(8) أقسام الجهاد بالسيف، وحكم كل منها
أبو فهر المسلم
ينقسم الجهاد بالسيف إلى قسمين رئيسيين: جهاد ابتداءٍ وطلَب، وجهاد الدفع..
- التصنيفات: فقه الجهاد -
* ينقسم الجهاد بالسيف إلى قسمين رئيسيين:
الأول: جهاد ابتداءٍ وطلَب، وفحواه: أننا نبدأ الكفار بالقتال في عُقر دارهم، وأننا من يأتيهم في ديارهم؛ إعلاءً لكلمة الله على كُفرهم، ودعوتهم إلى التوحيد، وإخراجهم من الشّرك، فإن أبَوا فرضنَا تحكيم الإسلام على أرضهم، وأمّنّاهم مقابل الجزية، فإن أبَوا قاتلناهم.
* حكم جهاد الطلب:
هو فرض كفاية على عموم المسلمين عند جماهير العلماء، وحكاه بعضهم اتفاقًا، وهناك أقوالٌ أخرى. وهو وفرض عينٍ على وليّ أمر المسلمين -إلا من عُذر-، ومَن يَستنفرهم لذلك.
ومعنى كونه فرض كفاية:
أنه متى قام به جماعةٌ من المسلمين، وحصلت بهم الكفاية؛ سقط الإثم عن الباقين، فلو لم تَقم بالجهاد تلك الجماعة؛ أثم المسلمون أجمعون، ولو قاموا به ولكن لم تحصل بهم الكفاية عُذروا هم، وأثم القاعدون غير أولي الضرر والعُذر.
واستدل الجماهير على فرضية جهاد الطلب بأدلة كثيرة، منها اختصارًا:
- قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة من الآية:5]، وهو أمرٌ مُلزم دالّ على الوجوب جملةً.
- وكونه على الكفاية؛ فلقوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة من الآية:122]، وهو دليلٌ على الكفاية.
- وأشار إلى إثم الجميع إذا تخلّفوا، بقوله: {إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [التوبة من الآية39].
وفي ذلك يقول ابن تيمية رحمه الله:
"فإذا كان ابتداءً فهو فرض على الكفاية، إذا قام به البعض سقط الفرض عن الباقين، وكان الفضل لمن قام به" (مجموع الفتاوى).
* وأما وجوب قتال الطلب على وليّ أمر المسلمين -إلا من عذر- فقد اتفقَت عليه كلمة الفقهاء من كلّ مذهب، لكنّا نقتصر على أحدها.
قال ابن عابدين في حاشيته:
"فيجب على الإمام أن يبعث سرية إلى دار الحرب، كل سنة مرةً أو مرتين، وعلى الرعية إعانته، فإن لم يَبعث كان كلُّ الإثم عليه، وهذا إذا غلب على ظنه أنه يكافئهم وإلا فلا يباح قتالهم" (رد المحتار).
وقال ابن تيمية رحمه الله:
"وأقلّ ما يجب على المسلمين أن يُجاهِدوا عدوَّهم في كل عامٍ مرَّة، وإن تركوه أكثر من ذلك؛ فقد عصَوا اللَّهَ ورسولَه، واستحقُّوا العقوبة" (جامع المسائل).
* القسم الثاني: جهاد الدفع، وفحواه: صدّ العدو الصائل الجاني ودفعُه، إذا هجم على بلاد المسلمين، وصال على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم.
* حكمه:
وهو فرض عينٍ على كل مسلم ومسلمة، كلٌّ بما يستطيعه، ولا يُشترط في مثله إذن وليّ أو زوج، أو الوالدين، أو السيّد، بل يتعيّن على الجميع، الدفع والجهاد بما يطيق ويقدر -إلا مَن عذَر الله- وهذا بالإجماع.
- قال ابن تيمية رحمه الله:
"وأما قتال الدفع، فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجبٌ إجماعًا، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا، لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط، بل يُدفع بحسب الإمكان" (الفتاوى الكبرى).
- وقال ابن القيّم رحمه الله:
"قتال الدفع أوسع من قتال الطلب، وأعم وجوبًا، ولهذا يتعين على كل أحد، يَقم ويجاهد فيه، العبد بإذن سيده وبدون إذنه، والولد بدون إذن أبويه، والغريم بغير إذن غريمه، وهذا كجهاد المسلمين يوم أحد والخندق" (الفروسية).
وسيأتي مزيد بسطٍ بإذن الله لحالات تعيّن الجهاد، وأحكام ذلك.