والصدقة دواء

ظافر بن حسن آل جبعان

ليس هناك تجارة رابحة مثل التجارة مع الله، فمن يريد البركة في ماله وذريته، والسلامة في بدنه وماله فليتاجر مع ربه

  • التصنيفات: الحث على الطاعات -

 

المرض والبلاء، والسقم والعناء شيء يكتبه الله على بني آدم وغيرهم، ولكن مع أنه سبحانه قد أنزل وكتب البلاء إلا أنه جعل لكل داءٍ دواء علمه من علمه، وجهله من جهله، وهذا الدواء يختلف باختلاف الأمراض والأشخاص، ومن الأدوية النافعة، والعلاجات الناجعة، والميسرة المجربة، علاج الصدقة، فالعلاج بالصدقة له تأثير عجيب، وأثر واضح، لكن لا يتحقق هذا الأثر إلا إذا كان هذا العلاج من العبد وهو يرجو به وجه الله عز وجل؛ يقول صلى الله عليه وسلم: «حَصِّنُوا أَمْوَالَكُم بِالزِّكَاةِ، ودَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالْصَّدَقَةِ» (أخرجه الطبراني في معجمه الكبير:8/464، عن ابن مسعود رضي الله عنه).

فمن أراد الشفاء، والعافية فعليه ببذل السبب، وبذل المال والجاه لمن يحتاجه، وأن يكون في وجوه البر والإحسان، فإذا كان كذلك كان له من الأثر على النفس والبدن، وصحة البدن والولد الشيء العجيب.

إن مما جاء في كتب التراث من تأثير الصدقة في علاج الأمراض، وشفاء الأسقام ما رواه لنا ابن شقيق عن عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى، يقول ابن شيق: "سمعت ابنَ المبارك وسأله رجل: عن قرحةٍ خرجت في ركبته منذ سبع سنين، وقد عالجها بأنواع العلاج، وسأل الأطباء فلم ينتفع به، فقال له ابن المبارك: اذهب فاحفر بئرًا في مكان يحتاج الناس فيه إلى الماء، فإني أرجو أن ينبع هناك عين ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبرأ بإذن الله" (أخرجها البيهقي في الشعب:5/69)، فقد كانت الصدقة من هذا الرجل سببًا لشفائه بعد إذن الله تعالى.

ومن عجيب ما يُذكر في هذا الزمن ما جاء عن أحد الأساتذة المصريين أنه ابتلي بمرض خطير في قلبه، وكان لا بد من إجراء عملية جراحية له، ولا يمكن إجراؤها إلا خارج بلاده، في بلد فيه الطب متقدم، فخرج من بلده، ووصل إلى المشفى في البلد الذي قصده، وبعد إجراء الفحوصات تبين أن حالته خطيرة، ولا بد من إجراء عملية جراحية عاجلة، وقد أخبروه بأن نسبة النجاح فيها يسيرة، فطلب منهم الرجوع إلى بلده لإنهاء بعض أعماله، وتوديع أهله وأقاربه، فعاد إلى بلده، وأنهى أعماله، وودع أهله، وقبل الرجوع لبلد العلاج بيوم كان يجلس مع أحد أصدقائه وهو مهموم مغموم مكروب، فإذا به يرى امرأة عجوزًا تقف بجانب بائع اللحم وتتلقط ما يقع منه من عظام وفتات، فاندهش الرجل مما شاهده، فنادى المرأةَ وسألها، ماذا تفعلين هنا؟! قالت: إني ألتقط الفُتات لكي أطعم به بناتي، فعندي سبع بنات يتيمات، وأريد إطعامهن، وأَنا لا أملك إطعامهن، فقال: وماذا تريدين يا أماه؟ قالت المرأة: أريد نصف كيلو من اللحم، فاندهش الرجل وقال: نصف كيلو لسبع بنات؟!! قالت: نعم، لعله يكفينا.

فقال لبائع اللحم: أعطها كيلوين من اللحم، فبكت المرأة، وجثت على ركبتيها شكرًا لله، فاهتز الرجل من المشهد وطلب من بائع اللحم إعطاؤها كل أُسبوع كيلوان من اللحم لمدة سنة كاملة، ودفع له الثمن مقدمًا، ثم ترك المرأة رافعة يديها وهي تستمطر الدعاء له.

وعندما ذهب إلى البيت سألته ابنته ما بك يا أبي أراك سعيدًا؟!

فقص لها ما حدث فبكت ابنته ودعت الله، وقالت: يا رب اللهم أسعدنا بشفاء والدنا كما أسعد المرأة وبناتها.

هنا يقول الرجل: أحسست بسعادة وقوة ونشاط في بدني، لدرجه أني أستطيع أن أقوم بأعمال عظيمة؛ على رَغْمِ أنه مريض بالقلب، ويقول: وجدت راحة وانشراحًا، وأحسست بشفاء كامل؛ لدرجة أنه تردد كثيرًا في سفره لإجراء العملية، ولكن أُسرته أصرت على ذهابه لإجراء الجراحة، وكانت هناك المفاجأة.

فعندما ذهب وأجرى الفحوصات وظهرت نتائجها، اندهش الطبيب، وطلب إعادتها مرة أخرى، وعندما سأله الرجل عن السبب قال: إنه لا يرى شيئًا من المرض، وأنه قد شُفى تمامًا، فقد اتسع الشريان الذي كان يحتاج إلى توسعة ولا يحتاج إلى جراحة، وبعد إجراء العملية مرة أخرى فإذا الطبيب يقف مندهشًا ومتسائلاً. فذهب إلى المريض وسأله متعجبًا ماذا فعلت عندما عدت إلى بلدك، وهل تداويت هناك بنوع من أنواع الدواء؟!!

فنظر إليه الرجل ودموعه تسابق كلامه، وقال: لقد تاجرت مع الله، فشفاني الله؛ فهذه هي التجارة الحقيقة، ليست هي في جمع الأموال في الأرصدة، وادخارها في الخزانات.

ختامًا، ليس هناك تجارة رابحة مثل التجارة مع الله، فمن يريد البركة في ماله وذريته، والسلامة في بدنه وماله فليتاجر مع ربه، فيبذل ويتصدق ويدخل السرور على قلب الفقراء ليُدخلَ الله على قلبه السعادة والهناء.

أسأل الله لنا وللمسلمين العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، والحمد لله رب العالمين.

المصدر: الموقع الرسمي للشيخ