مشروع إقامة دولة الإسلام

طارق بن محمد الطواري

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وبعد،،
فمنذ سقوط الخلافة العثمانية عام 1924م وتقسيم العالم الإسلامي ووقوعه تحت المستعمر رعاية ووصاية واحتلال، ولا يزال أبناء الأمة المخلصين يبحثون عن المخرج ويدفعون باتجاه الوحدة الإسلامية وعودة دولة الإسلام كمظلة شرعية تقام تحتها الحدود وتظم جميع أفراد العالم الإسلامي، وانقسم العاملون للإسلام فيها لذلك إلى فريقين:-

فريق إصلاحي وفريق ثوري اختلف كل منهما عن الآخر في المواقف والأساليب تبعاً لاختلافهم في المنطلقات والتصورات الفكرية، ويقوم المنهج الإصلاحي بالحرص على العمل الإسلامي في حدود ما تسمح به الأنظمة في الكيانات التي قامت بديلاً عن الخلافة، وعلى التفاهم مع الحكومات القائمة فيها وعدم الاصطدام بهما كلما أمكن وعدم مواجهة النظام بالنقد والتجريح، ونرى ذلك واضحاً في طريقة تعامل السلفيين في الخليج والإخوان المسلمين وجماعة التبليغ وغيرهم من الأحزاب والجماعات، ويفضل العاملون وفق هذا المنهج الأساليب التربوية الفردية مثل الوعظ والإرشاد وإقامة المدارس والجمعيات الخيرية والنوادي الرياضية والدخول في المعترك السياسي من خلال البلديات أو المجالس النيابية.

وينطلقون من أن الأمة هي مجموعة من الأفراد فإذا تم إصلاح الفرد فقد تحقق إصلاح الأمة تلقائياً بما فيهم الحاكم، وعليه فيجب أن يكون الفرد هو الهدف في الإصلاح وهو البداية والنهاية وأنه مهما ساءت الأوضاع من ظلم واستبداد وانحراف فكل ذلك ناتج عن انحراف الأفراد ورائدهم في كل ذلك الأحاديث التي تأمر بطاعة ولي الأمر وتدعوا للسمع والطاعة ولو ظلم الحاكم أو جار.

وقد زادت فرقة الجامية أو جماعة المدينة وهي فرقة جديدة أنشأت خصيصاً من قبل الأجهزة الأمنية لتكريس هذا الفهم وزيادة النهي عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا سراً للحاكم، أما الرعية فلا يأمرها إلا المخول بذلك، وأما منكرات الحاكم فالسمع والطاعة أو الهمس بالأذن وأنه لا جهاد ضد المحتل والمعتدي وكل مغتصب للسلطة فهو ولي أمر شرعي له السمع والطاعة..... الخ.

وفي المقابل برز المنهج الثوري الذي يرى خلاف ذلك فهو يرى أن واقع العالم الإسلامي واقع جاهلية غير شرعية إذ أن غير الإسلام فهو جاهلية في أي زمان ومكان وهو مرفوض جملة وتفصيلاً لا تجوز موالاته ولا الركون إليه ولا الرضابة، وإنما يجب المواجهة وبيان المفاسد والوقوف موقف التغيير ويكون ذلك بثورة الأمة وإزاحة المخالف إذ الناس على دين ملوكهم وإذ أصلح الراعي صلحت الرعية.

ومن خلال الكفاح يكون الإصلاح وبعد زوال هذه الأنظمة يكون إقامة دولة الإسلام الجديدة، أما في ظل الظروف القائمة والجاهلية اللا إسلامية فإنه ترقيع وإصلاح فردي يبقى بين مد وجزر وعطاءه محدوداً وغير مجدد لا يتناسب مردودها مع الجهد المبذول، ناهيك أن يكون الأمر دورانا في حلقة مفرغة لأن الداعي يصلح والنظام يهدم على قول أصحاب هذا المذهب الفكري، ومن دعاة هذه الفكرة السلفية الجزائرية وتنظيم القاعدة وحركة طالبان والمحاكم الشرعية في الصومال ودعاة إقامة الدولة الإسلامية في العراق كلهم يدعوا إلى إقامة الدولة الإسلامية.

