانه إلى الممات، ومثل هذا لا يُكسر بإذن الله.

من يحيد عن أصل قضية الصراع ولا يدرك ماهيته، ويترك تعلم وفهم أو بيان أصل هذا الدين مهما واجه في الواقع، فيحيد عن هذا البيان لقوة وضخامة الباطل في حسه، ويتمسك ببعض السمت الظاهر يجعلها شعاره دون ربطها بأصل القضية، أو بعض الأخلاق يتحدث فيها دون أن يربطها بعمق العقيدة التي تستوجب قبول شريعته كاملًا، أو يصبح تحت الطلب لأي موقف- فمثل هذا وذاك يأخذ شهرة وأمنًا إلى حين، لكنه لن يبقى كذلك لأن للإسلام طبيعة وللباطل طبيعة وبينهما معركة لها طبيعتها العقدية والنضالية. ولن يترك الله عبيده إلا أن يختبرهم، ولن يترك الباطل من يهادنه إلا أن يكون جنديًا مخلصًا له.

ومن يحاول أن يتصور أنه يمكن أن تكون طبيعة المعركة مختلفة عن هذا وأنها معركة على اللحى أو أن الإسلام هو التعايش ذليلًا ممسوخًا أمام عدوه، أو أنه سلعة للتربح والظهور في الإعلام أو كثرة الأتباع- من ظن هذا فهو واهم.

يجب أن يفهم الجميع أنه ليس ثمة موقف ثابت؛ أما من قِبل الله تعالى فالله تعالى لا يترك العبيد عند حالة معينة طالما هم أحياء مختبَرون؛ قال صلى الله عليه وسلم: «تُعرَضُ الفِتَنُ على القُلوبِ عَرْضَ الحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فأيُّ قلبٍ أُشْرِبَها نُكِتَتْ فيه نُكتةٌ سَوداءُ، وأيُّ قلبٍ أنْكَرَها نُكِتَتْ فيه نُكتةٌ بيضاءُ، حتى يصِيرَ القلبُ أبيضَ مثلَ الصَّفا، لا تَضُرُّه فِتنةٌ ما دامَتِ السمواتُ والأرضُ، والآخَرُ أسودَ مُربَدًّا كالكُوزِ مُجَخِّيًا، لا يَعرِفُ مَعروفًا، ولا يُنكِرُ مُنكَرًا، إلا ما أُشْرِبَ من هَواه» (صحي الجامع:2960)، فلا يترك الله تعالى العبيد على حالة واحدة وإنما {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء:35]، {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك:2]، {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ} [الإنسان:2].

وأما من قِبل الشيطان فللشيطان مملكة يستعمل فيها عبيده، هذا في إشعال النار وذاك في قتل الأخيار، والثالث في حمل مزابل الشياطين على كتفه والتقوت من بقاياها، حيث يستعملهم الشيطان وجنوده منديلًا ورقيًا كلما أثبتوا سَماكة استعملهم أكثر من مرة عند اللزوم وإلا فمرة واحدة.

لا تحزن فثمة أخيار يستعصون على التضليل والإيحاء والاستخفاف والشراء والابتزاز، ثمة من تمسكوا بدينهم وعقيدتهم وحافظوا على النضال طول الطريق؛ فما أسعدهم وما أسعد الأمة بهم.

لا يمكن لهذا الدين أن يقوم في نفس إلا أن تفهم عقيدته وتتمسك به وأن تعتمد النضال وتتلبس بروحه وتعزم على التضحية فتوهب لها الحياة لإقامة هذا الدين. هكذا قال الله تعالى وهذا هو نص الآيات سالفة الذكر وغيرها كثير. ومن لم يلتفت للأصل العظيم تفاديًا من الاتهامات الجاهزة والمعلبة، وافتقد روح النضال، فلا بد من السقوط.

إن الباطل لن يترك المتكلم في الفروع والسمت فقط ليتكلم فيها دون أن يساند الباطل الذي يسعى في اجتثاث الإسلام من أساسه هوية وشريعة، ولن يترك من يتكلم في بعض الأخلاق –بزعمه- دون أن يدعم الباطل الذي أتى بالإباحية المطلقة! ولن يترك الباطل من يحب الظهور في الإعلام وجمع الناس ليجمعهم على بعض الحديث في بعض جُمل الدين التي لا تغضب أحدًا ولا تطالب بالتغيير الجذري ليتكلم فيها دون أن يساند من يريد مصادرة الإسلام دون إبقاء إلا على ما يرضى عنه العلمانيون وبشروطهم.

إن الباطل نجح أن يستخرج للجميع أنيابًا ومخالب فأصبحوا جميعًا موغلين في دماء المسلمين مبررين أو آمرين أو (يؤزّون) أو يتدارؤون أو لا يشعرون بدماء المسلمين! لن يترك الباطل من يتزحزح خطوة عن المبدأ والنضال حتى يتلوث بل يغرق. إنها قسمة فلينظر الناس ما نصيبهم، ويتوب الله على من تاب.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام