فقه الجهاد
عبد اللطيف بن هاجس الغامدي
وبهذا أدندن على أهمية العلم الشرعي للمجاهدين، وأهمية الرجوع للعلماء الثقات الأثبات ولن تعدمهم الأمة وإلا ستدور علينا الدوائر، وسنحفر بأيدينا قبورنا، وسنجني على أنفسنا وديننا من حيث أردنا الإحسان إليه
- التصنيفات: فقه الجهاد -
إن للجهاد -ككل شعيرة دينية- أحكامًا شرعية، لا يسع المجاهدين جهلها أو الغفلة عنها، حتى لا يعملوا السوء وهم يهربون منه، فهم يبذلون المهج، ويجودون بالأرواح، ويرخصون النفوس طلبًا لمرضاة الله والجنة، ورفعة للدين وأهله، فهل يعقل أن يبذل العبد أغلى ما لديه، ويحمل روحه فوق رمحه، ونفسه مع طرف سهمه، ليبذلها في مكان غير صحيح، أو في مكان غيره خيرًا منه، أو في مكان مفسدته أكبر من مصلحته؟! لا يقول بهذا عاقل أو يماري فيه مجادل!
فالواجب الشرعي العيني على كل مجاهد أن يتفقه في دين الله تعالى، ويدرس أحكام الجهاد قبل أن يقدم عليه، ويكون له من العلماء الأتقياء مرجعية علمية يأخذ بقولهم فيما وافق الحق سواء كان الحكم له أو عليه، حتى لا يتخبط في مسيرته، أو يسيء إلى دينه وأمته، ويجلب الشر لقضيته. وويل للجهاد من أهله إن اتخذوا رؤوسًا جهالًا تحكمهم العواطف الحماسية قبل النصوص الشرعية، وتسيرهم الأحداث والوقائع قبل صياغة أحكامها بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة!
إنكم -أيها المجاهدون- مسؤولون عن سمعة الجهاد، وتبعًا لزامًا عن الدين وسمعته، وتقدير المفاسد والمصالح فيما تقومون به، لأنكم باحثون عن الحق، وبه تعدلون، ومن أجله تناضلون، فهل من وقفة صادقة مع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قضية اهتمامه وعنايته بسمعة الدين وأهله، لنرى كم هو التقصير كبير من بعضنا نحو ديننا، والمرد في ذلك إلى الجهل بالحكم والأحكام.
ففي صحيح البخاري في كتاب المناقب عن جابر رضي الله عنه قال: "غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتى كثروا، وكان من المهاجرين رجل لعاب، فكسع أنصاريًا، فغضب الأنصاري غضبًا شديدًا، حتى تداعوا، وقال الأنصاري: يا للأنصار! وقال المهاجري: يا للمهاجرين! فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: « » ثم قال: « » فأخبر بكسعة المهاجري الأنصاري. قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « ». وقال عبد الله بن أبي ابن سلول: أقد تداعوا علينا، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فقال عمر: ألا نقتل يا رسول الله هذا الخبيث؟ لعبد الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « »".
وأخرج أبو داود في سننه في كتاب الجنائز عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قيل له: يا أبا حمزة غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: "نعم، غزوت معه حنينًا، فخرج المشركون فحملوا علينا حتى رأينا خيلنا وراء ظهورنا، وفي القوم رجل يحمل علينا، فيدقنا ويحطمنا، فهزمهم الله، وجعل يجاء بهم فيبايعونه على الإسلام، فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: إن علي نذرًا إن جاء الله بالرجل الذي كان منذ اليوم يحطمنا لأضربن عنقه. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجيء بالرجل، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله! تبت إلى الله. فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبايعه، ليفي الآخر بنذره، قال: فجعل الرجل يتصدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليأمره بقتله، وجعل يهاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتله، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يصنع شيئًا، بايعه فقال الرجل: يا رسول الله! نذري؟ فقال: «
». فقال: يا رسول الله! ألا أومضت إلي! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « »".إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشف ما في صدره ولم يُذهب غيض قلبه بقتل الرجل في الحالين، وإنما ترك ذلك لمصلحة عظيمة وهي أن تبقى سمعة الدين والحاملين له والمدافعين عنه، فوق أن تُخدش أو توصم بما ليس فيها. إنها مصالح شرعية يجب الأخذ بها والعمل لها قبل أن تنجرف نفوسنا للأخذ بثأرها من أعدائها، فالمصالح الشرعية العامة مقدمة على حظوظ النفوس الخاصة.
أتساءل أيها الكرام من يقدِّر هذه الأحكام والنصوص إلا العالم بها والفاهم لمقتضاها والواقف على لوازمها؟
وبهذا أدندن على أهمية العلم الشرعي للمجاهدين، وأهمية الرجوع للعلماء الثقات الأثبات ولن تعدمهم الأمة وإلا ستدور علينا الدوائر، وسنحفر بأيدينا قبورنا، وسنجني على أنفسنا وديننا من حيث أردنا الإحسان إليه، ورضي الله عن عبد الله بن مسعود حين قال: "رب مريد للخير لم يصبه"!
وإذا تاهت الخطوات ضللنا الطريق، وإذا سقطت منائرنا فأنَّى للآذان أن تسمع لصوت الأذان!!