لكن ربما يختلف الوضع قليلاً بالنسبة لأفغانستان والعراق والصومال، فهؤلاء الثلاثة يرون أن دولتهم محتلة بانقلاب اشتركت فيه أيادي كثيرة وأن عليهم إزاحة المستعمر من بلادهم واستئناف الحكم بالإسلام.

والعجيب أن اليهود والشيعة الأثنى عشرية كلهم يؤمنون بهذا المبدأ الثوري من أجل إقامة الدولة ذات الطابع الديني، وقد سعوا جميعاً لأجل إقامة وطن قومي مستقل يحمل الاعتقاد الديني والفكر الدقيق لليهود أو للشيعة الإثنى عشرية، وبعد التركيز وتوحيد الجهود والبذل والتضحية وربما مد اليد للمخابرات العالمية من أجل الإسهام في إقامة دولة فقد نجح الشيعة الإثنى عشرية في إقامة دولة إسلامية تقوم على أساس المذهب الشيعي الإثنى عشري، ومضى عليها أكثر من (28) سنة تكون مظلة كبرى للفكر الشيعي ولتصدير أراءه ودعم دعاته ونشر فكره وتقوية أركانه في كل أنحاء العالم.

لقد أضحى الشيعة اليوم قوة لا يستهان بها فكرياً واقتصادياً وعسكرياً إذ أن الدولة قامت على أساس الدين ودعمت الدين ووقفت إلى جنب رجال الدين، لقد امتد الفكر الشيعي اليوم ومن خلال ربع قرن إلى المغرب غرباً والسنغال جنوباً وأوربا شمالاً وأقصى الصين وأندونسيا شرقاً وأصبحت السفارات مكاتب للدعاة، وأصبحت إيران هي الدولة الأم التي تنادي وتستنكر وتبيع وتشتري وتساوم في قضايا الأمة الإسلامية العامة.

كما أصبح اليهود دولة دينية تقوم على التوراة والتلمود ويحكم فيها الحاخام ويهاجر لها اليهود من كل مكان وفرضت احترامها على العالم وجعل الساسة يتسابقون لإرضائها سراً، وجعلت تجرأ على القتل والتدمير والحصار دون أن ترد على أحد، بل تغزو جيرانها في عقر دارهم دون خوف.

كما أصبح للنصارى دولة دينية اعترف بها أمام الأمم المتحدة ولها سفراءها وهي تقوم على أساس الدعوة للتيشير والتنصير وبعث الأرساليات التبشيرية ورعايتهم، أنها دولة الفاتيكان ذات النفوذ الواسع عالمياً وهي لا تعدوا أن تكون مجرد قرية في إيطاليا.

كل ذلك ينبئك عن أهمية إقامة الدولة لنشر الفكر والمبدأ الذي تؤمن به بغض النظر عن موافقتنا أو مخالفتنا لأصحاب المنهجين والتحفظ عليهم إلا أن الجميع يتفق في النهاية على ضرورة وجود المظلة التي تحتضن أفراد العالم الإسلامي وتقيم شريعة الله وتنادي بأحكام الشريعة كيف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من يؤويني، من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي» [الراوي: جابر بن عبدالله الأنصاري المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 1/133- خلاصة الدرجة: إسناده صحيح على شرط مسلم]، هذا ولا يخلو العالم الإسلامي من الخير كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة» [الراوي: - المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الضعيفة - الصفحة أو الرقم: 30- خلاصة الدرجة: لا أصل له].

ومن أجل علم ذلك كان لابد من إجهاض مشروع دولة الطالبان ودولة الصومال وأي دولة تنهج منهجهم مع ما لهم وما عليهم..

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،،،


تم تخريج الأحاديث من موقع الدرر السنية








المصدر: الإسلام للجميع