إتفاقية محتالة !

زينب عبد العزيز

حينما يتعامل المرء مع مؤسسة ملتوية، متعددة الأوجه، غارقة أساسا فى مستنقع الإنحراف، يجب البحث دوما عن السبب الذى أدى إلى قيامها بإجراء معيّن أو تقوم به. وفيما يتعلق بتلك الإتفاقية التى تمت بين الكرسى الرسولى ومحمود عباس، فإن ما يطفو منها على السطح مقزز ومثير للإنفعال فى آن واحد. وأيا كانت الإستعدادات التى سبقت تلك الإتفاقية فتكفى رؤية أنها تسبق عملية إضفاء القدسية على فلسطينيتين مسيحيتين، وأنها تحمى نشاط الكنيسة الكاثوليكية.

  • التصنيفات: التصنيف العام -

حينما يتعامل المرء مع مؤسسة ملتوية، متعددة الأوجه، غارقة أساسا فى مستنقع الإنحراف، يجب البحث دوما عن السبب الذى أدى إلى قيامها بإجراء معيّن أو تقوم به. وفيما يتعلق بتلك الإتفاقية التى تمت بين الكرسى الرسولى ومحمود عباس، فإن ما يطفو منها على السطح مقزز ومثير للإنفعال فى آن واحد. وأيا كانت الإستعدادات التى سبقت تلك الإتفاقية فتكفى رؤية أنها تسبق عملية إضفاء القدسية على فلسطينيتين مسيحيتين، وأنها تحمى نشاط الكنيسة الكاثوليكية.

إن هذه المسرحية التى تهدف إلى ضياع فلسطين تماما، إذ مهد لها كل البابوات التالين لمجمع الفاتيكان الثانى. ويجب أن يكون المرء فاقد البصر والبصيرة لكى لا يرى الصلة بين ما قاله البابا بنديكت 16، فى مطلع 2013، مع ما يقوله ذلك البرجوليو : "عقب الإعتراف بفلسطين كدولة مراقبة غير عضوة فى هيئة الأمم، أجدد أمنية أن يبدأ الإسرائيليون والفلسطينيون فى حوار للتعايش السلمى فى إطار دولتين ذات سيادة، تحت إشراف المجتمع الدولى" !!

وهذه الإتفاقية المزعومة التى أعقبت إتفاق سابق سنة 2000 مع منظمة التحرير الفلسطينية، التى تم نسفها، إلا أن هذه الإتفاقية الجديدة تتم مع من هو تابع للمحتلين الغزاة، فى أيام الإحتفال بذكرى النكبة، لكى يتم الإعداد لنكبة أكبر.. وتتجلى قمة التهريج عندما نسمع وكيل عام الفاتيكان، المونسنيور كاميرللى يقول : "أن الكرسى الرسولى يأمل أن يتمكن هذا النص [نص الإتفاقية] ، بصورة أو بأخرى، أن يساعد الفلسطينيين على أن يروا إقامة دولة فلسطين معترف بها ومستقلة ، ذات سيادة وديمقراطية وتعيش فى سلم وأمان مع إسرائيل وجيرانها" !

وفى واقع الأمر، إن إتفاقية الكرسى الرسولى مع السلطات الفلسطينية، تمنح الكنيسة الكاثوليكية حرية التصرف، ووضع كيان قانونى فى الأراضى الفلسطينية، وتقوم بتسوية المسائل الضريبية المتعلقة، وحق الملكية على هذه الأراضى.. إلا أن قمة اللؤم والإحتيال تتجلى فى هذه الإتفاقية بأنها تتم مع دولة ذات أغلبية مسلمة، وأنها تعترف "بحرية العقيدة وحرية تغيير الديانة، بصورة مفصلة منصوص عليها". وهو ما يعنى فى لغة الفاتيكان : قبول التحول عن الإسلام والدخول فى النصرانية، وألا يتم إنتقاد ذلك الشخص المتحول أو القيام بتوجيه إية إنتقادات له من جانب المسلمين !

وتنص النصوص المطبوعة بموافقة الفاتيكان على: "أنه نموذج يمكن إتباعه مع بلدان أخرى ذات أغلبية مسلمة" !! الأمر الذى يثبت أن تنصير العالم مسألة ستستمر، كما يكشف عن محاولات جديدة لإقتلاع المسلمين من إيمانهم، من الإسلام، الذى يبدو جليا أن مجرد وجوده ينهش قلوب وعقول هؤلاء الذين سبق أن زيفوا وحرفوا دينهم.

إن عبارة التعايش فى سلام مع دولة مستعمِرة ـ محتلة ـ وقاتلة، سبق لها أن إقتلعت 531 مدينة وقرية من الوجود، وقامت بسبعين مجزرة، ولديها 850000 معتقل منذ 1987، و580 آخرون فى الضفة الغربية، وقد استولت بالفعل على أكثر من 90 % من الأراضى الفلسطينية، وتترك القلة القليلة المتبقية من شعب فلسطين، من أصحاب الأرض الحقيقيون ، يحتضرون فى معسكر إعتقال مكشوف وفى ظروف مذرية لا إنسانية، لهو مطلب يتخطى أى منطق ولا يقبله أى عقل. أنه مطلب محتال يمثل ذروة بؤس الإنسانية وما وصلت إليه..