من تستصرخون لإنقاذ القدس؟
مدحت القصراوي
الآن يستصرخ الناس (أبو مازن، وفتْح) وأمثالهم لإنقاذ المسجد والقدس، وهنا يجب أن نعرف أن الناس نوعان: نوع يتصل بقضايا أمته ودينه حتى تذوب شخصيته وذاته في القضايا العامة للأمة.. ونوع آخر ينزوي لشهوات نفسه، اشتهى المناصب والشهرة، والأموال والظهور، والتفاوض (للشو الإعلامي)، والمدح الغربي والثناء الإعلامي المغرض، وهؤلاء يتصدرون ليجنوا أرباح الأدوار..
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
اعرفوا من تواجهون.. من تستصرخون لإنقاذ القدس؟
الكثير من الحقائق عن القدس فهي الحقيقة وهي العنوان، وتاريخ سلسال وجغرافيا تختصر قارات وأزمان، في القدس لافتة وعنوان على واقع الأمة، وعلامة على غلبة الحق أو انتفاشة الباطل، في القدس يدق الزمان وينبض التاريخ وتصنع الأحداث..
لكن الآن يستصرخ الناس (أبو مازن، وفتْح) وأمثالهم لإنقاذ المسجد والقدس، وهنا يجب أن نعرف أن الناس نوعان:
نوع يتصل بقضايا أمته ودينه حتى تذوب شخصيته وذاته في القضايا العامة للأمة، هذا النوع يرى كل خسارة عامة في هبوط القيم أو انحراف الأخلاق، أو تغير سلبي في الأجيال أو تيه الناس أو غياب المفهوم الصحيح، أو غبش العقائد عند الناس، أو ضياع أرض للمسلمين أو اعتداء على المقدسات، أو ضعف أو انكسار لأي قوة مسلمة في مشارق الأرض أو مغاربها، أو اعتداء على دم مسلم أو عرضه أو ماله..
يرى في هذا اعتداء عليه هو، ذلك أنه ذابت نفسه واندمجت شخصيته في شخصية أمته وآمالها وآلامها، ولذلك يجد هذا ألما لقلبه وتمزقًا يقتطع من نفسه، فلا يفرق بين ما يصيب شخصه أو يصيب أمته أفرادًا أو جماعة، بل ويقدم لها روحه وحياته ثمنًا ومهرًا راضيًا مطمئنًا، كما تكون قرة عينه في إصلاح الوضع العام واستنقاذ الأمة ومقدساتها، وهذا نوع مخلص ومناضل، مكانه الآن في السجون أو مغربًا أو مشردًا طريدًا، أو مقاتلاً مجاهدًا كـ(جند حماس، والقسام والمقاومة).
ثمة نوع آخر ينزوي لشهوات نفسه، اشتهى المناصب والشهرة، والأموال والظهور، والتفاوض (للشو الإعلامي)، والمدح الغربي والثناء الإعلامي المغرض، وهؤلاء يتصدرون ليجنوا أرباح الأدوار، ومن ثم (يبدَلون) كل حين، ويستبدلون لعمالة أخس وثمن أفدح، وبالتالي فقضايا الأمة والمقدسات -والعمل الجاد لها- تمثل لهم عبئًا ثقيلًا، لا يهمهم أن تضيع القدس أو يهدم المسجد، أو يبنى الهيكل الصهيوني أو تشرد الأمة..
ذلك أنهم ملؤوا جيوبهم وحساباتهم في البنوك، وجهزوا بيوتًا في الخارج، ووطدوا من العلاقات مع أعداء الأمة ما يرون أن لهم به نجاة وتفاوض وابتزاز، لضمان نجاة ومصالح أشخاصهم لا ضمان مصالح الأمة {وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ} [التوبة من الآية:50].
يجب أن يدخل قدر من علوم النفس والاجتماع ومعرفة خصائص الشخصيات ضمن التحليل السياسي كعلم مستقل، فمن يحلل المشهد السياسي المتأزم للأمة، بأن صارت مقاليدها في يد أخس البشر وأسوأ النفوس وأدون الفطر، فمن يقرأ هذا المشهد أو يسعى لخلاص الأمة، أو يخطط لنجاتها يجب أن يأخذ جيدًا في الحسبان طبائع النفوس وطبيعة الشخصيات التي تتصدر المشهد.
المشكلة أن الفقراء والمساكين والشعوب المطحونة تمشي خلف النوعية السيئة لارتفاع صوت إعلامهم الذي لا يملكون، مع العمالة سواه.. وذلك من خلال كمية ضخمة من التضليل والقمع والكذب الممنهج الذي تساق به الشعوب، كلما تُرك الناس لفطرتهم وهويتهم للاختيار الحر اختاروا الإسلام، لكنهم يختارون الإسلام عن عاطفة لا مفهوم عقدي واضح..
في نفس الوقت تتلاشى الحركة الإسلامية -في غالبها- بيان وتصحيح المفهوم العقدي -الذي قامت به مدارس السنة عبر التاريخ، وقام ببيانه أعلام بارزون في القرن الأخير- ظنًا أنه مرتفع الثمن، بينما هم يدفعون ثمن التلبيس أضعافًا مضاعفة، وأصبح من ينتهج التوجه العقدي لحل المعضلة إما مشوه، وإما يسلك عنفًا غير منضبط، أو غلوًا يكفر به عموم الأمة؛ فيعادي أمته، وينسى مقاصد حفظ الأمة، أو يصبح البديل هو التفريط والتمييع لقضايا الإسلام، والبحث عن تعايش ذليل يصبح فيه الإسلام تابعًا يتحكم في مكانته ويحدد دورَه أعداؤه!
وأما التوجه الإحيائي الذي يمثل الحل ويسقط المجرمين ويفتح الطريق فما زال يرواح مكانه، ضعيف الصوت غير بيّن المعالم، بل لم يطرح ضمن البدائل المطروحة، في حين أنه هو الحل المتزن والمعتدل، والأمر بيد الله تعالى عليه نتوكل وبه نعتصم وهو حسبنا.