أتأمرون الناس بالبر
أبو الهيثم محمد درويش
من امتهان النفس والفضيحة أمام الله ثم أمام الناس: أن يأمر الإنسان بالمعروف ولا يأتيه، وأن ينهى عن المنكر ويأتيه..! وكأن الشرع نزل ليحذر كل الناس إلا هو، وكأن الشرع نزل عليه كقائد يقود الناس بالشرع وهو غير مقاد! والنصيحة: تفقد نفسك فإن وجدتها من هذا الصنف فبادر بالإصلاح قبل أن تكون العاقبة خسران مبين.
- التصنيفات: القرآن وعلومه -
كلنا مأمور بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما خيرية الأمة بين الأمم إلا بخصائص أهمها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن من امتهان النفس والفضيحة أمام الله ثم أمام الناس: أن يأمر الإنسان بالمعروف ولا يأتيه، وأن ينهى عن المنكر ويأتيه..!
وكأن الشرع نزل ليحذر كل الناس إلا هو، وكأن الشرع نزل عليه كقائد يقود الناس بالشرع وهو غير مقاد!
والنصيحة: تفقد نفسك فإن وجدتها من هذا الصنف فبادر بالإصلاح قبل أن تكون العاقبة خسران مبين.
قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44]
قال العلامة السعدي رحمه الله:
"{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ} أي: بالإيمان والخير، {وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} أي: تتركونها عن أمرها بذلك، والحال: {وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} وأسمى العقل عقلاً لأنه يعقل به ما ينفعه من الخير، وينعقل به عما يضره، وذلك أن العقل يحث صاحبه أن يكون أول فاعل لما يأمر به، وأول تارك لما ينهى عنه، فمن أمر غيره بالخير ولم يفعله، أو نهاه عن الشر فلم يتركه، دل على عدم عقله وجهله، خصوصًا إذا كان عالمًا بذلك، قد قامت عليه الحجة.
وهذه الآية وإن كانت نزلت في سبب بني إسرائيل، فهي عامة لكل أحد لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} وليس في الآية أن الإنسان إذا لم يقم بما أمر به أنه يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنها دلت على التوبيخ بالنسبة إلى الواجبين..
وإلا فمن المعلوم أن على الإنسان واجبين: أمر غيره ونهيه، وأمر نفسه ونهيها، فترك أحدهما لا يكون رخصة في ترك الآخر، فإن الكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين، والنقص الكامل أن يتركهما، وأما قيامه بأحدهما دون الآخر، فليس في رتبة الأول، وهو دون الأخير، وأيضًا فإن النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن يخالف قوله فعله، فاقتداؤهم بالأفعال أبلغ من اقتدائهم بالأقوال المجردة".