لولا قوتك لما حاربوك

مدحت القصراوي

مجرد الإيمان بالله ورفض الطاغوت يعني أن هناك حراكًا لتغيير نظام الحياة بجملتها وفق ما أنزل الله تعالى، وفي الطريق تتغير الأوضاع والعلاقات وموازين كثيرة، فيتساقط الباطل ومعه الفساد وبرفقتهم الشهوات الباطلة وأصحابها، والأوضاع الظالمة وأربابها.

  • التصنيفات: قضايا إسلامية -

{وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَاد} [الزمر من الآية:17].
الإسلام هو عبادة الله وحده وطاعة الله وحده، بقبول شرعه وحده ورفض ما سواه، ومن عبد غير الله، أو أطاع غير الله بقبول شرع غيره فقد عبد الطاغوت.

والطاغوت هو ما عبد من دون الله وهو راضٍ، فالصنم طاغوت، والمبدل للشرائع من الأشخاص والهيئات طاغوت، والطاغوت يقوم عليه أوضاع اجتماعية واقتصادية ومصالح وموازين وأموال وعلاقات.. إذا اجتنب المسلمون الطاغوت، غضب عبَد الطاغوت وسدنته، وحاربوا المسلمين وعذبوهم، فلماذا؟ لماذا لا يتركونهم وما اختاروا؟

لولا أمران لما عذبوا الناس ولتركوهم في حالهم:
الأول: أن المسلمين حين رفضوا عبادة الطاغوت لم يرفضوه رفضًا سلبيًا وانسحبوا كالمتحنفين، بل اجتنبوا الطاغوت، بما قام عليه من عقائد وثقافات، ومن أوضاع اجتماعية واقتصادية وسياسية، ورفضوه إلى بديل آخر وهو منهج الإسلام يقوم على قاعدة أخرى وهي العقيدة والتوحيد.

وبالتالي فمجرد الإيمان بالله ورفض الطاغوت يعني أن هناك حراكًا لتغيير نظام الحياة بجملتها وفق ما أنزل الله تعالى، وفي الطريق تتغير الأوضاع والعلاقات وموازين كثيرة، فيتساقط الباطل ومعه الفساد وبرفقتهم الشهوات الباطلة وأصحابها، والأوضاع الظالمة وأربابها.

والثاني: شعور أهل الباطل ويقينهم بضعف وخواء ما هم عليه، لذا تجد فرعون وهو المعبود، الذي قيل: {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} [الأعراف من الآية:127]، يعني وعبادتك -في قراءة متواترة- هذا المعبود! يسأله السحرة قبل مواجهة موسى: {أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ}؟ [الشعراء:41]، فيقول في لهفة وضعف وتملق لهؤلاء الخدم عنده! {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الشعراء:42]، ويقولون لنوح: {لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَانُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} [الشعراء:116]، يعني ينتهي عن دعوته، ويقولون للوط: {لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ} [الشعراء:167]، لأنه سيغير الأوضاع الاجتماعية، ويقضي على شهواتهم الشاذة والفاجرة.. 

ويقولون لشعيب: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [الأعراف من الآية:88]، لأنه سيغير معبوداتهم بالواقع الاجتماعي والاقتصادي القائم على سرقة أموال الناس، وقالوا للرسل عمومًا: {لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْلَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [إبراهيم من الآية:13]، وسار على هذا الدرب والضعف أولياؤهم اليوم وذريتهم؛ يطاردون المؤمنين أينما كانوا، ويحاربون في بشاعة لا تقل عن بشاعة الحيوانات عديمة الرحمة بل أشد، فإنهم يقتلون ثم يدعون أن القتيل هو المعتدي.

لا تنس فإنهم ضعاف يعتورهم الخور وهم يعرفون هذا، ولولا ضعفهم لما واجهوك، ولولا الضعف الشديد لما كانت الشراسة، ولولا أنك تملك البديل لما واجهوك في بشاعة، إنهم يئنون كما تئن، وتنعمُهم إن كان -قلق ومر- لا تنس ما معك ولا تستهن به، معك الحق فلا يفتنُنك عنه ولا تغفلن عن قوتك، ولا تسكت عنهم {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان:52]، {وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ} [النساء من الآية:104].

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام