لنسع لوسطية تجمع ولا تفرق
أميمة بنت أحمد الجلاهمة
التبعية لا تولد رجالاً ونساء قادرين على حماية الدين والوطن، ومن نشأ على التبعية.. سيكون تابعاً لأيٍ كان ومهما كان، وسينشأ متخاذلاً غير قادرٍ على إبداء الرأي .. فلا يفقه إلا الانحناء ولو لصوت الإرهاب والتطرف.
- التصنيفات: التصنيف العام -
التبعية لا تولد رجالاً ونساء قادرين على حماية الدين والوطن، ومن نشأ على التبعية.. سيكون تابعاً لأيٍ كان ومهما كان، وسينشأ متخاذلاً غير قادرٍ على إبداء الرأي .. فلا يفقه إلا الانحناء ولو لصوت الإرهاب والتطرف.
إن الباحث المتدبر لآيات الكتاب الحكيم والسنة النبوية الشريفة يدرك أنها تنهى عن الغلو والتطرف، وتنهى عن التهاون بأوامر وحدود الله سبحانه، فهي تأمرنا كمسلمين باتخاذ الوسطية منهاجا وسلوكا، واصفة الأمة الإسلامية بأنها أمة وسط، فهي تعد النقطة الفاصلة بين الإفراط والتفريط، قال الله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}، هذه الوسطية تظهر من خلال العقيدة والعبادة وكل التشريعات الإسلامية، لتجعل من الإسلام تشريعا صالحا للناس في كل زمان ومكان، محذرة الأمة من الغلو والتطرف، قال رسولنا عليه الصلاة والسلام: « ».
إن الحوار الأسري والمجتمعي كمبدأ وسلوك له دور فاعل في دفع شبح التطرف والغلو، وفي تثبيت دعائم الوسطية في حياتنا الأسرية والاجتماعية والوطنية، إذ إن الحوار هو الجانب المقابل للتعصب والاستبداد والإقصاء، وعليه تقوم قاعدة التواصل والاحترام بين الناس على اختلافهم، فكيف بأفراد جمعهم الله سبحانه تحت مظلة كيان واحد تربطهم مصالح وأهداف مشتركة، ومن خلال اعتماد هذا التوجه في تربيتنا لأبنائنا نبرز روح التسامح والوسطية نعودهم على استيعاب أفكار الآخرين والتعامل معها تحت مظلة الوسطية التي تجمع ولا تفرق.
اعتمادنا المحاورة أساسا للعلاقات الأسرية بين الزوجين والأبناء يعد الوسيلة الأنجح لتعليم الأفراد التواصل والتقارب بين الناس، كنتيجة نهائية للحراك الأسري والمجتمعي الإيجابي، ومن هنا كان لا بد من رسم خريطة إيجابية تصل بنا لهذا التوافق المجدي على الصعيد الخاص والعام.
فالطفل الذي تعود فتح نقاش أسري مع والديه وإخوانه وأخواته وأقاربه، وتعود على إنصات أهله وتوجيههم دون تحجيم من قدره أو الاستخفاف بأفكاره، يشب شابا يافعا مقبلا على الحق قادرا على استيعاب كل الأفكار المخالفة لأفكاره قبل غيرها، والوالدان اللذان يتعاملان مع بعضهما البعض من منطلق الاحترام والتقدير ويتخذان الحوار جسرا يصل بينهما وبين أبنائهما، يدركان أن اعتماد الحوار كوسيلة للتقارب وعرض الأفكار ينمي في نفوس أبنائهم دعائم التعامل بوسطية وفي أدق الأمور وأعظمها.
ولنصل إلى الحالة المستقرة للأسرة وللمجتمع ولوطن متلاحم الأطراف، علينا اعتماد فتح حوار دائم بيننا وبين أبنائنا كعلاقة إنسانية سوية قائمة على احترامهم واحترام آرائهم حتى ما كان منها بعيدا عن الصواب، لنسمعهم ومن ثم نعمد لتقويمهم.
