وظيفة البعض أن يتفاجأ

مدحت القصراوي

للزمن ثمن! ومن يفرط فسيكون الثمن فادحًا، وسيمرّر فرصة إدراك الأمور وإصلاحها في وقتها قبل الاستفحال، بينما إدراك الأمور في وقتها حكمة وعزم لا بد منه

  • التصنيفات: الواقع المعاصر -

يبدو أن وظيفة الفتى والشيخ والسياسي والمراقب حاليًا أن يتفاجأ!
يترك اليمنيون طاغية على مدار عقود يغير تركيبة جيش البلاد ليصبح جيشًا خاصًا به، قبليًا بل طائفيًا، بل مأجورًا لمن يدفع أكثر..! تبقى الأمة في غفلة وتفريط شديد، ثم تتفاجأ بأن جيشًا تعداده نصف مليون شخص مسلحين بصورايخ وطائرات ومضادات ومخازن ذخيرة، يتهاوى -عامدًا لتعصب طائفي أو شراء بمال أو تواطؤ قبلي- أمام ثلاثين ألف شخص، ترى بعضهم يحارب وهو يلبس "شبشب بصوبع"! ليتسلم أمثال هذا المأجور الطائفي بلادًا بأكملها، بجيشها وذخيرتها ومقدراتها وثرواتها وبما بذله اليمنيون خلال عقود.

من قبل فرّط المصريون في الخمسينيات في الثقة في طائفة عسكر مفسدة حتى لُدغوا عام 56، فغطى الإعلام والأغاني على الهزيمة، فكانت الكارثة عام 67 ففوجئوا بأمر لا مفاجأة فيه، بل المفاجأة أنهم خرجوا يهتفون لصاحب الهزيمة! لله في خلقه شؤون.

ثم فرط الناس بعد ذلك إبان مبارك في نخر الفساد في كل مجال، حتى فوجئوا بانهيار الإعلام وفساده، والقضاء وفساده، والعسكر وفسادهم ووحشيتهم، وخدمتهم للكنيسة ولإسرائيل ورعايتهم للإلحاد وتبنيهم للإباحية، ووضعهم خططًا إعلامية لحرب الإسلام، وترسيخ الإباحية والتشكيك في الحديث، والهجوم على رسول الله وصحبه ثم على القرآن نفسه، ثم سبوا الأمة واتهموا العالم الإسلامي.

ولا تسألهم عن دين أو بلاد أو قيم، لكن السؤال الوحيد المقبول لديهم: كم سيأخذون؟ وكم هي أموال المعاش وكم هي امتيازات الأراضي وفحوى الامتيازات وعدد النوادي والمناصب الموعودة! عن هذا فقط يَسألون ويُسألون عن الثمن، وميزات الطائفة العسكرية وهم مستعدون لدفع أي ثمن، ولو تدمير البلاد وبيع المقدرات والمستقبل وحرب الدين، بل وبيع مصدر المياه الوحيد في البلاد!

تتفاجأ الأمة بتهاوي العراق، وإجرام النصيرية في سوريا، وبالمأجورين ضد الثورات في ليبيا ومصر وتونس وغيرها، تتفاجأ برموز وكيانات لها قداسة إذ بها تتهاوى.

يفاجَؤون بالترحاب بالنصارى في الإمارات، وحرب المسلمين وتمويل من يحاربهم وتحذيرهم للعالم من الجمعيات الخيرية، فأغلقت الجمعيات الإسلامية أبوابها وذهبت المحجبات تقبل أيدي القساوسة داخل الكنيسة شكرًا للمساعدة، أو نيلاً للبركة! ثم عندئذ يتفاجؤون!

وسنسكت حتى يجف النيل، وعندما تعم المجاعة وتضيع البلاد ويموت الملايين، عندها سنقوم بالمعجزة وهي أن نتفاجأ! وهي مفاجأة نعم! لكن للمفرطين الكسالى المتأخرين، ولأصحاب البلادة غير المبررة، ولأصحاب وصفة تناول المسكّنات والثقة في طول اللحى ودموع الكاميرات، إنه افتقاد الصدق المرادف للجدية.

للزمن ثمن ومن يفرط فسيكون الثمن فادحًا، وسيمرّر فرصة إدراك الأمور وإصلاحها في وقتها قبل الاستفحال، بينما إدراك الأمور في وقتها حكمة وعزم لا بد منه، فهل سننتظر حتى تخرج علينا الكنيسة بمفاجآتها؟ والعسكر بمفاجآت أقسى؟ هل سنعلم بعد إعادة احتلال إسرائيل المباشر لسيناء أن جيولوجيتها تشبه الخليج، وأن بها كنوزًا من البترول وغيره، وأننا أهملناها؟

هل لن نعلم شيئًا إلا بعد ضياعه؟
وهل سنبقى نعجز عن إدراك الأمور قبل فواتها؟
لماذا لا نقرأ الأمور ونُجري الدراسات الجادة ونتوقع الأحداث واتجاهاتها قبل حدوثها، ولماذا لا نتخذ القرار ونحن في سعة من أمرنا؟ وهل ستبقى وظيفتنا فقط أن نتفاجأ ثم نتفاجأ حتى ضياع ما تبقّى؟ لعلها وظيفة ولا ندري!

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام