حسن البنا في فكر ومواقف الحركات الإسلامية غير الإخوانية
عبد المنعم منيب
مما انتقده السلفيون على الإخوان المسلمين أيضًا ما يعتبرونه أنه ميل لدى الإخوان المسلمين لما يسمونه بتمييع القضايا مع أهل البدع كالشيعة والصوفية وغيرهم، ولا يهتمون بقضايا العقيدة الإسلامية والالتزام التام بسنة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كما انتقد السلفيون طريقة الإخوان المسلمين في تربية أعضاء الجماعة لأنها تعتمد على طريقة الطرق الصوفية رغم ابتداع الأخيرة
- التصنيفات: الفرق والجماعات الإسلامية -
"لولا حسن البنا ما كنتم أمامي الآن"! هكذا قال شيخ مشايخ سلفية العصر الحديث (محمد ناصر الدين الألباني) عندما سأله أحد تلامذته عن رأيه في (حسن البنا).
فالإمام (حسن البنا) لا ينكر فضله أحد من كافة الحركات الإسلامية، لذلك فإننا نجد أحد الباحثين السلفيين وهو الشيخ (عبد المنعم الشحات) يقول عن الشيخ حسن البنا: "الأستاذ حسن البنا شخصية حادَّة الذكاء، متوقدة العاطفة، تملك قدرة عالية على التأثير فيمن حوله، بدأ حياته صوفيًّا في الطريقة الحصافية؛ فطوَّر من شأنها من حركة انعزالية رافضة إلى حركة اجتماعية نشطة عن طريق تأسيسه لجمعية (الإخوان الحصافية)، ثم التحق بكلية (دار العلوم) عن طريق مسابقة أهـَّلته للانضمام إليها رغم حداثة سنه، فانتقل من قرية المحمودية إلى القاهرة، حيث تأثر بالأستاذين: (محمد رشيد رضا) و(محب الدين الخطيب)، وعرفه الجمهور عندما قدمه محب الدين الخطيب كاتبًا في (مجلة الفتح)، واتسعت مدارك الأستاذ البنا، وبدا وكأنه يعيش حالة من الصراع بين موروثه الصوفي القديم وبين الثقافة السلفية التي وجد نفسه جزءًا منها".
ويضيف عبد المنعم الشحات: تخرج (الأستاذ البنا) وتم نقله إلى الإسماعيلية ليبتعد عن أستاذه في القاهرة، ولكنه كان قد التقط من الأستاذ رشيد رضا قاعدته التي سماها بقاعدة المنار الذهبية: (نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه)".
ويرى عبد المنعم الشحات أنها: "قاعدة كان الأستاذ (رشيد رضا) يطرحها في محاوراته مع الشيعة كتكتيك لجرِّ عقلاء الشيعة، وما يلبث أن يوضح أن المتفق عليه هو الكتاب والسنة كما وردت في كتب السنة هو تعظيم القرون الثلاثة الخيرية، مما دفع الشيعة إلى رفض دعوته، بل إلى تكفيره كما ذكر ذلك في أكثر من عدد من مجلته (المنار)".
ويشرح عبد المنعم الشحات موقف البنا من هذه القاعدة فيقول: "الأستاذ حسن البنا وجد فيها الملاذ الذي يحل به النزاع الداخلي في نفسه بين السلفية والصوفية، كما أنه وجد به السبيل الذي يحل به الصراع الذي كان على أشده بين السلفية والأشاعرة ممثلة في معظم شيوخ (الأزهر) وفي (الجمعية الشرعية)، ثم استعمله لاحقـًا مع الشيعة أنفسهم وبصورة جادة وفاعلة وقابلة لتجاوز كل نقاط الخلاف مع الشيعة فعلًا، مما دفع الشيعة إلى قبول مبادرته على خلاف مبادرة أستاذه (رشيد رضا)، وحسب عبد المنعم الشحات فقد صاغ الأستاذ البنا (الأصول العشرين) منطلقـًا من هذه القاعدة، كما يدرك ذلك كل من طالعها".
واعتبر عبد المنعم الشحات أنه: "كان لهذه الروح التجمُّعية أثرٌ لرواج دعوة الأستاذ البنا؛ لأنها خرجت في وقت يأس وإحباط، وكان الجميع يريد تجاوز مرحلة الكلام إلى مرحلة العمل، وكان لشخصية البنا الآسرة دور كبير في انطلاق العجلة على هذا النحو".
أما الباحث الجهادي د. (طارق الزمر) فيضع الإمام حسن البنا كأول وأهم قائد إسلامي لأول مرحلة من مراحل تطور الحركة الإسلامية الحديثة، وذلك في بحثه: "الحركة الإسلامية بين الماضي والحاضر والمستقبل"، كما نجد أن الجماعة الإسلامية المصرية بقيادة كرم زهدي كانت قد اعتمدت دراسة تجربة حسن البنا في تأسيس جماعة الإخوان المسلمين كأحد التجارب الإسلامية الهامة، وكانت كتب تاريخ جماعة الإخوان المسلمين وبعض كتابات حسن البنا مراجع تثقيفية هامة لدى كل من جماعة الجهاد -مجموعة عبود الزمر- والجماعة الإسلامية، ولا شك أن الدارس المتفحص لتجربة الجماعة الإسلامية يلاحظ تأثرها البالغ بتجربة جماعة الإخوان المسلمين خاصة في مجال الممارسة التنظيمية.
ورغم ذلك كله فإن كلًا من السلفيين وتنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية قد سلكوا طرقهم في العمل الإسلامي بعيدًا عن جماعة الإخوان المسلمين، فلماذا تم ذلك؟
مما لا شك فيه أن هذه الحركات قد خالفت مواقف وأفكار الإخوان المسلمين في العديد من القضايا الإسلامية، ولنبدأ القصة من بدايتها: نشأت المجموعات السلفية في مصر في أواخر الستينات وأوائل السبعينات، متأثرة بالخط السلفي الذي كانت تدعو له وترسخه جماعة أنصار السنة المحمدية، أثناء غياب الإخوان المسلمين في سجون عبد الناصر، ومن ثم تمايز منهجهم الفكري والشرعي عن منهج الإخوان المسلمين، كما لم يكن للإخوان المسلمين فضل في التزامهم الإسلامي أو توجهاتهم الفكرية والسياسية، الأمر الذي حرر السلفيين من أي نفوذ فكري أو روحي للإخوان المسلمين عليهم، عندما خرج الأخيرون من السجن فوجدوا المساجد والجامعات مكتظة بالشباب السلفي، حاول الإخوان استقطاب الشباب المتدين والذي كان أغلبه سلفي إلا أنهم فشلوا مع عدد غير قليل من الشباب؛ بسبب التمايز الفكري بين الفكر السلفي والفكر الإخواني..
وعندما نجح الإخوان في استقطاب عدد غير قليل من الشباب المتدين من جامعات مصر فإن المعركة الفكرية بين السلفية والإخوان قد استعرت نارها، وانطلقت الفتاوى السلفية في توصيف موقفهم من فكر ومنهج جماعة الإخوان المسلمين لنجد فيها على سبيل المثال ما يلي: "جماعة الإخوان المسلمين تجمع إلى الخير كثيرًا من الدَخَن -أي الشر والخطأ-، والبعد عن السنة والتعصب الممقوت والفتاوى الباطلة والتقليد الأعمى والمداهنات السياسية -أي النفاق السياسي- والإقرار بالبدع -أي الخارجة عن الدين-"، ويضيف الكاتب فيقول: "ولا أعني أن كل شخص منهم فيه ذلك، ولكن هذا في جملة الجماعة"، لذلك تنصح هذه الفتوى المسلم بأن: "يبحث عن أهل السنة واتباع سلف الأمة فيكون معهم" أي لا ينضم للإخوان المسلمين وإنما ينضم للسلفيين.
ومما ينتقده السلفيون على الإخوان المسلمين ما تسميه الأدبيات السلفية: "بإلغاء الإخوان المسلمين عقيدة الولاء والبراء"، أي البراءة من الكافرين ومصاحبة وحب المسلمين، وكذلك تبني الفكر العلماني، لكن مشايخ السلفية يعتبرون أنه لا يجوز أن يقال عن الإخوان المسلمين ككل مثل هذا الكلام، وإنما الحق أن يقال صدر كلام باطل عن أفراد كثيرين من دعاتهم وقادتهم لكن لا يعمم هذا الحكم على الجميع.
ويضيفون: والصحيح أنه يعامل كل فرد فيهم بما يستحقه فمن كان على عقيدة فاسدة وبدعة عومل بناء على ذلك ويلزم تعليمه ودعوته إلى الله، ومن أظهر عقيدة أهل السنة ومنهجهم عومل على ذلك.
ولذلك يقر السلفيون أن في داخل جماعة الإخوان المسلمين تيارا سلفيا مهما ويذكرون من هذا التيار الدكتور الأشقر والدكتور مصطفى حلمي والدكتور عبد الكريم زيدان.
ومما انتقده السلفيون على الإخوان المسلمين أيضًا ما يعتبرونه أنه ميل لدى الإخوان المسلمين لما يسمونه بتمييع القضايا مع أهل البدع كالشيعة والصوفية وغيرهم، ولا يهتمون بقضايا العقيدة الإسلامية والالتزام التام بسنة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
كما انتقد السلفيون طريقة الإخوان المسلمين في تربية أعضاء الجماعة لأنها تعتمد على طريقة الطرق الصوفية رغم ابتداع الأخيرة، كما رأى السلفيون أن من عيوب الإخوان المسلمين أنهم يتوسعون كل مسائل الخلاف الفقهي حتى غير السائغ منه ليجوزا أراء ساقطة في الفقه الإسلامي على أنها أراء معتبرة، فضلًا عن أنهم يشغلون أتباعهم بالانتخابات والمظاهرات وغيرها على حساب العلم والتعلم والتدين، ومن هنا يمكن فهم أن السلفيين يعتبرون الإخوان المسلمين جماعة متساهلة عقائديًا.
كما انتقد السلفيون قضية البيعة عند الإخوان المسلمين، وقالوا: "هذا أمر حصل فيه نوع من الخلل في الفهم"، لأن البيعة التي رآها بعض العلماء جائزة على الطاعات أو مشروعة، ظنها الناس أنها بالمعنى السياسي، وتحولت على يد الإخوان من بيعة تشبه البيعة الصوفية إلى البيعة السياسية، وأصبح المرشد بمنزلة الإمام والحاكم على أفراد الجماعة، وانطلاقًا من ذلك كله فقد أفتى العديد من علماء السلفيين بأن الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين على ما هي عليه لا يجوز، لأنه يعني السكوت على ما أسموه بـ"كثير من المنكرات".
وإذا كان هذا هو الموقف السلفي الذي دعا أصحابه لعدم الانضمام لجماعة الإخوان المسلمين رغم تقديرهم البالغ للشيخ حسن البنا رحمه الله، فإن موقف الجهاديين من الإخوان المسلمين له قصة أخرى بدأت عندما تأسست أولى خلايا الجهاد في مصر عام 1966 وقتما كان الإخوان المسلمين في السجن وغداة إعدام سيد قطب، ورأى الجهاديون وقتها أن خطأ الإخوان الأكبر كان في ما اعتبروه ليونة في التعامل مع نظام الحكم، إذ لم يكن الجهاديون يؤمنون بغير الانقلاب المسلح كمنهج وحيد للتغيير السياسي والاجتماعي..
ولم يقتصر موقف الجهاديين على ذلك بل لقد خطوا خطوة أبعد من هذا في موقفهم من الإخوان المسلمين؛ عندما بادر د. صالح سرية -الزعيم الجهادي البارز- بمحاولة الاتصال بالإخوان المسلمين بعيد خروجهم من السجن في أوائل السبعينات محاولًا إقناعهم بفكرته في الانقلاب المسلح، وفعلا نجح في مقابلة الأستاذ المرشد حسن الهضيبي -عبر السيدة زينب الغزالي-، وقدم له كراسًا مدونًا به تصوره الجهادي، وقد تسلم الأستاذ حسن الهضيبي الكراس واعدًا د. صالح سرية بالرد لكنه لم يرد على سرية ولم يقابله بعد ذلك أبدًا، وإن قيل أن الأستاذ المرشد رحمه الله عندما قابل د. صالح سرية قال له إن بيننا وبين السادات عهود ولن نخل بها.
كان صالح سرية يرى أن الإخوان المسلمين لم يكونوا حاسمين ولا حازمين في موقفهم السياسي بشأن الحكم، وكان يضرب مثالًا بكل من حزبي البعث في سوريا والعراق، وحركة الضباط الأحرار في مصر حيث كانوا جميعًا حاسمين في سعيهم للحصول على السلطة والحكم، ومن ثم أقام كل تنظيم من هذه التنظيمات دولته ونظام حكمه في الدول الثلاث، أما الإخوان المسلمون بحسب رأي د. صالح سرية فقد اتسم سلوكهم إزاء السعي للحصول على الحكم بالتردد، ومن هنا كان سعيه لإقناعهم بتبني المنهج الثوري الذي تبنته المجموعات الجهادية التي كانت موجودة وقتها، وعندما فشل في إقناعهم بادر للقيام بتجربته الانقلابية المعروفة، والتي انتهت بالفشل وإعدام صالح سرية نفسه مع أقرب معاونيه.
