علاقة الدين بالسياسة
مدحت القصراوي
ويتساءل بسطاء المسلمين عن طيبة وافتقادٍ للممارسة السليمة: "ما علاقة الدين بالسياسية؟! ومن باب الهداية والترشيد، ومن باب الإعذار وبيان الحق، نوضح علاقة الدين بالسياسة في جانبيها، العلاقة الصحيحة والعلاقة الخطأ.
- التصنيفات: السياسة الشرعية - الواقع المعاصر -
يتساءل العلمانيون عن خبث طوية وسوء نية وكراهية لهذا الدين، ورفضًا لحاكميته فيقولون: "ما دخل الدين بالسياسة؟"! أما سفهاؤهم وكبار مجرميهم فيقولون: "ما دخل الله بالسياسة؟!
ويتساءل بسطاء المسلمين عن طيبة وافتقادٍ للممارسة السليمة: "ما علاقة الدين بالسياسية؟!
ومن باب الهداية والترشيد، ومن باب الإعذار وبيان الحق، نوضح علاقة الدين بالسياسة في جانبيها، العلاقة الصحيحة والعلاقة الخطأ، فنقول أن هناك ثلاثة محاور لهذه العلاقة:
المحور الأول: العلاقة العقدية وهي تتمثل في:
أ. قبول حكم الله تعالى التشريعي في هذا المجال، وهذا أمر عقدي عند المسلم بقبول شرع الله ورفض ما سواه، وأن قبول الشرع هو قبول عام في جميع مجالات الحياة، ومنها السياسة، وإلا التزم المسلم شرعًا آخر وهذا يناقض عقيدته؛ فجميع المجالات خاضعة لمنهج رب العالمين، وهذا يعني قبول الحكم التشريعي من الله وحده، ولو كان مصالح مرسلة، تحقَق للمسلمين، فمرجعها ومردها إلى قواعد الشريعة ونصوصها.
ب. وضع الشريعة موضع السيادة والحاكمية العليا لقيادة الحياة وتنظيمها، ووضع القوانين وتشريع النظم من هذا المنهج الرباني.
ج. التزام الولاء الإسلامي: فلا يتحالف مع مشرك ضد مسلم، ولا يستأصل شأفة المسلمين ويبيد خضـراءهم في مكان ما تحت راية كفار، أو متحالفًا معهم.
المحور الثاني:
أن الدين يحدد الهدف بتكليف إقامة الدين وتمكينه، وتصبح السياسة هي أخذ وتطبيق الوسائل التفصيلية في تحصيل المصالح والسعي للوصول إلى هذا الهدف، سواء السعي إلى حالة التمكين، أو بعد التمكين بتحقيق إقامة الدين واستقرار قيامه، ونشره في الأرض قيامًا بوظيفة نشر الرسالة، فالدافع إلى السياسة هو الدين، ومحدد الهدف هو الدين، والمكلِف بالعمل هو الدين.
ولا بد من هدف في العملية السياسية؛ فإذا غاب الدين فمن يصنع الهدف، الأهواء أم الشهوات أم المصالح المضطربة بلا ضوابط؟!
المحور الثالث: التزام قيم هذا الدين، وهذا على محاور:
أ. التزام القيم الخلقية كالصدق والوفاء والبر والنظافة، وحرمة الدم والمال والعرض، وبذل الخير للأمة، وبذل الخير للخَلْق مسلمين وغير مسلمين، كقيم تفرضها علينا عقيدتنا {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ} [آل عمران من الآية:104].
ب. رفض قيم الانتهازية والوصولية واستحلال الكذب والدجل والخداع والاستهانة بالدماء والأموال والأعراض، ورفض الصفقات المشبوهة والاستغلال القذر للإعلام وغيره من قذارات السياسة المتحللة من الدين.
ج. التزام تميز الحق ووضوحه والجهر به، وعدم خلطه بغيره أو التباسه مع رايات مموهة، والحفاظ على عِزته وتفرده لأن هذا بيان عملي للإسلام، ومن حق البشرية علينا أن ترى الحق متجردًا غير ملتبس.
د. التزام الرخَص الشرعية وعدم تعدّيها، كالتعريض كمندوحة عن الكذب، والتورية كما كان يستعملها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتمان ما لا يُفشى إلى عموم الناس: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء من الآية:83]، وغيرها من الرخص المحددة بوظيفة، ومقدرة بقدرها، وخادمة لأهداف ومصالح شرعية عليا، وغير مخلّة بقيم الدين الخلقية.
هـ. تحقيق العبودية لله تعالى من خلال التعاون مع الغير، فمن العبادات ما يقوم به الفرد وحده، ومن العبادات ما لا يقوم به إلا بالتعاون مع الغير في تحقيق تكليف شرعي، وهذا ينطبق على النشاط العام والجماعي، ومنه السياسة.
السياسة مجال للعبودية كبقية مجالات النشاط الإنساني العام والخاص، الفردي والجماعي، فمن رفض عبودية الله فيها فقد خسر، ومن لم ير الممارسة فجهل الحقيقة فهذا بيانها، ومن أراد ولوجها فهذا هو المأخذ، وهو ليس مأخذًا صوفيًا محلقًا، بل هو أمر منضبط بأحكام وقوانين تُتلقى من الله، ومؤسسات تأخذ شرعيتها من التزام شرعه تعالى.
أما العلاقة الخطأ بين الدين والسياسة فهي تسييس الدين، بمعنى أخذ القرارات السياسة والاتجاهات المبنية على الهوى وخدمة الأهواء المختلفة، ثم الاستدلال على ذلك بالدين بليّ النصوص وتطويعه ليوافق ما يريد الفاسدون! واستخدام الأجراء من العلماء الفاسدين في ذلك.
المفارقة العجيبة أن من يقوم بتسييس الدين هم أشد الناس رفضًا لحاكميته، إذ يخترعون دينًا يطوع لهم الجماهير، ليمنعوا إقامة دين الله تعالى الحق كما أراد الله! وصلى الله وسلم وبارك على أكرم الخلق محمد وعلى آله وصحبه وسلم.