وفي هذا الصدد من المهم بيان أن الخوف حالة إنسانية خطيرة للغاية، وهو ما يجب علينا أن نخشاه على أبنائنا، فقد نزرعه في نفوسهم ظنا منا أننا نربيهم على الالتزام بالخلق الفاضل، فنكمم أفواههم ونحاول تكميم عقولهم، وهنا سنحصد أبناء كارهين لأسرهم ولمجتمعهم ولوطنهم.. هذه السياسة التربوية الخاطئة قد تحول أبناءنا بين ليلة وضحاها إلى قنابل موقتة.. تنتظر من يحرك زنادها لتنفجر.
من غير المعقول أن نتوقع صمود وثبات من كممت أفواههم وعقولهم ليكونوا تبعاً لنا دون وعي.. فمن اعتاد على الانعزال والخوف وصمت مرغما، سيعتاد على الحراك وفق توجيهات من أمامه، ولا نستبعد انجرافه وراء من يعمل على تعظيم شأنه وإيهامه أنه يملك قدرات عظيمة لم تثمن من قبل أسرته ومجتمعه.. فالتبعية لا تولد رجالاً ونساء قادرين على حماية الدين والوطن، ومن نشأ على التبعية.. سيكون تابعاً لأيٍ كان ومهما كان، وسينشأ متخاذلاً غير قادر على إبداء الرأي.. فلا يفقه إلا الانحناء ولو لصوت الإرهاب والتطرف.
ومن المهم تمكين فلذات أكبادنا من الاعتراف بأخطائهم دون وجل، مع شرحنا أسباب إنزال العقوبة عليهم- هذا إذا استلزم فعلهم إنزال العقوبة، وفي مواقف كهذه يتوجب علينا إعلامهم بأنهم أبناؤنا الذين نحب.. وأن مواقفنا الغاضبة تنصب على تصرفات معينة لا على ذواتهم، لنقل لهم أننا نحبهم... فهم أبناؤنا، وأن العقوبة موجه لفعل نأمل ألا يتكرر.
ولذلك المرونة مهمة جدا في علاقاتنا مع أبنائنا، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بعرضهم لآراء واتجاهات وأفكار عامة، ولنترك لهم الحرية في قول واختيار ما يرونه مناسباً، وعلينا ألا ننسى وجود اختلافات فقهية في الكثير من التشريعات الدينية، فكيف لا نقبل اختلافهم معنا، وهذا وبطبيعة الحال لا يعنى قبول الآراء والاتجاهات الفكرية المخالفة للمعتقدات والتشريعات الإسلامية من تحليل حرام أو تحريم حلال، ويجب في هذه الحالة إيضاح أنها أمور تعبدية لا يحق لأحد تجاوزها.
من الطبيعي أن نعاني في تعاملنا مع أبنائنا في سن المراهقة كما هم يعانون بدورهم في علاقاتهم بنا.. ففي هذه المرحلة العمرية قد تظهر على أبنائنا بعض التصرفات الرافضة لسلطة الأبويين، إياكم في هذه المرحلة من تهميشهم.. فقد يجدهم من هو قادر على جذبهم من خلال تعامله معه بالكثير من الاحترام والإجلال، وهم الأبطال القادرون على رفع راية الإسلام.. فيعظم الذات في نفوسهم ويوهمهم أن أسرهم لا تقدر إمكاناتهم، وأنهم شخصيات فذة أُهدرت من أبوين ظالمين ومجتمع جاهل، وهكذا يبرمجون عقولهم برمجة سلبية، فيصبحون دون إدراك منهم دمية في أيدي جماعة إرهابية توجههم، ليكفروا ويقتلوا وينهبوا .
من جانب آخر من المهم ألا نستبعد وقوعهم في أيدي عصابات تسعى لنشر الفساد من خلال ترويجها للمخدرات والخمور.. الخ، وكلا الحالتين وباء لا بد من استئصاله.
هذه بعض المحاور التي قد تساعدنا في رسم خريطة إيجابية للحوار الأسري الذي سيصل بنا إن شاء الله إلى الوسطية.. ليس في حياتنا الخاصة فقط، بل العامة أيضا.. لنرسمها معا.. لعلنا نقدم للوطن رجالا ونساء يحققون الوسطية على أرض الواقع، وفي الختام أتوجه بالشكر لكرسي (الإمام محمد بن عبد الوهاب للوسطية ودراستها) والتابع للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والذي وجه لي الدعوة للمشاركة في حلقة نقاش تحت عنوان (الوسطية في الحياة الأسرية).