فشل تنظيم وانقلاب صالح سرية لم يقنع الجهاديين بالتراجع عن منهجهم، بل أصروا عليه حتى اليوم، وصاحب ذلك مزيد من النقمة وشدة الانتقاد لجماعة الإخوان المسلمين، ربما سببها إحساسهم بأن عدم مشاركة الإخوان لهم في منهجهم الانقلابي كان سببًا في فشلهم الذي دام منذ صالح سرية سنة 1974 وحتى اليوم، ولكن أيضًا لا بد من ملاحظة أن زيادة تأثر كتاب ومفكري الجهاديين بالمنهج السلفي زادت من تفاصيل النقد الجهادي للإخوان المسلمين، فصار النقد الجهادي في جوانبه الشرعية أشبه ما يكون بالنقد السلفي من حيث الاقتراب الإخواني من العلمانية ومن حيث المداهنة السياسية..
وعدم تبني قضية البراءة من غير المسلمين وعدم الترابط معهم والدخول في البرلمانات التي ترتكز وظيفتها على التشريع المخالف للشريعة الاسلامية، وكذلك تمييع القضايا الشرعية لتوسيع دوائر المباحات بلا مستند شرعي بل وبعكس السند الشرعي -ولقد وصف كثير منهم أبرز مشايخ الإخوان المعاصرين بمفتي الحلال والحلال وكأنه لا يحرم شيئًا- وذلك كله حسب الرأي الجهادي، وهم في ذلك كله متطابقون مع الآراء السلفية في هذا المجال.
أما في المجال السياسي فنجد أن الجهاديين ركزوا على تاريخ وحاضر الإخوان بشأن مواقفهم المهادنة لكل من الملك فاروق وأحزاب الأقلية الموالية للملك كالسعديين وحزب الأحرار الدستوريين وغيرهما، فضلاً عن حكومات هذه الأحزاب خاصة حكومة النقراشي، وكذلك موقفهم من كل هذه القوى بعد مقتل الإمام حسن البنا وتولي المرشد الثاني الأستاذ المستشار حسن الهضيبي، بما في ذلك مهادنته لإبراهيم عبد الهادي الذي سام الإخوان سوء العذاب في السجن، وتسجيل المرشد الثاني وعدد من قادة الإخوان المسلمين أسماءهم في دفتر التشريفات بالقصر الملكي، بل وزيارة المرشد الثاني ومقابلته للملك فاروق..
والقارئ لكتابات الجهاديين في هذا المجال يشعر أنه تكرار للنقد الذي وجهه د. رفعت السعيد للإخوان المسلمين بعامة ولحسن البنا بخاصة في كتابه "حسن البنا كيف ومتى ولماذا"، إلا أنه صيغ صياغة إسلامية بحيث استند النقد على أساس مخالفة هذه الأفعال السياسية للأحكام الشرعية الإسلامية من قبيل عدم المداهنة، وعدم الرضا عن الحكم بغير ما أنزل الله، والبراءة من الحاكمين بغير الشريعة ومناصبتهم العداء والنضال ضدهم، والصدع بالحق في وجوههم، كما انطلق النقد الجهادي من هذه الوقائع إلى الربط بينها وبين ما يعتبره الجهاديون ليونة وتساهل في مواقف الإخوان المسلمين من الحكومة المصرية والأحزاب العلمانية والبابا شنودة في الأربعين سنة الأخيرة.
بعض الجهاديين شن حرب النقد هذه ضد الإخوان المسلمين بلا هوادة وبلا التماس لأي عذر، مثل د. أيمن الظواهري في كتاباته وتصريحاته العديدة، وكذلك د. هاني السباعي المفكر الجهادي المشهور المقيم في لندن، لكن أبرز ما قيل في هذا الصدد على الإطلاق هو كتاب "الحصاد المر، الإخوان المسلمون في ستين عامًا" وهو من تأليف د. أيمن الظواهري وصدرت منه طبعتان كانت أولاهما عام 1990، كما أنه موجود ومنتشر جدًا على شبكة الإنترنت حتى على غير المواقع الجهادية وتم تحميله آلاف المرات.
وعلى عكس د. أيمن الظواهري فإن د. طارق الزمر في تقييمه لدور الإمام حسن البنا يلتمس له الأعذار، إذ اعتبر أن الأخطاء التي وقع فيها الإمام الشهيد ترجع إلى أن حسن البنا اضطر للقيام بكل الخطوات والأعمال التكتيكية والاستراتيجية معًا على حد سواء مما أظهر العديد من مظاهر التناقض في مواقفه رغمًا عنه.