(3) فضائل الاستغفار

"الاِسْتِغْفَارُ الْمَطْلُوبُ هُوَ الَّذِي يُحِل عُقْدَةَ الإْصْرَارِ، وَيَثْبُتُ مَعْنَاهُ فِي الْجَنَانِ، لاَ التَّلَفُّظُ بِاللِّسَانِ، فَإِنْ كَانَ بِاللِّسَانِ -وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى الْمَعْصِيَةِ- فَإِنَّهُ ذَنْبٌ يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِغْفَارٍ"

  • التصنيفات: الذكر والدعاء - الحث على الطاعات -

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين. الاستغفار هو طلب المغفرة من الله تعالى، والمغفرة ستر الذنوب وتجاوز الزلات، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر ربَّه في اليوم مائة مرة، فحري بجميع المسلمين أن تعتاد ألسنتهم وقلوبهم الاستغفار مما عساهم قد اقترفوا.

 

"الاِسْتِغْفَارُ الْمَطْلُوبُ هُوَ الَّذِي يُحِل عُقْدَةَ الإْصْرَارِ، وَيَثْبُتُ مَعْنَاهُ فِي الْجَنَانِ، لاَ التَّلَفُّظُ بِاللِّسَانِ، فَإِنْ كَانَ بِاللِّسَانِ -وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى الْمَعْصِيَةِ- فَإِنَّهُ ذَنْبٌ يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِغْفَارٍ" (الموسوعة الفقهية:4/35). الاستغفار دواء القلوب من الذنب، الذي هو أساس كل بلية؛ قال قَتَادَةَ: "إِنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّكُمْ عَلَى دَائِكُمْ وَدَوَائِكُمْ، أَمَّا دَاؤُكُمْ فَذُنُوبُكُمْ، وَأَمَّا دَوَاؤُكُمْ فَالِاسْتِغْفَارُ". انتهى من (شعب الإيمان:9/ 347)، فالاستغفار من نعم الله تعالى العظيمة وفيما يلي بيان لفضائل الاستغفار في القرآن الكريم والسنة النبوية:

 

قال الله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}  [نوح:10- 12].

 

الاستغفار سبب من أسباب حياة القلب وهدايته ونوره، ذلك أنه سبب لرحمة الله تعالى، قال الله تعالى: {لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النمل:46]، وقال بعض السلف: "ما ألهم الله سبحانه عبدًا الاستغفار وهو يريد أن يعذبه". انتهى من (إحياء علوم الدين:1/ 313).

الاستغفار يزيد الإنسان قوة؛ قال الله تعالى حكاية عن نبيه هود عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ} [هود:52].

 

عَنِ الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ رضي الله تعالى عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ، فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ» (مسلم)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "والغين حجاب رقيق أرق من الغيم، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه يستغفر الله استغفارا يزيل الغين عن القلب" انتهى من (مجموع الفتاوى:15/283).

 

روى أبو داود عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما قَالَ: إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» (صححه الألباني في صحيح أبي داود).

 

عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ» (رواه النسائي في (السنن الكبرى:6/114) وأحمد في (المسند:2/450) وحسنه محققو المسند).

 

روى أحمد، والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ، فَذَاكَ الرَّيْنُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ: كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ» (حسنه الألباني في صحيح الترمذي).

 

قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: "ما رأيتُ أحدًا أكثر من أن يقول: أستغفر الله وأتوب إليه مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم" رواه النسائي في (السنن الكبرى:6/118).

 

عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي، اغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ». قَالَ: «وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِي فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهْوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» (البخاري).

 

عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله تعالى عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي وَخَطَئِي وَعَمْدِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (رواه البخاري ومسلم، وهذا لفظ مسلم).

 

عنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله تعالى عنه قَالَ كَانَ يُعَدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةُ مَرَّةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقُومَ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الْغَفُورُ» (رواه الترمذي وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ).

 

شكا رجل إلى الحسن الجدوبة فقال له:‏ استغفر الله،‏ وشكا آخر إليه الفقر فقال له:‏ استغفر الله،‏ وقال له آخر‏:‏ ادع الله أن يرزقني ولدًا؛ فقال له:‏ استغفر الله‏،‏ وشكا إليه آخر جفاف بستانه فقال له:‏ استغفر الله‏،‏ فقلنا له في ذلك؟‏ فقال‏:‏ ما قلت من عندي شيئًا؛ إن الله تعالى يقول في سورة نوح: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا .‏ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} (تفسير القرطبي).

 

عن أبي يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن قال أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيومَ وأتوب إليه غفر له وإن كان فر من الزحف» (رواه الترمذي وأبو داود، وصححه الألباني في صحيح الترمذي).

 

عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علِّمني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرةً من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم(البخاري ومسلم).